أظهرت دراسة حديثة الصفات التي يتمتع بها كل طفل حسب ترتيبه بين
أخوته في الأسرة، فالطفل الأول يميل إلى الكمال، والمتوسط يتميز
بالمرونة والاعتدال وقابلية التأقلم مع الظروف المختلفة، كما يتميز
بموهبة التعامل والتفاوض مع أطراف متعددة، والطفل الأخير يكون واثقاً
من البداية بأنه محبوب، كما يتميز بقدرات هائلة على الإقناع والإبداع
والمرونة.
يمكن الاستفادة من هذه الدراسة في مجال التخطيط والتنظيم لدى الأسر
والمجتمعات الدولية حيث الاهتمام المتزايد بتحديث وسائل التعليم
والثقافة والتعلم المستمر والمستديم دون الحاجة إلى معلم بل بالوسائل
المتاحة في سبيل ذلك، وأيضاً في مجال التخصص ومعرفة ميول الطفل ورغباته
واتجاهاته النفسية لشيء معين وتكيفه مع وضع معين تكيفاً تاماً وكاملاً
فتكون سبباً في إبداعه وتقدمه في ذاك المجال المعين.
بما أن النظام والتخطيط المبكر له دوره الكبير في توفيق الإنسان
وانتصاره كما أننا لو نظمنا ساعات عملنا ونشاطنا، وأوقات فراغنا
واستراحتنا ومواردنا ومصارفنا المالية وجميع الأمور المادية والمعنوية
على أسس صحيحة فإننا سوف ننعم بحياة مثمرة سعيدة في الدنيا والآخرة،
وإذا نظرنا بدقة وجدنا الكون من الذرة إلى المجرة تحت نظام كوني دقيق
وهذا نفسه يشكل نموذجاً لنا نحن المخلوقات لكي نقوم بتنظيم حياتنا وكل
أمورنا.
إذن الموفقون من الناس قد نظموا حياتهم وفق مخطط دقيق فهم يتقدمون
في الحياة ضمن أسلوب صحيح، وإن الانتصارات والمعطيات الكبرى التي حصلت
عليها الأمم والرجال العظام في الماضي والحاضر في مجال الزعامة
والقيادة والسياسة والعلم والفن وغير ذلك مرهونة لذلك التخطيط الدقيق،
والعمل المنظم في الحياة وبما أن علماء النفس أثبتوا إمكانيات الطفل
الصغير في التعلم وما رافقه من بدء المطالبة بتغيير نظم التعليم في
المراحل الأولى من حيث المنهج ومن حيث سن الدخول في هذه المدارس
بالنسبة للأطفال.
فلماذا لا نستفيد من التراتبية أو الترتيب العددي بين الأطفال في
الأسرة حسب الدراسة المذكورة في المقدمة، وذلك بتوظيف ميول الطفل
ورغباته وانعكاساته النفسية وتكيفه مع الأجواء المريحة لذهنيته حسب
مجاله الإبداعي بحيث يكون الطفل قادراً على التلائم معه وإتقانه إياه
بل التطوير والتجديد فيه، وذلك حسب مرتبته في كونه الولد الأول والبكر
وما يلائمه في صفاته وميوله وما يسعده في ذلك، أو كونه الثاني والوسط
وما يملكه من قدرات تعاملية وتفاوضية مع الآخرين كذا تأقلمه مع الظروف
المختلفة، أو كونه من أخر العنقود والذي عليه قرر إيقاف المزيد من
الإنجاب لدى والديه وما عنده من مواهب إقناعية وإبداعية في التجديد
ومرونة تمددية.
فهذه التراتبية العددية في الأطفال لو وظف في مجالها المناسب وقتها
المحدد وهو منذ الولادة في تهيئته وإعداده للمجالات الملائمة له
والعلوم والوظائف المناسبة له لأعطت نتائج باهرة وكبيرة في مجالات
التخصص في هذا الزمن، على أن ملاحظة الترتيب وتوظيفها في سبيل تربية
الأطفال والاهتمام بمستقبلهم تبقى من أهم مسؤوليات الأم والأب في
المنزل قبل إلحاقه بالمدرسة، فعلى الوالدين أن يقوما بتعريض أطفالهم
لخبرة جديدة.. وخلق جو مختلف من اللعب والأشياء الأخرى حولهم والقيام
بتعليمهم منذ الأسابيع الأولى بل يجب ابتكار ما يناسب الترتيب من
الأدوات التعليمية للمراحل الأولى من حياة الطفل. |