طالعتنا الصحف بنبأ مفاده أن وفدا من المحامين العرب من بينهم
الأستاذ/ سامح عاشور نقيب المحامين المصريين ينوي الدفاع عن طاغية
العراق (المظلوم) صدام حسين ثم عادت تلك الصحف ونقلت اعتذارا من
الدكتور عبد الله الأشعل عن القيام بمثل هذه المهمة.
من حق السيد/ سامح عاشور أن يمارس مهنة المحاماة بكل تأكيد كونها
مورد رزقه الوحيد إلا أن منصبه السياسي يحتم عليه أن يلتزم بأخلاقيات
المهنة التزاما صارما وأن يقدم لأبناء مهنته ولأبناء الشعب المصري كله
النموذج والقدوة فيما يفعل كونه لا يمثل اتجاها سياسيا بعينه بل يمثل
القضاء الواقف الذي هو من دون أدنى شك جزء من ضمير مصر.
ولو أن السيد عاشور ذهب للدفاع عن تاجر للمخدرات أو أي ممن نهبوا
أموال مصر لوجب على الجميع أن يسألوه لماذا قبلت الدفاع عن هؤلاء وربما
استطاع الأستاذ أن يقنعنا بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وساعتها
يمكننا أن نقبل على مضض قيام الأستاذ أو غيره بتلك المهمة.
أما في مجال السياسة فنحن نعتقد أن الأمر جد مختلف إذ أن تصرفات
الحكام ليست سرا وليس الأمر مشابها لقضية قتل عادي يدور فيها البحث عن
قاتل واحد وطلقة رصاص أو رصاصتين وربما لُفقت التهمة لمتهم بريء لسبب
أو لآخر ولكن ما هو قول الأستاذ في ذلك القاتل المتهم بإبادة شعب من
الشعوب؟؟.
ترى هل لفقت له التهمة هو الآخر؟؟.
وماذا لو أن الأستاذ عاشور الذي ينتمي للتيار الناصري القومي طلب
منه الدفاع عن سفاح الصرب ميلوسوفيتش هل كان سيقبل القيام بتلك المهمة
مرددا نفس المبررات كون سفاح الصرب الذي قتل عشرات الآلاف من المسلمين
بريء حتى تثبت إدانته.
وهل يمكن أن يكون سفاح الشيعة والأكراد ابن العوجة هو الآخر بريء
ولم تثبت إدانته أم أنه بريء لمجرد أن الولايات المتحدة هي من أخرجه من
حفرته المظلمة؟؟!!.
أي منطق هذا يا أيها الممثل (مصره) والمدافع عن كرامتها في المحافل
الدولية والعربية وهل مثل هذا التصرف يضيف إلى سمعة مصر أم يسيء إليها
أم أن الأمور عندكم تستوي؟؟.
الله تبارك وتعالى يقول (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة
الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة
ولهم سوء الدار) أي أننا عامة البشر نحن الأشهاد الذين يتحتم علينا أن
نشهد بالحق على من ظلم وطغى وبغى وتجبر وأفسد في الأرض ومما يؤسف له أن
ليس من بين أمة العرب من يكلف نفسه البحث عن الحقيقة ونصرة المظلوم من
الظالم كوننا أكثر جنوحا للانسياق وراء الشعارات الفارغة من أي مضمون
أخلاقي أما الذين يفعلون هذا فليسوا في العادة من العرب ولا من
المسلمين.
هل سمع الأستاذ عاشور عن المقابر الجماعية التي دفن فيها طاغية
العراق مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي ومن بينهم الكثير من
المصريين الذين دفنوا معهم أم أنها من وجهة نظره مجرد أساطير من صنع
آلة الدعاية الأمريكية وإذا كان العراقيون (ليس لهم دية) فهل إخوانه
المصريون هم كذلك لا يستحقون الدية والقصاص ممن قتلهم ولماذا لا يأخذ
وفدا من محاميي مصر ليتقصى تلك الأنباء عله يطمئن أسر هؤلاء المصريين
أو يسهم في إعادة ما تبقى من رفاتهم أو حتى استخراج شهادات وفاة لهم أم
أن هؤلاء هم من الفقراء الذين لا يجدون من يدفع من أجل استعادة حقوقهم
كما تفعل الماجدة ساجدة بنت خير الله طلفاح حرم الطاغية المحفور.
