منذ ان حطت اول دبابة اميركية في ساحة الفردوس في التاسع من نيسان –
ابريل من العام 2003 امام جوقة الزملاء من الصحافيين والاعلاميين،
تتمظهر الصور الواحدة تلو الاخرى امام نواظرنا حاكية عن تساقط مقدسات
العراقيين المرة بعد الاخرى على صخب الطبالين للحرية القادمة من وراء
البحار، متناسين ان سيدة الحرية في نيويورك تحدق وشعلتها نحو نيويورك
ونيويورك فقط.
سمعنا وسمع العالم باجمعه عن خطوط حمر يحظر على العجلة العسكرية
تخطيها والا انقلب السحر على الساحر واصبح عاليها سافلها, ولكن السحر
لم ينقلب ولم تصبح عالي كربلاء سافلها او سافل النجف عاليها, ولا ارى
من مدعاة لذلك ليس اقل في الوقت الحاضر لان القدسية التي تحدث عنها
البعض لم تسحق عند اعتاب مرقد الامام علي عليه السلام او اعتاب مرقدي
الاخوين العباس والحسين عليهما السلام.
فما جرى في المعتقلات والسجون في ابي غريب والفاو ومراكز الاعتقال
في البصرة والحلة وغيرها من المدن انما تحكي عن مخطط مدروس لسحق كرامة
العراقي وسحق مقدساته، والا فما معنى ان يجبر السجين على اكل لحم
الخنزير؟ وما معنى ان يجبر السجين على لبس الصليب، وما معنى ان يٌحمل
السجين على فعل العادة السرية امام زملائه العراة، وما معنى ان يعتدى
جنسيا على الاحداث، وما معنى ان يجبر شيخ العشيرة على التعري او اجباره
على ارتداء ملابس داخلية نسائية وتركه يجري امام باقي المعتقلين تحت
مطرقة القضيب الكهربائي, وما معنى اعتقال النساء وتعريضهن الى ما تعرض
اليه الرجال؟
قد يرى البعض ان هذه حوادث لا علاقة لها بالخطوط الحمر التي تنادى
اليها القوم في كربلاء والنجف، ولكن الواقع يحكي عن صورة واحدة، لكنها
متقطعة تكمل بعضها الاخر، فمن لا يتورع عن سحق قدسية المواطن والمواطنة
في السجون لا يرى اي قدسية لمدينة او جامع او مصلى، فهذا الذي جيء به
من وراء البحار قال انه لم يقرأ بنود اتفاقية جنيف ولهذا تعامل مع
السجناء بهذه الصورة الحيوانية وكأنه لم يتعلم من الحضارة الغربية
القادم منها مفهوم المواطنة وحق المواطن؟ وكأنه جاء من غابات الامازون
او مجاهيل افريقيا فهو بحاجة الى من يشرح له طريقة التعامل مع السجين؟
هل لنا ان نصدق مثل هذه الحجة التي لا تقل قباحة عن الفعل؟
حتى لو قرأ هذا القادم من الطرف الآخر اتفاقية جنيف حول الاسرى
والسجناء, فهل هناك بند في اتفاقية جنيف تمنعه من تدنيس المدن المقدسة؟
سيقول لك انه لم يقرأ النجف او كربلاء او سامراء او الكاظمية، لم يقرأ
هذه المدن اللامعة في اتفاقية جنيف ولهذا لا احد يستطيع منعه من تجاوز
الخطوط الحمر, لانه لم يرها في الاصل، وليس معنيا بها، وكيف له ان يعير
لها اهمية وهو يعرف ان قادته تجاوزوا كل الخطوط الحمر في مجلس الامن
الدولي وذهبوا الى احتلال العراق دون قرار من عقلاء العالم.
تذكروا معي: ان الناس على دين ملوكهم!
اخشى ان الذي يجري في عموم العراق محاولة مدروسة لسحق كل ما هو مقدس،
وسحق نفسية العراقي حتى يستحيل الى خردة يباع في سوق النخاسة السياسية.
تنويه أول: تشعر القوات المحتلة في المدن المقدسة بشيء من الاستغراب
عن الخطوط الحمر التي اخذت تطرق اسماعها منذ اسابيع، لان هذه القوات
والى اشهر قريبة كانت تسيّر دورياتها الراجلة وسط المدن المقدسة مثل
كربلاء والنجف وكانت تتبضع من محلاتها وتتبادل الاحاديث مع سكانها دون
أن يذكرها البعض بالخطوط الحمر، وكان البعض يستأنس لحديثها!
تتساءل هذه القوات ولسان حالها: ماذا عدا مما بدا، وماذا بدا مما
عدا!
تنويه ثان: في العام الماضي استنجدت بعض الاطراف في كربلاء المقدسة
بالقوات الاميركية فأقدمت على اعتقال العشرات من التيار الصدري في جامع
المخيم الذي يبعد بضعة مئات من الامتار عن الحرم الحسيني الشريف،
ولازال البعض منهم في معتقل ابي غريب حتى يومنا هذا!
من هنا يتساءل البعض من سكان كربلاء: لماذا نسي البعض الخط الاحمر
في العهد القريب وتذكروه اليوم؟
تنويه ثالث: يرى البعض ان الادارة الامنية لمرقدي الاخوين الهمامين
العباس والحسين عليها السلام لو كانت بيد الخط الصدري لاقدمت القوات
الاميركية على اقتحامهما كما اقتحمت مسجد السهلة اليوم (23/5/2004)،
رغم قدسية هذا المسجد المرتبط بالامام المهدي المنتظر وفيه مقامات ثلة
من الانبياء!
فلا تتعجبوا اذن من عدم اقتحامهما رغم ان الآليات العسكرية
الاميركية تتمركز على بعد امتار من الحرمين الشريفين!
ولكن: هل يعتقد اخواننا في الدين والمذهب ان المحتل قرأ كتاب
التقليد والاجتهاد حتى يميز بين مدرسة فقهية واخرى، وبين تيار واخر؟
قد يوحي لنا ذلك، ولكنه على كل حال محتل برسم العرف الدولي ومحتل
برسم الامم المتحدة فيما بعد، وما علينا الا ان نتذكر انه من حلقت لحية
اخيه فليسكب الماء على لحيته!
تنويه رابع: في زحمة الحديث عن الخط الاحمر نسينا ونسى القوم اربعة
من اهل البيت عليهم السلام، اثنان في الكاظمية واخران في سامراء,
والاخيرة استيبحت اكثر من مرة، ومرة من المرات قتل عدد من الزائرين
الايرانيين, وكل الذي جرى هو استنكار رسمي ديبلوماسي لقتل الزوار غير
العراقيين، ولم نسمع حينها عن خطوط حمر لا من مصادر رسمية ولا
ديبلوماسية ولا دينية، ويكأن الامامين العسكريين والجوادين فرض عليهم
ان يعيشوا الغربة بين شيعتهم, بعد ان عاشوا الغربة احياء بأبدانهم.
تنويه خامس: على عقلاء العراق ان ينبهوا القوات المحتلة بحقيقة
ضجيعي الامام علي عليه السلام، اولهما: ابو الانبياء آدم عليه السلام,
وثانيهما: شيخ الانبياء نوح عليه السلام، فاذا كانت هذه القوات لا
تحترم قادة المسلمين ولا ترى لمراقدهم من قدسية فليس اقل تعريفهم بمن
ينام على يمين ويسار الامام علي عليه السلام، لعل هذه القوات تثأر
لأبيها ولشيخها فترعوي عن تدنيس المقدسات.
الرأي الآخر للدراسات/لندن
[email protected] |