من خلال الممارسات الاجتماعية يتوضح لدينا دور وأهمية قيم الإنسان
في مجال الوقاية بما لا يقل أهمية عن مجال العلاج. وذلك سواء فيما
يتعلق بالوقاية من الإصابة بالأمراض النفسية، أم الوقاية من بعض
المشكلات الخطيرة كمشكلة تعاطي المخدرات.
وقد أوضحت نتائج الدراسات التي قام بها العلماء والباحثون أن الحياة
المستقرة في ظل القيم الدينية والأخلاقية هي أحد العوامل الهامة في
وقاية الأفراد من الإصابة بالأمراض النفسية حيث إن الدين عاملاً هاماً
في معاونتهم على التكيف مع الوضع الصعب.
أما بالنسبة لدور القيم الأخلاقية والدينية في الوقاية من تعاطي
المخدرات، فقد كشفت نتائج الدراسات عن وجود علاقة سلبية بين الاتجاه
نحو تعاطي المخدرات والالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية، حيث العلاقة
المحرمة بالنظرة الدينية للأمور المضرة للنفس وللآخرين.
والآن إذا نظرنا إلى العمل كقيمة من القيم لا على التعيين علينا أن
نتلمس نتائجه وبذلك يمكننا الحكم بإيجابيته أو سلبيته.
والعمل من خلال التقويم الإنساني هو نشاط مفروض وليس مجرد استجابة
الفرد لمطالب الغريزة، إذ أصبح موضوعه لا يمس حاجاتنا المباشرة فحسب
ولا ينحصر في القيام بأفعال تتفق مع النشاط التلقائي للوظائف الجسمية
أو العقلية، ولكنه تعداها إلى تعديل أساليب الأداء وفق الإمكانيات
العضوية والنفسية للفرد، نتيجة التخصص المهني والتطور الصناعي والتقدم
في المعارف الإنسانية، وحاجة الإنسان إلى العمل ترتبط ارتباطاً وثيقاً
بالبيئة المحيطة به ككائن حي. وتلعب الثقافة والعلاقات الاجتماعية دوراً
كبيراً في تنوع حاجاته.
والعمل في جوهره تحوّل في الطاقة نتيجة عوامل بيولوجية يشيعها الدم
في الجسم وعوامل نفسية قوامها شعور العامل بارتياح نحو عمله.. فضلاً عن
عوامل عقلية تساعده على أداء العمل في يسر وتقدم نتيجة الخبرة وتقبل
المراد.
والخلاصة أن الاستعدادات الفسيولوجية المختلفة التي يقتضيها العمل
والنتائج النفسية المتغيرة تجعلنا نؤيد بأن العمل محور ارتكاز شخصية
المرء وعنوان سلوكه وتصرفاته وصحته النفسية، وأن الفرد لا يُقبل على
عمل ما إلا إذا تكيف وإياه، وبذلك يصبح قطعة من العمل والعمل قطعة منه.
وتتداخل الأسباب والعوامل في اختيار العمل ونوعه والإتقان فيه مما
يجعل الفرد يتكيف معه ويرتاح فيه ولا وقت لديه للهدر فبذلك يبتعد عن
المشاكل والجرائم والمخدرات والمخالفات بل لا يفكر أو بالأحرى لا وقت
ضائعاً لديه لكي يفكر في الجرائم والمخدرات. وبالنسبة للراحة النفسية
والوقائية من الأمراض فللعمل دوره الفعال من خلال تكيفه ونشاطه وإبداعه
وإنتاجه كما قلنا يصبح جزءاً لا يتجزأ من العمل.
ومن خلال التقويم الديني فأيضاً للعمل مكانة مرموقة في نظر الشرع من
حيث هو مصلحة للفرد وبالتالي للمجتمع فهو حبيب الله وهو كالمجاهد في
سبيل الله، وأنه أفضل الأعمال الكسب باليد وما شابه من مضامين الأحاديث
الشريفة الداعية إلى العمل، بل الجد فيه والإبداع والإتقان والحرص عليه،
كما في حديث ربما عن الإمام علي (عليه السلام) (رحم الله امرءاً عمل
عملاً فأتقنه).
فالعمل من خلال التقويم يعتبر قيمة حضارية راقية وفي تحسينه وجودة
أدائه وفي تطويره والإبداع فيه تطور وتقدم المجتمع فلا بد من تحسين
أساليب العمل وتطوير أدواته والبحث عن العمل المناسب لكل فرد وتأهيله
حسب طاقاته وميوله وقدراته وكفاءاته فالفرد المناسب للمكان المناسب هو
أسلوب النجاح وطريق التقدم. |