وهل سمع الأستاذ عاشور بما فعله طاغية العراق المحفور بوزير صحته
الذي اقتلع عينيه قبل قتله والعهدة على طبيبه الخاص الدكتور علاء بشير
كما أنه فعل نفس الشيء بالشهيد العظيم السيد محمد باقر الصدر.
هل سمع الأستاذ بأسطورة استخدام النظام البعثي للأسلحة الكيماوية
لإبادة الأكراد في حلبجة العراقية أم أنه سيذهب ليترافع والسلام ولا
بأس أن نعرض للأستاذ بعضا من شهادات من تبقى من هؤلاء العراقيين
الأكراد على قيد الحياة فلعل الأنباء لم تبلغه أحد هؤلاء (الأشهاد) هو
جيفري جولدبيرج الذي زار مناطق الأكراد مؤخرا وعاد لينقل شهادات
الناجين من مأساة حلبجة ونقتطف منها: (كانت السحب الكيمياوية تغطي
الأرض كانت ثقيلة كنا نراها وتابع يقول كان الناس يموتون من حولنا
وعندما كان طفل ما يعجز عن السير كانت الهستيريا تتملك أهله من الخوف
فيتركونه خلفهم. لقد ترك العديد من الأطفال على الأرض إلى جانب الطريق
وهكذا الحال بالنسبة للمسنين أيضاً. كانوا يركضون ثم يتوقّفون عن
التنفس ويقضون “كنا نريد الاغتسال أولاً وإيجاد ماء للشرب كنا نريد غسل
وجوه الأطفال الذين كانوا يتقيئون. كان الأطفال يبكون ويطالبون بالماء.
كانت هناك بودرة بيضاء على الأرض. لم نكن نستطيع أن نقرر شرب الماء أو
عدمه، لكن بعض الأفراد شربوا من ماء البئر لشدة عطشهم”. وتذكر نسرين
“أنهم ركضوا مذعورين عبر المدينة باتجاه عناب. كان القصف متواصلا بشكل
متقطع بينما طائرات السلاح الجوي تحلق بشكل دائري من فوق. كانت تظهر
على الناس عوارض مختلفة. لمس أحد الأشخاص البودرة، فبدأت تبرز على جلده
فقاقيع”. وصلت إلى المكان شاحنة يقودها أحد الجيران. لقد رمى الناس
أنفسهم فيها. “لقد شاهدنا أناساً ممددين متجمدين على الأرض”، قالت لي
نسرين. “كان هناك طفل رضيع على الأرض بعيداً عن أمه. ظننت أنهما
نائمان، لكن يبدو أن هذه الأخيرة رمته أرضاً ثم ماتت. وأظن أن الطفل
حاول الزحف لكنه مات هو أيضاً. لقد بدا كأنهم جميعاً نيام”.
