نقرأ في (المقدمة) هذه التمهيدات الحقة:
يوم الحسين في التاريخ كان يوماً واحداً وهو يوم عاشوراء.. في هذا
اليوم تواجهت قيم الحس الذي يتوق إليه المؤمنون وكل طلاب الحرية من كل
الأجناس والأقوام والملل، وقيم الباطل الذي يتبعه عبدة الشيطان والهوى.
في يوم الحسين كانت الحرية ترفرف على مخيمه وكانت العبودية هي
المحور الأساس لمعسكر الشر والباطل معسكر يزيد.
وكانت الإنسانية والنبل عند أهل بيته، وصحبه البررة وكانت الخسة
والدناءة عند جيش بني أمية. وحيث لا تلتقي الحرية إلا مع الإنسانية
فتشكل دائرة التضامن التي يلتقي على أساسها الأفراد، إلتقى الحسين مع
صحبه، وصحب الحسين معه على أساس تلك القيم الحقة، فكانوا فعلاً يمتلكون
حريتهم لأنهم يمتلكون إرادتهم فعاشوا كل معاني النبل والإنسانية مع
الحسين.
تأسست في ذلك اليوم وبالتحديد في ساعتين جرت فيهما معركة الشرف
والتي قادها الإمام الحسين معرفة جديدة للحياة، أعطت للحرية وزناً
وللإنسان قيمة، بعد أن كان الناس يعيشون وكأنهم أشباح مبهمة، بعيدة كل
البعد عن الواقع، تختلط عليهم الأمور ثم تتكسر في ظلام الأبدية، بغير
ضجيج.
في ذلك اليوم قام الحسين على اسم الله، ومضى على اسم الله واستشهد
على اسم الله، عندما رماه رجل بسهم فحدد له ثلاث شُعب وقع في قلبه فقال:
بسم الله وعلى ملة رسول الله ورفع رأسه إلى السماء قائلاً: (إلهي
أنك تعلم، أنهم يقتلون رجلاً، ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره).
فكيف لا يؤسس هذا معرفة جديدة
فشخصية الحسين تحمل معنى إلهياً، وسراً رسولياً، وقبساً علوياً،
ينير للإنسانية حالكة الظلم..
ونقرأ في الفصل الأول (على نهج الأنبياء) هذه السطور المضيئة:
أعطى الإمام الحسين (عليه السلام) كل ما يملك في سبيل إقامة راية
التوحيد، وإعادة الحياة المستقرة إلى الأمة، حيث كان يرى أنه لا يتم
ذلك إلا بإرجاع الحق إلى أهله، وإقامة العدالة بإصلاح المجتمع، واجتثاث
الباطل من جذوره، فضحى في سبيل ذلك بكل غال ورخيص حتى جاد بدمه الطاهر.
فكانت ثورة الحسين (عليه السلام) تحمل في داخلها كل معاني النبل
والإباء، وكل القيم الإنسانية، متجاوزة الأطر الضيقة لتكون مدرسة لكل
الأحرار، تتفاعل على مرور الأزمان وتكون حية في النفوس، وتبقى شعلة لكل
الثوار يستنيرون بها دربهم ويأخذون منها نهجهم.
لماذا بقيت ثورة الحسين (عليه السلام) متقدّة إلى يومنا هذا؟ وما هي
البواعث التي جعلتها حية في النفوس؟ وكيف نحافظ على هذه البواعث حتى
تزداد وتتسع المساحة من الناحية الجغرافية ليمتد نهج الحسين على كل
رقعة في العالم ومن الناحية الزمانية ليستمر وهج هذه الثورة إلى يوم
يبعثون؟
عبّر عن ذلك الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله: (إن لجدي الحسين
حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ إلى يوم القيامة)
ثم نقرأ في الفصل الثالث (معادلة صعبة) تحت عنوان (ولادته يوم
شهادته) هذه النصوص:
هناك معادلات صعبة لا تخضع لميزان الحسابات الرياضية والمنطق
والقياس، وإنما هي معادلات يمكن لنا أن نصطلح عليها بالمعادلات الفكرية
ذات القيمة المعرفية، لها خاصية يفهمها العقل دون العاطفة، بنظرة
فلسفية تصبح فيها الحقائق تحمل صفة الرمزية والدلالة المعنوية.
من هنا نشأت الفكرة القائلة إن يوم شهادة الحسين (عليه السلام) هو
يوم ولادته، وتؤكد هذه الفكرة الرواية الواردة عن علي بن موسى الرضا (عليه
السلام9 عن آبائه (عليهم السلام) عن أسماء بنت عميس قالت:
فلما كان بعد حول من ولادة الحسن ولد الحسين (عليه السلام) وجاء
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أسماء هلمي ابني فدفعته إليه
في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ووضعه في حجره
فبكى فقالت أسماء: بأبي أنت وأمي مم بكاؤك؟ قال: على ابني هذا، قلت:
إنه ولد الساعة يا رسول الله، فقال: تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا
أنالهم الله شفاعتي، ثم قال يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة
عهد بولادته)
المؤلف: الشيخ عبد الشهيد الستراوي
المواصفات: الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م
(104) صفحة من القطع المتوسط
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر
والتوزيع (بيروت – لبنان)
www.daraloloum.com
E-mail:
daraloloum@hotmail.com |