الشرقية قناة عراقية افتتحها سعد البزاز بدعم من دولة خليجية،
أغدقت عليه سابقا لإصدار صحيفة الزمان في لندن ضمن برنامج لدعم
الشخصيات ذات المواصفات المقبولة لتلك الدولة التي تؤدي دورا خلف
الكواليس ينسجم مع المخطط الطائفي المراد تمريره في العراق..
اللافت في هذه القناة الفضائية صاحبة الخزانة الضخمة أنها استقطبت
كل المصفقين والمتملقين والطبالين في جوقة الفيلق الإعلامي لصدام
حسين، وبخطوة غير ذكية سارت على نفس النهج الذي سار عليه تلفزيون
الشباب لصاحبه(زين الشباب) فجعلت ــ فضائية الشرقية ــ من الهز والفز
والغناء المتواصل أرضية برامجها المتواصلة، فلا تتوقف عند آذان ولا
تمنعها مناسبة دينية كـ( وفاة سيد الكائنات) عن مواصلة الرقص وهز
الأكتاف والأرداف في مهرجان لا يوجد ما يبرره في عراق مثقل بالدم
والفقر والأمية..
لم تكلف قناة سعد البزاز نفسها أن تقدم لمشاهديها برنامجا تربويا،
ولم يتعب المسؤولون عليها أنفسهم في النزول إلى هموم المواطن
العراقي، أللهم إلا بعض البرامج التي ترقع وجوه طائفية حكمت العراق،
وتزيف وقائع واضحة من خلال استضافات لبعض الناظرين للتاريخ من
زواياهم الضيقة..
الغريب الآخر في فضائية البزاز أنها ترمم البيوت لبعض المتضررين
جراء الحرب الأخيرة، وهذا (المشروع) يحمل الكثير من علامات التعجب،
فلماذا يفعل البزاز ذلك؟ هل يوزع المكارم سيرا على الطريقة التي
ابتكرها صدام حسين سعيا وراء مناصب مستقبلية؟ أم إنه يستشعر الهم
العراقي حقيقة؟.
إذا تجاهلنا مصدر الأموال التي ينفقها البزاز على هذه الممارسة،
وقلنا أنها بادرة حسنة تروم تخفيف بعض المعاناة التي يعيشها شعبنا
المبتلى، وتعاطفنا مع العوائل الكريمة التي تضررت من الحرب الأخيرة،
نصطدم بحقيقة تثير الكثير من الشبهات حول ممارسة البزاز هذه..
فإذا كان الهدف هو خدمة العراقيين دون أية أهداف دعائية أو
سياسية، فالأجدر بالبزاز أن يشمل بقرعته جميع المتضررين من الممارسات
القمعية والحروب التي تسبب بها صدام حسين، وفي العراق اليوم ملايين
الأيتام والأرامل والمهدمة بيوتهم عمدا من قبل نظام صدام حسين..
فلماذا استثنت فضائية البزاز كل هؤلاء من( الرعاية الأبوية) وشملت
الأخوة الذين تضرروا من الاحتلال؟!.
هل خراب صدام حسين مشروع وخراب الاحتلال غير ذلك، أم أن البزاز لا
يريد أن يحسب نفسه على معارضي صدام ومنتقديه ويشعر بعدم الانتماء
لأعرض الشرائح التي تضررت من النظام السابق؟.
إن كان يشعر بالانتماء حقا لكل العراق ودون عقد طائفية، لماذا
استثنى هذا العدد الهائل من العراقيين الذين ظلموا من صدام إذن؟.
النقطة الأخرى التي تثير الشكوك حول فضائية الشرقية التي لا نريد
أن نسميها فضائية البعثية كما ينعتها كثير من العراقيين، هي
تقليدها للجزيرة في دفاعها عن صدام حسين وتشكيكها بشرعية محاكمته رغم
أن البزاز يعلم باعتباره كان في دائرة السلطة كم هو الظلم الذي وقع
على العراقيين، فلو وجدنا العذر للمحامي الأردني خصاونة وغيره من
المضللين ولا عذر للمرتزقة والمنتفعين، الذين يكرهون الحق ويعشقون
الباطل، وهم كثر ولكن لا تعني كثرتهم أنهم على الحق، وكما في النص
الشريف: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ
بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)(1)
فلا يوجد أي عذر للسيد البزاز في موقف يشكك فيه بمحاكمة صدام حسين،
سيما أن هذا التشكيك جاء عبر برامج يديرها مذيعون صداميون مجّدوا
بصدام طويلا قبل أن ينتقلوا للعب دور آخر عبر الشرقية..