الآثار اللاحقة للكارثة: لم تنته قصة حلبجة ليلة عودة طائرات سلاح
الطيران العراقي إلى قواعدها. لقد دعا الإيرانيون الصحافة الأجنبية
لتسجل الدمار. لقد روعّت صور الضحايا، المستلقية، الشاحبة اللون
المبعثرة في أقنية وأزقّة المدينة، العالم. وشكلت هجمات صدّام حسين على
شعبه المرة الوحيدة، بعد المحرقة النازية التي استعملت فيها الغازات
السامة لإبادة النساء والأطفال. وقد تم سماع صوت ابن عم صدّام حسين علي
حسن المجيد، الذي قاد الحملات ضد الأكراد في أواخر الثمانينيات من
القرن الماضي، على شريط استولى عليه الثوار وحصلت عليه في ما بعد منظمة
مراقبة حقوق الإنسان وهو يخاطب أعضاء حزب البعث الحاكم في العراق حول
موضوع الأكراد قائلاً: “سوف أقتلهم جميعا بالأسلحة الكيمياوية! من
يمكنه قول أي شيء؟ المجتمع الدولي؟ تباً لهم جميعاً: المجتمع الدولي
وأولئك الذين يستمعون إليه”. تمّ إحباط محاولات الكونغرس عام 1988 لفرض
عقوبات على العراق من قبل إدارتي ريغان وبوش، كما أن قصة ضحايا صدّام
الباقين على قيد الحياة كانت ستختفي تماما لولا تقارير أمثال راندال
وجهود منتج بريطاني للأفلام الوثائقية اسمه غوين روبرتس الذي بعد سماعه
روايات عن ازدياد مفاجئ في نِسب حدوث العاهات عند الولادة والسرطان ليس
فقط في حلبجة بل أيضاً في مناطق أخرى من كردستان أنتج بعض الأفلام
المقلقة حول الموضوع. غير أن أحداً من الحكومات الغربية أووكالات الأمم
المتحدة لم تتبنّ القضية. عام 1988 جاء روبرتس بامرأة بريطانية اسمها
كريستين غوسدن إلى كردستان. غوسدن طبيبة اختصاصية في علم الوراثة
وأستاذة في كلية الطب في جامعة ليفربول. أمضت غوسدن ثلاثة أسابيع في
مستشفيات كردستان وعادت عازمة على مساعدة الأكراد. وحسب المعلومات
المتوافرة لي فإن غوسدن هي العالم الغربي الوحيد الذي باشر القيام
بدراسة منتظمة لما حدث في شمال العراق قالت: “استخدمت الحكومة العراقية
علم الكيمياء لخفض عدد السكان الأكراد. إن المحرقة النازية لا زال
مفعولها قائماً. فاليهود اليوم عددهم أقل مما كان عليه عام 1939. هذا
ليس أمراً طبيعياً الآن إذا أخذتم مائتي ألف رجل وفتى من كردستان” وهو
الرقم التقديري لعدد الأكراد الذين أصيبوا بالغازات أو قتلوا بطريقة
أخرى خلال الحملة ومعظمهم من الرجال والفتيان “فإنكم تكونون قد أثرتم
على التركيبة السكانية. فهناك العديد من الأرامل اللواتي لا ينجبن
الأطفال” لقد شاهدت أسوأ أنواع السرطان في أوروبا لكن، صدقني لم يسبق
لي أن عرفت أنواع سرطان كالتي رأيتها في كردستان”. واستناداً إلى مسح
يجريه حالياً فريق من الأطباء الأكراد تعرضّت أكثر من مائتي مدينة
وقرية في كردستان للغازات السامة خلال سبعة عشر شهراً ـ وهو أكثر بكثير
مما كان يُظن سابقاً- إن عدد الضحايا غير معروف لكن الأطباء الذين
قابلتهم هناك يعتقدون أن ما يقارب عشرة بالمائة من سكان شمال العراق -
4 ملايين شخصً -تعرضوا للأسلحة الكيماوية وأخيرا قالت غوسدن: “لقد سمّم
صدّام حسين شمال العراق”.
إذا فقد سمم صدام حسين شمال العراق وحول وسطه وجنوبه إلى مقابر
جماعية وجفف أهواره ناهيك عن (رشة الخراب التي قام بتوزيعها على
جيرانه) فأي شيء ينوي الأستاذ عاشور أن يقوله في محاكمة الطاغية؟؟ هل
سيقول أنه مجرم ولكن واشنطن هي من (جعلته مجرما) أم أنه سيدفع بنبل
الدوافع كما يفعل المحامون في القضايا السياسية أم أنه سيرجع إلينا
بصفر كبير كهذا الذي رجع به فرسان الأولمبياد يضاف إلى أصفار مصر
المنتفخة والمتورمة؟؟!!.
أما كفانا أصفارا يا أستاذ عاشور. |