في اليوم 16 / 4 / 1991 بثت الفضائية الألمانية WDR فلما أخرجه
الصحفي البريطاني مايكل وود Michael Wood مع الألماني يوآخيم شرويدر
Joachim Schroeder بعنوان : حقول صدام للقتل
قام الصحفي البريطاني مايكل وود مع فريقه بزيارة مناطق الأهوار التي
سممها و جففها النظام الفاشي المقبور ، حيث تحدث مع المواطنات
العراقيات و المواطنين العراقيين و صوّر أساليب و آثار التهجير و القتل
الجماعي و تسميم المياه و تلويث البيئة التي اقترفها و خلفتها قوات
طاغية العوجة المخلوع إبان الإنتفاضة الشعبانية في يوم 26 آذار عام
1991 و التي قتلت أكثر من 300 ألف نسمة لغاية شهر أبريل 1991 أي خلال
أسبوع أو أسبوعين .
كما قام مايكل وود بتصوير المدن العراقية التي دمرها نظام البعث
الفاشي بصواريخ إسكود و بالمدفعية و القصف الجوي . وكانت من بين تلك
المدن مدينتي الحبيبة كربلاء المقدسة ، حيث قتل جنود الحرس الجمهوري و
أعوان النظام أكثر من خمسين ألف شخص لدى احتلالها لكربلاء . و تفيد
التقارير التي وصلتنا بأن قوات الحرس الجمهوري قد أرغمت العشرات من
الشبان في كربلاء بشرب البانزين ثم أطلقت النيران الموجهة على بطونهم ،
كما قامت تلك القوات الفاشية برمي عشرات الشباب من الطائرات المروحية (الهيلوكوبتر)
.
إن صور و مشاهد هذا الفلم رهيبة و مروعة عن الدمار الشامل و القتل
الجماعي و تلويث و تسميم المياه و البيئة و التربة في العراق .
توجه مايكل وود بعد زيارته لمدن و محافظات الجنوب إلى شمال العراق ،
إلى مناطق كردستان الحبيبة ، قلاع زعماء الأكراد الشجعان و الأبطال
أمثال المرحوم ملا مصطفى البرزاني و نجله الأستاذ مسعود البرزاني و
الدكتور مام جلال الطالباني و الدكتور محمود عثمان و الأستاذ هوشيار
زيباري و غيرهم من القادة الأشاوس الأكراد.
و لغرض البحث عن شهود عيان على إبادة الشعوب و القتل الجماعي بعد
مناطق الأهوار ، وصل الصحفي البريطاني مايكل وود مع فريقه إلى مخيم
للاجئين العراقيين من الشيعة و الأكراد الذي هيئته القيادة الكردية في
مطلع عام 1991 .
وفي مقطع من الفلم ذكر مايكل وود : " وبخلاف عن الشيعة ، فإن
الأكراد حصلوا على ضمانات و حماية دولية تمنع قيام صدام حسين من شن
الهجمات على الأكراد . إن الشعب الكردي مقسم و موزع في خمس دول يعيش
فيها كأقلية لا يعرف حدودا محددة له . و ان مستقبل إعلان الأكراد كجزء
من الدولة في خريف عام 1992 أصبح مهددا و غير مؤكد . لكن وجود و حضور
مراقبين من هيئة الأمم المتحدة بقى مستمرا . وفي مطلع عام 1994 إحتج و
طالب أعضاء الدول الأربع الدائمة في مجلس هيئة الأمم المتحدة على إنهاء
الحصار الإقتصادي ضد الأكراد و مطاردة الشيعة في الجنوب .
وقد علق رئيس المعارضة الديمقراطية الدكتور أحمد الجلبي على سياسة
الحكومة في بغداد قائلا : " ان تشابك و انخراط النظام في نسيج المجتمع
العراقي هو إحدى مآسي الشعب العراقي ، بحيث ان النظام كان يحرض أهالي
البيت الواحد و أفراد العائلة الواحدة على مراقبة و كتابة تقارير
الواحد ضد الآخر و يسومه سوء العذاب .
كما توغل النظام في كافة ميادين و شرائح المجتمع و دمّر كل أنواع
الحياة الخاصة للفرد في العراق . و حتى المدارس الأهلية و الجامعات
الأهلية و الشركات الأهلية التي كانت لا تتماشى مع مزاج الحكومة و
نزعاتها و تخضع لها ، أغلقت و ألغيت . قان النظام بمضايقة الحوزة
العلمية الدينية في العراق بأبشع الطرق و الأساليب . وفي يوم من أيام
الجمعة قام المواطنون الأكراد مع اللاجئين الشيعة بسفرة إلى إحدى مصايف
كردستان الجميلة . و لم يصدق هؤلاء اللاجئون بأنهم نجوا من العنف و
الوحشية التي كابدوها . وقد جرح الكثير من الشيعة من خلال إطلاق
الصواريخ و قذائف المدافع عليهم . صرح أحد شهود عيان من اللاجئين أن
الجنود العراقيين قاموا برمي الجرحى العراقيين من سطح مستشفى صدام
وأنهم استخدموا البلدوزرات لدفن جثث الضحايا المدنيين في مقبرة جماعية
خلف المستشفى .