بعض هؤلاء المذيعين يقدم برنامجا سياسيا يستضيف فيه شخصيات
يختارها بعناية، فيترك لها العنان لتصول وتجول مدافعة عن صدام، وحين
يضطر أو يخطأ في اختيار شخصيات أخرى لاتنسجم وما يريده في
برنامجه المكرس لإنصاف صدام من الشعب العراقي وليس العكس، يستعير
عبارة سامي حداد( ليس موضوعنا)..
نعم ليس موضوع هذا المذيع المتحذلق أن يسلط الضوء على جرائم صدام،
بل موضوعه أن يدافع عن صدام حسين فقط، متجاهلا دعوات كل العراقيين
المظلومين من الكرد والشيعة الذين ظلموا من صدام حسين وبحال تماثل
أشباهه المذكورين في الكتاب العزيز.. (جَعَلُوا
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ
وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)(2)
قبل أيام استضاف هذا المذيع (سهوا) السيد قاسم عباس، المحامي
والكاتب المعروف، وحين هم الرجل بتعداد جرائم صدام وانتهاكاته لحقوق
الانسان، بادره مذيع الشرقية( ليس موضوعنا) وانتقل بالحوار مع ضيف
آخر، والمفارقة أن هذا الضيف بدأ بالحديث عن جرم مشهود وجرائم ثبتها
صدام على نفسه بقرارات جمهورية صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل
الذي كان يرأسه، كقرار إعدام الدعاة وقطع الآذان ووشم الجباه وغيرها
العشرات.. ولكن المذيع لم يمهله أكثر من ثوان قليلة قبل أن يفجر
عبارته المفخخة في وجهه وبحنق:( ليس موضوعنا)..
وعاد ثانية ليحدث قاسم عباس ضيفه الآخر، ولم يجد الأخير بدا من
الدفاع عن محاكمة صدام باعتبارها انعقدت في ظل حكومة عراقية تشكلت
بموجب قرار مجلس الأمن ومن قبل موفده الإبراهيمي، ونالت الاعتراف
الدولي الواسع وهو الأمر الذي كان يطالب به البزاز عبر فضائيته
وصحيفته، وذكر السيد قاسم عباس جرائم حلبجة والأنفال وتجفيف الأهوار
وإعدام العلماء، ولم يكمل حتى انفجر مذيع الشرقية حاليا وتلفزيون
الشباب سابقاً صارخا( ليس موضوعنا)!!
مالموضوع إذن يا مذيعو الشرقية هل تريدون الدفاع عن صدام حسين بكل
وسيلة؟ ولكن الناس لم ينسوا بعد، أمهلوهم على الأقل بعض الوقت حتى
يغرقوا في موجة الصخب التي تثيرونها ثم حرفوا التأريخ كيفما
تشاءون!..
قولوا بعد حين لجيل آخر، أن صدام حسين كان بطلا قوميا من نوع
منقرض، وقولوا لهم أن شعبه ضربه بالأسلحة الكيمياوية وأجبره على غزو
الكويت وقتل العلماء ودفن الآلاف في المقابر الجماعية.. قولوا
لأجيالنا اللاحقة أن صدام حسين لم يكن طائفيا بل انتمى لكل
العراقيين، ولم يميز بين الطوائف والأطياف والطبقات الاجتماعية،
قولوا لهم أنه يكره سفك الدماء وقتل النفس التي حرم الله قتلها..
وقولوا لهم أيضا أن الشعب العراقي هو المجرم والخائن والعميل، لأنه
لم يمت من أجل صدام..ربما تجدون من يصدقكم وقتها، أما الآن فلا أظن
إلا أن حالكم كذاك الذي يغطي الشمس بغربال.. (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ
نُورِهِ )(3)..
(1)
الآية 70 من سورة المؤمنون.
(3)
الآية 8 من سورة الصف.