بداية تعامل الكثير من العرب أنظمة وحكومات ومنظمات وأفراد مع مشروع
الشرق الأوسط الكبير على أنه قدّر أمريكي لا بد من التعاطي معه، وأن
عدم الانخراط في هذا المشروع الإنقاذي سيصيب التغيير، وانقسم العرب بين
مؤيد لهذا المشروع بالكامل، نكاية بالأنظمة التي ترفض التغيير وفق
تصوراتها، وبين مؤيد لبعض فقراته، وبين رافض بالمطلق الحديث عن التعاطي
مع هذا المشروع الاستعماري بلبوس جديد، وشهدت المنطقة العربية مثل كل
المبادرات الخارجية والداخلية الكثير من النقاشات الرسمية والشعبية،
وعقدت المؤتمرات وكانت هذه فرصة كبيرة للنخبة العربية بجميع اتجاهاتها
على أن تعلن رأيها وموقفها من هذا المشروع لكن اللافت بكل هذه الجهود
المكثفة، لم يخرج العالم العربي تصوراً واضحاً صريحاً مفهوماً، حينذاك
من هذا المشروع وعلى عادة العرب الصباح رباح أي بانعقاد قمة الثماني
ونتائجها سيبدأ الإعلان الرسمي والنهائي من هذا المشروع، يقيناً أن
الإدارة الأمريكية ومن يدفع بهذا المشروع أجبروا كل الأطراف على
القراءة، وهذه حسنة ما بعدها حسنة، ولكن السؤال الجوهري والرئيسي ماذا
يفهم من هذا القراءة، وهل يملك العرب أنظمة وحكومات ومنظمات مؤسسات
أبحاث ودراسات مقارنة بأصحاب المشروع، المهم والأهم استخدمت الإدارة
الأمريكية تكتيكاً استراتيجياً مهماً جداً، لأن يقلع العرب شوكتهم
بأيديهم، ولا مانع من مساعدة الأوروبيين، بانتظار متغيرات مؤسس لها،
وخاصة بما يتعلق بالمبررات التي يدفع بها البعض للإبطاء من مسيرة
الإصلاح، نستطيع القول إن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الكل، في
السياسة لا أصدقاء دائمين، ولا أعداء ثابتين، وهكذا تم سيناريو الجديد
المعدل لمشروع الشرق الأوسط الكبير، واعتبر أن وصفات الإصلاح خرجت من
ثمة الثماني، أحد أهم وأعقد التسويات إحراجاً وإذلالاً، للجميع فتم
إرضاء الأنظمة المرعوبة، بأن التعامل مع موضوعات الإصلاح ستكون عبرها،
وإرضاء التحفظات الأوروبية للانسجام مع أطروحاتها حول تدرج الإصلاح،
وإعطاء فرصة للحكومات، أما كان الخاسر الغائب الحاضر المعارضات العربية،
فقد كشف المشروع المعدل ليس على اعتبار أن المعارضة العربية هي في فترة
المراهقة؟! وتحتاج إلى مساعدة متعددة الوجوه، بل أمامها صراع طويل
ومكشوف ومعلن مع أنظمتها لتثبت جدارتها بالتعامل مع الثورة الأمريكية،
والأهم في نظر الإدارة الأمريكية لم يحن ولم يكن باستطاعة المعارضة
العربية؟ المساعدة الحقيقية في تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية
في العالم العربي؟ وهي بالتالي تحتاج إلى تأهيل وإعادة صياغة سياساتها
وفق المستقبل المنظور التي أشرنا إليه، لتتقاطع مع متغيرات يؤسس لها،
دولياً وإقليمياً ومحلياً، دولياً استطاعت الولايات المتحدة أن تتعامل
مع أوربا الراكعة أمام استراتيجيتها تالياً وهي في وضع الزاحف إلى عقد
مجموع من الشراكات المتوسطية باعتبارها زواج مصلحة، على الطريقة
العربية وخاصة أن الولايات المتحدة حققت الكثير من النجاحات في تعزيز
مصالحها على الأمد القريب والبعيد على تأكيدها أن أوروبا العجوز لن
تكون عائق في وجه استراتيجيتها المستقبلية في ظل نزوع مطابخ القرار
الأوروبي وأحزابها ومفكريها وساساتها، إلى عقد تسويات انتهازية طبقاً
لسياسة الأمر الواقع، إن وظيفة الشوباصي هي تماماً موقع أوروبا في
الشراكة الدولية وبالتالي الشرق أوسطية وستكون في المستقبل دولة الكيان
الصهيوني المخبر النزيه والبعبع المخيف لمصالح أوروبا في الشرق الأوسط
الجديد، أما على الصعيد الإقليمي باستبعاد تركيا من دور محوري في تشكيل
النظام الشرق الأوسطي، مؤشر للأسف لم أجد في جعبة جميع الأطراف
الأمريكي والأوروبي والعربي لماذا كانت تركيا في صلب مبادرة الشرق
الأوسط في السابق وهي الآن خارج أجندة مسرح العمليات المقررة في بنود
الإصلاح مع العلم أن الإصلاحات في تركيا تعتبر سلحفاة في قفص ما بين
المشروع الأمريكي – والأوروبي وأخيراً يؤشر مشروع نظام الشرق الأوسط
الكبير المعدل، على أن المنطقة العربية ستشهد الكثير من الفوضى المنظمة،
وخاصة أن بعض الحكومات العربية ستضع الإصلاحات الفعلية في ثلاجة الموت
حتى إشعار آخر.
* الشوباصي: وكيل الإقطاعي في إدارة المصالح.
aboalibassam@gawab.com |