يولد الإنسان ويصحبه نوازع الخير والشر أو ما يسمى بالأفكار
العقلانية والغير عقلانية والنتيجة محسوبة بإتباع أي مسلك منهما، فالذي
غلب عليه التعقل والأمل بالحياة والاندفاع نحو الأفضل وهجران الأسوء
يعيش مسروراً، هادئ البال، متزن الشخصية، قويّها، وينظر إلى الحياة
بنظرة متفائلة وجدية وتصور منتظم لسير حركة الحياة ونهايتها، أما الذي
أتبع هواه وخالف عقله، وتمرد على الأخلاق والسلوكيات وركب رأسه يعيش
تعيساً، شقياً، خائفاً، مضطرباً، ينظر على من حوله أنهم ضده في كل شيء،
وهكذا يبدأ رحلة الشقاء إلى من يؤيده بأفكاره السوداوية وهم أصدقاء
السوء. وهذه الأفكار المظلمة لا تنفك أن تشغل بال الإنسان وترهق أعصابه
وتقضّ مضجعه وتنغص نومه وحياته الهانئة، فيقلبها إلى جحيم لا يطاق،
فيخاصم حتى نفسه، وبذلك تؤثر هذه الأفكار على سلوكياته وانفعالاته
فيحدث الاضطرابات النفسي أو الاكتئاب.
وأهم سبب في هذه الآثار السلبية على الأطفال هو عدم استقرار الحياة
الزوجية للوالدين، حيث قام (جون بولين) ببحث أثبت فيه أن اضطرابات
كثيرة من الجانحين يرجع في أساسه إلى العلاقات الأسرية المضطربة التي
نشأوا فيها.
وكذلك قام العالم الدانمركي (كمب) ببحث في كوبنهاجن على (350) فتاة
من احترفن الدعاة فأتضح أن ثلثهن نشأن في أجواء يسودها الاضطراب.
وفي دراسة شملت (110) أسرة أمريكية تضم أطفالاً تتفاوت أعمارهم ما
بين ثلاثة وخمسة أعوام أجراها معهد العلوم النفسية في أتلانتا تبين أن
هناك دلائل قطعية على وجود علاقة بين شخصية الطفل المشاغب، كثير الحركة،
العنيد والمتمرد والعدواني، وبين الأم كثيرة الغضب، التي تصرخ دائماً
وتهدد بأعلى صوتها حين تغضب.
وهكذا تلتقي الدراسات التربوية والأسرية على أهمية استقرار الأسر في
صحة الأبناء النفسية، وعلى دور الخلافات الشديدة والشجارات الدائمة بين
الزوجين في فقدان الأبناء لهذه الصحة النفسية أو قدر منها.
وفي سبيل نجاح الزوجان في حفظ الأبناء بعيداً عن خلافاتهما، والعمل
على تحقيق الوفاق بينهما هناك مقترحات استشارية مفيدة:
أولاً: الحرص على محاورة الأبناء بهدوء، دون هياج أو غضب، وشرح
أخطائهم لهم وآثارها السلبية مع الأمثلة المقنعة.
ثانياً: عدم الاختلاف والمشاجرة أمام الأبناء والتعهد على ذلك، بغية
حماية الأطفال من الآثار الضارة لهذه الخلافات وأيضاً تقليل أوقات
الخلاف.
ثالثاً: عدم انتقاد أحد الزوجين الآخر على أسلوبه في تربية أبنه أو
ابنته في حضورهما، وليؤجل هذا النقد إلى وقت آخر بعيداً عن الأولاد.
رابعاً: اجتناب ضرب الأبناء إلى أقصى حد، فكثيراً ما تكون النظرة
الحازمة أو الكلمة الحاسمة، أشد على الأبناء وأجدى من الضرب الذي هو
تشف أكثر منه تأديباً.
خامساً: مضاعفة التسامح بين الزوجين في الأوقات الحرجة، والتغافل عن
زلات بعضهما وعدم تتبع الأخطاء والمحاسبة على كل شاردة وواردة.
سادساً: مراعاة مشاعر الآخر وفهمها لأن من أسباب الجفاء الذي يباعد
بين الزوجين إهمالهما الثناء، ثناء كل منهما على صاحبه.
إذ ثناء الزوج على زوجته ومدح عملها وحديثها وطبخها وتربيتها
أبناءها وبناتها، ورعايتها له، وصبرها واحتمالها لها آثارها الطيبة على
قلب الزوجة لا تنساها أبداً.
وكذلك ثناء الزوجة على زوجها بالكلمات الطيبة ورفعة شأنه ورجولته
واعتزازها به فهذه أيضاً لها آثارها الإيجابية فهو أيضاً محتاج إليها.
طبعاً هناك عامل غيبي لا حيلة للعبد فيه سوى التضرع لله سبحانه
وتعالى والابتهال إليه عز وجل وبالدعاء الخالص الذي هو سلاح المؤمن
يتغلب به على كثير مما يشكو منه ويحذره.
فيدعو كل منهما لصاحبه بأن يصلحه الله سبحانه وتعالى ويوفق بينهما
ويسعدهما. |