لم يعد الزمن الراهن صالحاً كي يكون المسار العفوي وارداً لأي لغة
حية كما هو حال اللغة العربية المعاصرة إذ لا بد وأن توضع لها الخطط
العلمية المدروسة لمدها بكل ما يرفع من شأنها بين لغات العالم الحية
الأخرى وإلا فإن وجود مجامع اللغة العربية في العالم العربي لم يعد له
أي أهمية!
حال أي لغة حية اليوم هو أما أنها تقدم أو تتأخر أو تتجمد على
أرومتها ورغم أن تقدم أو تأخر أو تجمد أي لغة ليس موضوعاً مبحوثاً حتى
على الدراسات الأكاديمية بسبب الصعوبة للوقوف على نجاح النقاط التي
تؤهل هذه اللغة الحية عن تلك بميزة أو أكثر أو أن عدم نجاح النقاط التي
تدفع بأي من تلك اللغات وإتباع نمطية من الأرومة التي تحول فعلاً دون
نجاحها إلا أن عملية البحث العلمي بهذا الصدد غير عاجزة عن تقديم شواهد
ونماذج من الأطر اللغوية المعتمدة لدى لغة ما من اللغات الحية التي
ممكن أن تؤهل فعلياً ليس لنجاح تلك اللغة بل استمرار نجاحها عبر منافسة
شريفة مع اللغات الأخرى فمثلاً أن صعوبة كتابة اللغة العربية وبالذات
لدى المبتدئين والأميين مسألة لا تحتاج إلى برهان كما لا تحتاج اللغة
الألمانية رغم طول كتاب بعض مفرداتها اللغوية إلى إثبات سهولة كتابتها
وعلى أساس من هذه المقارنة الواقعة فعلاً يمكن دراسة قواعد اللغة ومن
باب المقارنة أيضاً بين أي لغة حية مع لغة حية أخرى ومن ثم تتم عملية
استحصال أفضل نتائج المقارنة بين قواعد اللغتين لتبيان ما يمكن أن
تستفاد منه اللغة الحية في جانب يسرها كبديل عن الجانب الصعب في اللغة
الأخرى ولكن ليس على حساب الخصوصية.
فاللغة الإنكليزية اليوم التي تعد بحسب الدعاية اللغوية الغربية
بأنها لغة سهلة التعلم تكتنفها الكثير من المصاعب وربما تكتفي اللغة
الإنكليزية مع اللغة العربية في صعوبة الكتابة بكل منهما كما أن
القواعد بأي من هذين اللغتين العربية والإنكليزية فتمتازان بالصعوبة
الحقة هذا بغض النظر أن تقديم الصفة على الموصوف يختلف عما في العربية
حيث يتقدم الموصوف على الصفة ففي الإنكليزية مثلاً نقول (good man) أي
رجل جيد لكن الترجمة الحرفية لهذه الجملة بالمقارنة مع تركيبة اللغة
العربية لها تعتبر غير منسجمة من حيث الدلالة السريعة على المعنى إذ أن
تلك الترجمة لا يصح أن تكون بصيغة (جيد رجل) لذا يلاحظ أن الناطقين
باللغة العربية واللغة الإنكليزية يعانون من إشكالية عدم الاستدلال
السريع لفهم المعنى أو على الأقل لوضعه في المحل الصحيح الذي لا يترك
إشكالية لفظية.
وبخصوص اللغة العربية فإن ميزة رشاقة لفظها تقتضي من مجامع اللغة
العربية أن تستغلها خير استغلال لصالح تقدم ونشر العربية في العالم
ولكن ليس على الإصرار بإبقاء كل مشاكلها على حالها الآني، حيث صعوبة
القواعد وصعوبة الكتابة وصعوبة حل مشاكل بعض الأروقة اللغوية التي لها
علاقة بفروع علم اللغة العربية كـ(صعوبة) معرفة أوزان الشعر وقوافيه.
ولأن المنافسة على الوجاهة بين اللغات أمر وارد وتعمل له العديد من
مجامع اللغات الحية في العالم لذا يلاحظ أن بعض البلدان تخصص أموال
طائلة من أجل نشر لغاتها في العالم، والترشيح للعالمية عند أي لغة هي
مشروعة وهذا ما يقتضي أن يفتح اللغويون المخلصون عيونهم على لغاتهم
فيقدموها إلى التطبيق الأيسر والفهم الأسهل، وعامل السايكولوجيا (أي
العامل النفسي) بهذا الصدد مهم جداً للتأثير على التعلم الأفضل للغة
وهذا ما ينبغي أن يبدأ تعلم اللغة الحية بأسلوب مشوق يمكن منه إيضاح
بعض التفاصيل لقوانين اللغة بلا أي تعقيد ولا يأتي ذلك إلا بكون أحداث
تغيير لصالح كسب معارف أي لغة حية من خلال ضرب أمثلة حيوية بسيطة لا
تثقل كاهل المتعلمين لها.
إن لكل لغة حية تاريخ ومراحل تاريخ قطعت أشواطها بجدارة بدليل أن
لغات عديدة قد بقيت وأخرى بادت لكن تداول أي لغة لكونها متداولة لا يدل
بشكل على تفوقها على غيرها من اللغات فمثلاً أن رياح الحضارة التي لم
تصل إلى العديد من بقاع المجتمعات أبقت لديها تداول لغاتها القديمة
لهذا فإن تداول زهاء (4000) لغة اليوم على مستوى العالم لا يعفي من
القول أن (10) عشرة لغات بين هذا الكم من اللغات هي المتداولة أكثر على
صعيد عالم القرن (21).
ولأن اللغة وسيلة متقدمة بين بني الإنسان لذا يقتضي مبدأ الحرص على
أي لغة حية أن يتم تشذيب ما هو عالق فيها من زوائد وتعقيدات إذا ما
فهمنا أن تصعيب أي لغة لا يستند إلى أي فلسفة قوية.
وبذاك فقط يمكن تقديم خدمة جليلة للغة المعنية وبالنسبة للغة
العربية بصفتها لغة القرآن ولغة العرب وستكون لغة الجنة أيضاً وأنها
كـ(لغة) عظيمة تسير على خطى يحفظها الله سبحانه وتعالى فهذا ما يشجع
حقاً على تيسير العربية إلى أسهل صيغة في كل من مجالاتها بحيث تكون
منافستها لبقية اللغات موضوعية حقاً. |