بالرغم من أن كل أسلوب أهوج يتبعه الوالدان في تربية الأولاد يكون
له الأثر السيء، ويولد نوعاً من الانحراف، فإن الإكثار الضار من المحبة
للأطفال يعد من أعظم الأخطاء التربوية، ولها عواقب سيئة وخطيرة.
والعالم النفسي (جلبرت روبين) يقول: إن تعويد الطفل على الإعجاب
بنفسه يورث الغضب الشديد فيه لأبسط الأشياء، والاستبداد في الرأي، وفي
الغالب يدفعه إلى الرغبة في طلب الجاه، وفي النتيجة يحصل الطفل على
القدرة التي تساعده على التقدم، ومع كونه ذا أعصاب هزيلة فإنه ينجح
بواسطة الحيلة والشدة.
إن جعل الأطفال معجبين بأنفسهم يكون منهم أفراداً تعساء، ضعفاء،
عديمي الإرادة.
ومن أسباب الغرور والإعجاب بالنفس عند الأطفال هو كثرة الإطراء من
الناس عليه عند إحراز نجاح وقتي في عمل معين، كظاهرة تصدي الأطفال
للوعظ في المساجد حيث صبي صغير تجاوز أعوامه العشرة بقليل يجتاز صفوف
المصلين في أحد مساجد المسلمين يقف أمامهم وكله حماسة، ثم يلقي موعظة
دينية بصوته الجهوري من دون أن يتلعثم أو يرجف، ومع ارتفاع صوته يزداد
احمرار وجهه ويزداد تفاعل الناس الطيبين الذين اعتادا تسليم رقابهم إلى
كل من يتصدرهم مع موعظته التي يحفظها عن ظهر قلب من دون أن يعيها
وتنتشر هذه الظاهرة لتصدي الأطفال للوعظ بشكل لافت وتلقى تأييداً
وتشجيعاً من كثير من المصلين والأئمة، تحت مبررات مثل (رفع الرهبة من
صدور الدعاة منذ الصغر) و(حاجة الأمة إلى دعاة يمتلكون الثقة بالنفس)
وغيرها. وتشهد الظاهرة توسعاً يثير قلق بعضهم، بخاصة بعد أن سيطر
الغرور والإعجاب بالذات والتكبر على هؤلاء الأطفال.
ويروي شقيق أحد هؤلاء الأطفال جزءاً من حياة شقيقه (الداعية الصغير)
في المنزل: يلقي في المسجد أقوالاً تأسر قلوب الناس وتأخذ ألبابهم.
لكنه صغير (12) عاماً، وفي البيت يصرخ ويلعب مع الصغار، وفضلاً عما
أضفته عليه الشهرة التي نالها من الإعجاب بالنفس، أصبح رافضاً لنصائح
والديه، إذا استمر الأطفال في الوعظ من دون ضوابط فالأمر خطير، هذه
الظاهرة ليست صحية، فقبل أن يعطي الواعظ عليه أن يأخذ، ولا يحق لكل من
يقرأ صفحة من كتاب ثم يعيدها على الناس أن يعتبر نفسه واعظاً.
ويرى الدكتور صلاح البرودويل: أن (الدعوة مسؤولية جدية وثقيلة الحمل،
لذا لا يجب على الإطلاق أن تدخل فيها عوامل الإعجاب والتشجيع للأطفال،
وعلينا ألا نزج بهم في معمعة الدعوة، فالوعظ ليس معلومات تلقى فحسب،
وليس مجرد حفظ لآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، إنما هو محاولة
لتوظيف وإسقاط هذه الآيات والعبر التاريخية على الواقع المعاصر، في
محاولة للمواءمة بين أصالة الدين وقضايا العصر، وهو ما يعجز عنه
الأطفال الذين ينقصهم الكثير من الخبرة الحياتية.
ويخشى البردويل من أن تتحول الظاهرة إلى لعبة طريفة لا هدف من
ورائها سوى تقديم نماذج طفولية في ثوب الكبار كنوع من التسلية، ما يمكن
أن يكرس الأمية الدينية إلى جانب الأمية الثقافية والسياسية.
ولا مانع من أن تستغل المواهب الموجودة بين الأطفال، لكن بشروط
معينة، مثل جلسة خاصة أمام المعلمين أو خلال الأنشطة كالمخيمات الصيفية.
إذن خطورة هذه الظاهرة تتمثل في ما سيناله المجتمع من جهل هؤلاء،
فضلاً عن الغرور الذي يصيبهم، وتطاولهم مستقبلاً على العلماء، وعدم
قبول النصيحة والتكبر على العلم، لأن الناس يسمعون لهم وبالتالي يظن
هؤلاء أنهم وصلوا إلى مرتبة عليا، فيهذون بما لا يدرون وما هذه الظاهرة
إلا نتيجة تقاعس من هو أهل له إما بحجة الانشغال أو قلة الموارد.
فعلى الوالدين أن ينتبهوا إلى ضرورة المحبة للطفل وحاجته الماسة
إليها، ولكن لا تلك المحبة المفرطة التي تحرك رغباته مشتهياته فإن هناك
قوانين لا تقبل التغيير تؤثر دائماً – في كل عصر من العصور – في حياة
المجتمعات، ومن تلك القوانين: أن يقرر كل فرد مستقبله بيده في ظل صبره
وتحمله واستقامته، والطفل المعجب بنفسه والفاسد أعجز من أن يقوم بهذا
الواجب، إنه يعيش في عالم خيالي غير متوافق، ويظن أبداً أن الابتسامة
البسيطة أو الأنكماشة الضيئلة ستحرك عواطف الجميع وشفقتهم. |