هموم المواطن العربي لا تتوقف عن ماذا يفضل العربي العادي، عندما
يسأل وهو عائد من عطلة الصيف الطويلة إلى عمله؟ على الطريقة الفرنسية
أن يبدأ السائل من الأخبار السيئة وما أكثرها، ثم يأتي دور الأخبار
الجيدة وما أندرها؟! المواطن العربي حصيلة زمن التراخي والعقود،
واجترار الوقت وليس لديه وقت للعطلة القصيرة أو الطويلة وممكن أن تحسب
أن كل أوقاته عطلة مفهوم العمل والشغل ليس لها أي ارتباط بواقعه إذ هو
ليس فاعلاً في حاضره ولا ثمة أحلام طيبة في مستقبله، فكلمة مواطن تثير
في تفكيره نزوع القرب وحقوقه المواطنية وتعود للمواطن الفرنسي الذي يعد
لعطلته الصيفية بأدق تفاصيلها من حيث الزمان والمكان والميزانية يعلم
جيداً بفضل خبرة السنين الطويلة أن سلسلة من الأخبار السيئة تنتظره
سواء في علبة بريده أو عبر وسائل الإعلام فلماذا يبدأ إذن بالأخبار
الجيدة أليس من الأفضل ترك القليل من الفرح إلى النهاية لتعويض مرارات
البداية! والطبيعي جداً، أن كون أول الغيث في الأخبار السيئة، المزيد
من الرسوم والضرائب، وأول ما يلاحظه أربعة ملايين باريسي مثلاً يركبون
المترو صباحاً ومساءً إلى أعمالهم أن سعر البطاقة البرتقالية للتنقل قد
ارتفع بين 2% و3% وأحياناً أكثر بقليل فهذه الزيادة السنوية مع نهاية
الصيف أصبحت مثل الأزمة الأغنية بدونها لا تستقيم، وما أن يفتح هذا
الفرنسي علبة بريده حتى يكشف أن رسوماً أخرى قد ارتفعت ومنها الضريبة
على التلفزيون في المنزل، نعم الفرنسي يدفع ضريبة رسماً يصل إلى مئة
يورو سنوياً عن كل جهاز تلفزيون يملكه في البيت.
ثم تأتي رسوم البلديات، وكل ذلك غيض من فيض، خصوصاً عندما ترتفع
نسبة الضريبة التصاعدي في نهاية العام، ورغم ذلك فإن هذا الفرنسي
العادي سيبلع الظلم ويبتسم، فقد اعتاد على الأسوأ خصوصاً في زمن اليورو
حيث ارتفعت الأسعار أكثر من عشرين 20% في المئة وعندما يبدأ الفرنسي
عمله في مطلع أيلول، سيجد نفسه في قلب حسم القرار النهائي من إلغاء أو
تعديل قانون العمل الخاص بـ35 ساعة الذي وضعته مارتين أوبري، فقد اقتنع
أركان اليمين الفرنسي وضمناً بعض الاشتراكيين، أن هذا القانون قد قلص
ساعات العمل وأخر الإنتاجية العامة، دون أن يحقق مكاسب حقيقية سواء
للعمال، والموظفين أو لأرباب العمل، ولأن الحكومة الحالية أو المقبلة
لا تريد أن تضرب بجرة قلم قراراً سيحوله الاشتراكيون إلى ضحية يدفعون
النقابات العمالية للانتقام له بمزيد من الإضرابات العامة، فإن
النقاشات تدور حول الصيغة المثلى، ويبدو أن هذه الصيغة وجدها جان بيار
رافاران رئيس الوزراء في كلمة الرئيس شيراك ضمن حملته الانتخابية من
يريد من الفرنسيين أن يزيد دخله يستطيع أن يعمل أكثر ولذلك فإن الاتجاه
نحو الالتزام بالساعات الإضافية المحدودة؟ التي ترفع داخل العامل، وفي
الوقت نفسه بعض أرباب العمل من دفع الرسوم على هذه النسبة الجديدة من
زيادة الأجور ويبدو أن هذا الحل يلاقي استحساناً لدى الفرنسيين
العاملين، والدليل أن شعبية جاك شيراك ارتفعت ولأسباب أخرى إضافية خلال
الأسابيع الماضية بعد هبوط قوي؟! ولغاية هذه اللحظة لحسن الحظ لم تهبط
شعبية أحد من القادة العرب والأفارقة، ولم يلحظ منذ قرون من يتحدث عن
صعود أو هبوط شعبية أحد ما؟!! يبقى إذاً كان الفرنسي يهمه معرفة مصير
رئاسة (حزب الأغلبية من أجل الرئاسة ومصير نبكولاساركوزي السوبروزير
الطامح لرئاسة الحزب في وقت خيره شيراك بين موقع من الموقعين فإن هذا
الهم يقع ثقله أساساً على شيراك وأركانه، فالقضية تقنية أساساً لأن في
قلبها تكمن الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2007. |