استغربت كثيراً حين سمعت تصريحاً للدكتور عدنان الباجه جي قال فيه أن
مجلس الحكم غير مخول بتعيين رئيس الجمهورية العراقية، فرجل مثل الدكتور
عدنان، شغل مناصب سياسية معروفة وعمل مستشاراً للشيخ زايد بن سلطان آل
نهيان سنوات طويلة، ينبغي أنه يقصد ما يقول، إذ يفترض أنه ليس من أولئك
الذين يغيرون مواقفهم من الباب إلى الشباك!!.. صحيح أن الدكتور لم يغن
تجربته السياسية بخوض المعترك السياسي الصعب الذي خاضته المعارضة
العراقية، وصحيح أنه لم يتكلف عناء التصدي لأسوأ نظام ديكتاتوري في
العراق ولا ندري لماذا!، ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن يراقب الأحداث عن
قرب، والدليل على ذلك أنه كان أول المشككين بشرعية مجلس الحكم حين
اعتبره لا يمثل الشعب العراقي وطالب بانتخابات عاجلة يتم من خلالها
اختيار ممثلي الشعب العراقي عبر صناديق الاقتراع .. نعم ما زلت أذكر
وغيري كثيرون، تصريحات السيد عدنان الباجه جي حول اجتماعات لجنة
التنسيق والمتابعة التي كانت تلتئم في شمال العراق( كردستان) قبيل سقوط
نظام صدام.. لم نسمع بالرجل قبل هذا التاريخ، فقد اكتفى بممارسة دوره
الاستشاري للشيخ زايد، ولا نعرف إلى الآن ما حقيقة موقفه من سلطة الموت
والمقابر الجماعية.. سلطة البطش الطائفي والتمييز المذهبي، ربما لأن
الرجل لم يكن قريباً من معاناتنا وانشغل بمهامه السياسية سنوات طويلة،
ولكننا سمعنا به معترضا بقوة على لجنة التنسيق والمتابعة واعتبر عملها
غير شرعي لأنها غير منتخبة.. الدكتور لم يقل أنها ليست عراقية كما هو
الإبراهيمي الآن، بل قال إنها غير شرعية، وهو موقف صائب مئة بالمئة!!
ولكن الغريب في الأمر أن الدكتور تراجع عن تصريحاته تلك وقبل الإنضمام
لمجلس له عليه ملاحظات تقصم الظهر، وأخذ يبرر لهذا المجلس ويدافع عنه،
فتعارض مع الآخرين من داخل مجلس الحكم الذين قالوا منذ البدء أن هذا
المجلس خيار المرحلة الصعبة وأنه ليس غاية الطموح، ولا ندري هل اختزل
السيد عدنان الباجه جي إرادة العراقيين ببعده أو قربه من السلطة.. فحين
كان بعيدا عنها، كان الجندي الوفي الذي وقف مدافعا عن حق العراقيين
بالانتخاب، وحين صار فيها أصبحت الأمم المتحدة هي المخولة بتعيين
الرئيس!!
كان من حق الدكتور القول أن رئيس العراق مفروض من السيد الأخضر
الإبراهيمي ودول الطوق الطائفي وأمريكا التي غرقت في مأزق نصبته لها
حركات معروفة، وهي تريد الخروج منه ولو على حساب أغلبية الشعب العراقي،
طالما أن هذه الأغلبية مسالمة وهادئة وتنخدع بسرعة وتفكر ألف مرة قبل
أن تقتل إنساناً انطلاقاً من إيمانها العقائدي بأن قتل نفس بغير نفس،
قتل وفناء للناس جميعاً، فما دامت الأغلبية بهذه المواصفات الذهبية لكل
من يريد أن يديم المعادلة الطائفية، فلماذا لا يعبث العابثون بهمومنا
ويصادروا إرادتنا كما صادرها الذين من قبلهم؟..
لسنا متحاملين على الدكتور الفاضل عدنان الباجه جي ولا نريد أن نغتابه
ونحن من هذه الطائفة التي ما انفكت عن التربة والمسبحة، والرجل
والأعمار بيد الله جاوز الثمانين من عمره، ولكن من حقنا أن نسأل من
أعطى الإبراهيمي حق اختيار أي منصب في العراق بعيدا عن رغبة العراقيين؟،
من خول بريمر أن يفرض علينا رئيساً؟، ألم نبلغ الرشد بعد كي ننتخب من
نريد؟!
