تكاد أن لا تحلو لغة حية من المفردات فيها التي تعطي أكثر من معنى
ويعتقد بعض اللغويين أن تعدد المعنى في المفردة اللغوية الواحدة دليل
قوة أو نوع من الغنى في معجمها في حين يرى آخرون أن ذلك يعتبر ضمن
ظاهرة لغوية عالمية لا ينبغي التحسس اللغوي منها.
بديهي أن يستخدم الناس معنى واحداً لمفردة واحدة بالدلالة أن تلك
المفردة قد اختزلت ذاك المعنى من بين معاني بقية الكلمات في اللغة
المحددة ولذاك المعنى قد أصبح استقلال تتمتع به عن أي معنى آخر بينما (المرادف)
في اللغة يتجاوز إطار هذه الحالة ليعطي معنيين اثنين وربما أكثر من ذلك
لمفردة واحدة وغالباً ما يتوقف المعنى المراد من تشكيله الجملة
المنطوقة بالكامل أو الجملة المدونة.
فمثلاً أن صيغة فعل الأمر (أمضي) توحي مباشرة إلى الطلب أن يسير
الشخص المتكلم معه ليسير باتجاه معين إذا ما رافق هذا الفعل كلام آخر
ليكمل منه معنى الجملة المطلوبة سواء كان ذلك بالنطق أو القراءة.
ومباشرة أخذ المعنى المقصود من المفردة اللغوية ذات الأكثر من معنى
إذ يصعب أحياناً الاستدلال عليه إذا سمع بها امرء أو شاهدها مدونة على
سبيل المثال فإنه يفتش عن ذاك القصد المراد وهذا لا يتم بسهولة عادة
قبل الوصول إلى غاية استخدام المفردة والمثل الذي تم ضربه بمفردة (أمضي)
التي تعني فعل أمر يقصد منه للبدء بالمسير كما تقدم قد يعني المراد
منها لإعطاء معنى (وقع) على وثيقة معينة مثلاً.
ولعل مثل هذه الإشكالية الناتجة عن ظاهرة اكتناز تعدد المعاني من
مفردة لغوية واحدة قد لا تكون مشاعة في اللغات غير الحية وربما كان كثر
استعمال اللغة الحية للإيفاء بجوانب الحياة التي يتعامل المرء للتعبير
عن معانيها باللغة فقط على اعتبارها أداة البشرية في التفاهم لهذا يرى
أن في الأمر حكمة قديمة استطاعت من اقتحام أرومة اللغة بصور متوالية
حتى إذا ما وضعت مرحلة التدوين اللغوي لمعاجم كل لغة وأدرجت المعاني
المتعددة للمفردة الواحدة أيقن الناس أنه يتوجب على المدون للكلام أو
الناطق به أن يغرد لاستكمال مقاصده بالمعنى ليفهم الآخر – المقابل، ما
مطلوب بالضبط من المعنى المباشر لتلك المفردة.
وقصة (المرادف) في اللغة في اللغات الحية مسألة قد ألفت عنها الكتب
العديدة ونشرت عنها دراسات أكاديمية وغير أكاديمية عديدة وبعض اللغات
تعاني من تضخم من ظاهرة (المفردات المترادفة) ففي الإنكليزية ورغم
الدعاية الدولية عن كونها أسهل لغة عالمية وهذا ادعاء غير صحيح فإن من
يطلع على إحدى الطبعات الحديثة لقاموس إنكليزي – عربي وليكن على سبيل
التذكير وليس إلا (قاموس المورد) الشهير الذي تطبع منه سنوياً نسخة
جديدة لتبين أن بعض المعاني تصل لأكثر (30) معنى للمفردة الواحدة فإذا
ما عرف أن الرصيد اللغوي للغة الإنكليزية هو ما يزيد على (800) ألف
كلمة تقع من ضمنها عشرات المئات من المفردات من ذوات المعاني المتعددة
التي تضم بين طياتها من (10) معاني فأكثر لتبين أي مصيبة لغوية تعاني
هذه اللغة التي تقول عنها الدعاية اللغوية أنها (لغة سهلة) وهي لغة
ليست بسهلة على أي حال.
إن البحث في المذاهب اللغوية رغم كل التنوع والاجتهاد في الاختلاف
وإبداء الرأي الحر على خلفية أن يفيد اللغويون لغتهم المحلية (على أقل
تقدير) مازال أمراً غير واضح المعالم فيما يخص كيفية توظيف معرفة
الأمراض أو القصور اللغوي بحيث تصبح أي لغة على يد علماءها المحليين
الناطقين بها خصوصاً وعبر تقديم علاجات علمية لغوية بحيث يمكنها أن
تقدم قوانينها في الكتابة والنطق والقواعد والتعبير.. الخ وقد وصلت إلى
مرحلة راقية لا يعاني منها أو من تضخمها في أحد تلك المجالات إلا أنه
ومع الأسف الشديد فإن أغلب الدراسات التي تقدم حتى لتطوير أي لغة سرعان
ما تذهب لتستقر على رفوف الدراسات الأكاديمية ولا يعمل حتى بالجوانب
الممكن أن تفيد منه اللغة المعنية ولأسباب يتقدمها مفلسفوا اللغة
المتزمتون حتى ليخيل للغويين المتابعين أن هناك أسراراً بهذا الشأن
بحيث يتم إخضاع كل ما في اللغة المعينة على حاله أي دون قبول أي إجراء
تطويري عليها.
وما له علاقة بموضوع التحسس من تطوير أي لغة إذ التطور الذي حدث
فيها هو عفوي وليس مسبق السند إلى الدراسة (أي دراسة) فمثلاً مما يلاحظ
أن (تطوير التعبير) في اللغة العربية هو ناتج عن احتدامات استعمال
العربية ومواكبتها لتقدم العصر الذي أخذ يعتمد على اللغة العربية
المحلية كـ(لغة أم) كوسيلة تفاهم وأستطاع تطويع المفردات اللغوية في
العربية أن يخطوا خطوات عظيمة لمواكبات كثيرة.
لقد بقيت قضية الأصالة في العربية تواكب مسايرة المعاني والتعابير
الجديدة حتى تركز اليقين تماماً أن في اللغة العربية من إمكانات ربما
لا تتوفر بأي لغة حية أخرى. |