و تحدثت سيدة عن إعدام زوجها باكية قائلة : لقد كبلوه و ربطوه ثم
أطلقوا الرصاص عليه . و بعد ذلك طلبوا مني أن أعطيهم ثمن طلقات الرصاص
. ثم علقوا الشبان على مواسير ( أنابيب ) الدبابات و ساروا بهم في
المدينة و رموهم أخيرا أمام جنازير (سلاسل عجلات الدبابات ) و داستهم
الدبابات . ثم أحرقوا بعض الجثث بالبنزين . و تشرح السيدة كيفية إعتقال
زوجها ، قائلة : ألقوا القبض على زوجي و عذبوه أمام عيوننا ، و قمنا
بتقبيل أحذيتهم و التمسنا منهم الرحمة دون جدوى . و قد أجبروني أنا و
أطفالي أن نشاهد إعدام زوجي . قام صدام حسين بإذلال آلاف الناس و حتى
النساء و الأطفال و الشيوخ . لقد توفي مالانهاية من العراقيين نتيجة
التعذيب و القمع . أصبح الأمر لا يطاق من أن يعود المرء بذاكرته إلى
التفكير عن أية ساعة مضت . كان المشهد في الشوارع رهيبا و مروعا أكثر
مجزرة الأغنام .
مخيم واحد في كردستان لإيواء اللاجئين الذين نجوا بإعجوبة من
المجازر . ومن استطاع أن يقتحم طريقه و يصل إلى هنا ( المخيم ) فإنه
خلّف وراءه رحلة العذاب الخطيرة ، بعد أن رشا رجال نقاط التفتيش لتهريب
الأطفال . يصل إلى المخيم كل يوم لاجئ ، و من بين الناجين وصل هذا
الشاب الذي لا يحمل إسما ولا يستطيع التحدث ، فهو ضحية عبيد التعذيب
الوحشي للدكتاتور .
يقول الدكتور أحمد الجلبي : لقد سألته عدة مرات عن الذي فعل ذلك به
، فكان يشير إلى المخابرات العسكرية العراقية . فهو يستطيع أن يقرأ ، و
لكنه لا يستطيع التكلم و التحدث لأن المخابرات العسكرية العراقية قد
قصت (إجتثت ) لسانه . ولا زال هذا الشاب الضحية في حالة صدمة نفسية
عنيفة و كأنه مخدر ، فهو لا يستطيع أن يكتب و كانت يداه مشلولتين . هذا
واحد من عشرات الآلاف من ضحايا حكم الطاغية صدام حسين .
و على هذا الشاب أن يشكر ربه و يبتهج لكونه هرب و نجا من قوات صدام
حسين . ان مئات الآلاف المعذبين من الناس بهذا الشكل قابعون في السجون
. فإن هذا الشاب محظوظ ، لأنه على قيد الحياة و يلقى العناية و
الإهتمام هنا . آلاف ضحايا التعذيب يجلسون في السجون و يموتون فلا أحد
يعرف شيئا عن مصيرهم . لقد ارتكب صدام أبشع الجرائم منذ الحرب العالمية
الثانية ، و يمكن مقارنته بهتلر ، هكذا قال زعيم المعارضة الدكتور أحمد
الجلبي " .
و مما تقدم يتضح لنا و للقارئ العزيز أن سيادة الدكتور أحمد الجلبي
هو أحد الشخصيات الوطنية العراقية الأصيلة التي ناضلت من أجل فضح جرائم
النظام السابق الدموية و الوحشية و إسقاطه و تخليص شعبنا من أبشع طاغية
ديكتاتوري شهده العراق جثم على صدره لمدة ما يقارب أربعة عقود .
لم ننسى مواقف الأخ الدكتور أحمد الجلبي البطولية و مساعداته
الإنسانية للعوائل العراقية المهجرة و الهاربة من النظام المخلوع إلى
كردستان العراق الحبيبة ، فهو إبن الشعب العراقي البار .
و كيف أن الدكتور أحمد الجلبي كان يترجم و يشرح للصحفي البريطاني
مايكل وود ، مآسي و معاناة و ضحايا الملايين من شعبنا العراقي بعربه و
أكراده و تركمانه و غيرهم طوال 40 سنة تقريبا و الذي بلغ عددهم أكثر من
أربعة ملايين نسمة من الرجال و النساء و الأطفال و الشيوخ من كافة
طبقات المجتمع العراقي و القوميات و الأحزاب الوطنية العراقية .
وفي العام الماضي ألقيت محاضرة عن الوضع في العراق في مدينة
كيرشهاين Kirchhain القريبة من مدينتي ماربورغ على الجمهور الألماني .
و في نهاية المحاضرة عرضت عليهم هذا الفلم ، فبكى الألمان و بحزن عميق
على شهداء العراق ، حيث تذكروا ضحايا هتلر و النازية في الحرب العالمية
الثانية .
يمكن للقارئ الكريم رؤية هذا الفلم في موقع :
www.iraqcenter.com تحت كلمة أفلام .
وفي الختام نحيي الأخ المناضل الوطني الشجاع الغيور الدكتور أحمد
الجلبي على مواقفه البطولية و الإنسانية لتطهير عراقنا الحبيب من
القتلة و المجرمين العراقيين و العرب ، سائلين المولى تعالى أن يمده
بالعون و العمر الطويل .
عاش شعبنا العراقي الكريم بعربه و أكراده و تركمانه و بقية القوميات
و الأقليات و الأحزاب الوطنية العراقية .
النصر و السيادة للشعب العراقي ، و الله و لي التوفيق .
ماربورغ
adnan_al_toma@hotmail.com |