ثم من هؤلاء الذين اجتمع بهم السيد مبعوث الأمم المتحدة من العراقيين،
كي يحق له أن يكون وكيلاً عن 26 مليون عراقي.. هل اجتمع الإبراهيمي
بألف من العراقيين .. هل زار مدن العراق والتقى بالناس في الأقضية
والنواحي والقرى ومراكز المدن.. مَنْ مِنَ العراقيين رأى الأخضر في
شوارعنا الكالحة كي يروج الإعلام المغرض أنه اجتمع بالعراقيين لاختيار
الرئيس؟؟
بالله عليكم يكفي ضحكا على شعب أرهقته الحروب والأزمات وانشغل بهمومه
الخاصة عن ملاحقة الهم السياسي، اتقوا الله في هؤلاء الناس الذين ذاقوا
مرارة حكم طائفي بغيض وأعيدوا لهم حقوقهم التي سلبت وكرامتهم التي
أهدرت..
فإذا كان السيد الدكتور عدنان الباجه جي قد اعترض على العراقيين في
مجلس الحكم وشكك بكل تاريخهم النضالي ونواياهم بحجة أنهم غير منتخبين،
وهذا من حقه، أفلا يحق للعراقيين أن ينسفوا مصداقية الإبراهيمي من
الأساس لعوامل عديدة؟!
فالإبراهيمي هذا شخص معروف بميوله القومية ولا أقول الصدامية رغم أنه
دافع عن صدام حتى النهاية، والميول القومية تعني أن نظام الحكم في
العراق يجب أن يكون سنياً ...
والإبراهيمي هذا هاجم المعارضة العراقية أيام زمان واعتدى على رموز
فيها مرات عديدة، وهو غير مؤهل لأن يكون حيادياً، حتى لو كان ممثلاً
للأمم المتحدة، طالما أن نجل الأمين العام للأمم المتحدة نفسه متهم
بسرقة أموال العراقيين في برنامج النفط مقابل الغذاء، ومن حق أي عراقي
أن يقول أن اللعبة التي تدار في العراق اليوم غير عادلة، فهناك أطراف
عربية معروفة قدمت الدكتور الباجه جي كزعيم وطني وتريد له أن يشغل منصب
الرئيس، وهذه الأطراف مستعدة لأن تعمل مابوسعها لتحقيق لها هذه الغاية..
وأقوى حجة لدحض تنصيب الدكتور الباجه جي أو سواه، هي أن العراقيين لم
ينتخبوا أحداً، وهذا الكلام ينطبق على السيد رئس الوزراء نفسه، وهانحن
نقول ما قاله الدكتور الباجه جي وغيره من الذين ناصبوا مجلس الحكم
العداء واعتبروه طائفيا واتهموه بتمزيق لحمة الشعب العراقي لأنه شكل
على أساس طائفي، ها نحن نستعير ما قالوه فنؤكد ونذكّر، أن الحكومة
الانتقالية غير شرعية لأنها معينة من قبل الأمريكان المحتلين، والأمم
المتحدة لا تملك حق تمثيل الشعب العراقي، وكل المتابعين يعرفون مهمة
الأمم المتحدة جيداً، وكي لا ينسى السيد عدنان الباجه جي وسواه من
السادة .. نقول أن مهمة الأمم المتحدة وما انبثق عنها من مؤسسات هي
السعي لحل النزاعات بالطرق السلمية، وتوزيع البطانيات والفاصوليا
المعلبة وزيت المطبخ على المتضررين زمن الحروب والفيضانات.. أما أن
تأتي الأمم المتحدة وتختار رئيساً لدولة ما، فهذا ما يتناقض حد التصادم
مع إرادة الشعوب وحقها في اختيار من يمثلها، لذلك نتمنى من السادة
الذين يحاولون الضحك على وعي الجماهير بالتناغم مع الحملة الإرهابية
الساعية لإسكات الأصوات الشريفة بالإغتيال، أن يراجعوا حساباتهم جيداً
ويكونوا أمناء مع أنفسهم، فذاكرة الشعب العراقي لم تثقب، حتى يسقط منها
ما قاله السيد الباجه جي وغيره بحق مجلس الحكم قبل عام، وعارضوه بعد
عام، ثم إن العراقيين سئموا اللعبة الطائفية ويريدون ممارسة حقهم
الطبيعي بالتعبير عن إرادتهم، وهذا ما انتظروه منذ سقوط الصنم وإلى
الآن، فهل يقبل السيد عدنان الباجه جي وغيره أن يمارس العراقيون هذا
الحق، أم أنهم سيبحثون عن بدائل للديمقراطية، انطلاقاً من مخاوف غريبة
مما يسمى بديكتاتورية الأكثرية، هذا المفهوم الذي لم يعرف له السياسيون
تفسيراً لحد الآن. لأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية وانصياع الأقلية
لإرادتها مع حفظ كامل الحقوق لهذه الأقلية أو تلك..
مسكين شعب العراق، كل من يأتيه يفصل نوع الحكم على مقاسه هو، ولكن ربما
العراق اليوم ليس العراق قبل ثلاثين عاماً وأي هدر في حقوق العراقيين ،
سيؤدي إلى كارثة تفتت العراق وتدخله في دائرة العنف والحرب الأهلية.. |