أبرزت دراسة توضيحية لحالة الفوضى الفكرية السائدة حول موضوع
الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ تسبب قلق منهجي مؤداه عواقب
اجتماعية وسياسية في سياق البحث، إضافة إلى المتاعب التي تواجه في سياق
البحث عن رؤية سليمة للتقدم الإنساني.
واعتبرت الدراسة ثمة مصدران للفوضى الفكرية الأول خارجي نابع من
دوائر معينة في البلدان الصناعية المتقدمة، خصوصاً في أمريكا وأوروبا،
ومنها الأوسط الصهيونية بشتى مؤسساتها وأجهزتها التضليلية ويتركز هدف
هذه الدوائر الغربية مجازاً على تحميل الإسلام مغبة ومسؤولية الصراعات
الراهنة وحرف النضال الإنساني لملايين المسلمين والعرب من غاياته
الإنسانية، الحقيقة الهادفة إلى إقامة الحرية والمساواة والعدل
والتسامح واللاعنف واحترام الرأي الآخر وفي هذا السياق نجد أن ما
تناوله المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قدس سره) في نظرته من خلال
مؤلفاته التي تتناول حال المسلمين وأهدافهم وتحدياتهم وضرورة الإقتداء
بالرسول الكريم (ص) وأخلاق أهل البيت عليهم السلام، حيث أن لسماحته (قدس
سره) رؤية معمقة وتحليلية لأهم معوقات التأخر والتخلف، حيث نجد ذلك
جلياً في كتابه لماذا لم تأخر المسلمون؟!
وأما المصدر الثاني فأشارت الدراسة إلى خطف الإسلام من جانب قوى أو
تيارات سياسية تدعو إلى مواقف خاطئة، وتستخدم الإسلام ذريعة لممارسات
ضارة وعقيمة تحت شعارات عدة منها تكفير وملاحقة أتباع الديانات الأخرى،
وبهذا تطمس جوهر الصراع الحقيقي الدائر في العالم والفئات والمؤسسات
المتربعة على الاقتصاد ومقاليد التحكم بمصالح الشعوب وثرواتها، وعن
تحديد الإشكالية المفتعلة بين الإسلام وقضايا الحرية والديمقراطية
أوضحت الدراسة أن الإسلام ديناً وعقيدة يضم مجموعة من الثوابت
الإيمانية وكذلك يدعوا إلى قيم إنسانية رفيعة كالعدل والتسامح ونبذ
التعصب والتشديد على الوحدة الإنسانية وحدة المجتمع البشري بكل أقوامه
من دون اعتبار للعنصر واللون والجغرافيا والزمن وتتجسد هذه جميعها في
النصوص القرآنية والسنة النبوية.
وتتجسد المضامين الإسلامية لمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق
الإنسان كقيم إنسانية حيث أكد المجدد الثاني (قدس سره) في نظريته أن
الغرب أعطى العرب نصف الحرية ونصف الرغيف أما الإسلام فقد أعطى الحرية
الكاملة والرغيف الكامل وما إبرازه لأهمية الشورى والعدالة في أهم
مفاصل مشروعه النهضوي، وأبرزت الدراسة أن الإسلام منح حقوق الإنسان
قدسية تتعالى بها على سيطرة حاكم أو ملك أو حزب بتلاعب بها في إشارة
على إلى أن الانتخابات في الغرب تقع تحت تأثير ونفوذ رأسمال والشركات
الاحتكارية، كما أن الإسلام قد أعطى حقوق الإنسان قوة إلزام يتحمل
مسؤوليتها الفرد، فهي أمانة في عنق كل المؤمنين وواجب ديني على كل مسلم،
الله تعالى هو مانح هذه الحقوق وهو الأعلم بحاجيات الإنسان والذي خلقه
وكلفه فلهذا اكتسبت هذه الحقوق والواجبات بعداً إنسانياً تتجاور كل
الفروق الجنسية والجغرافية والاجتماعية والعقائدية، وتعكس النظرة
الإسلامية شمولية حقوق الإنسان وإنسانيتها، وعالميتها، فإنها تعكس أيضاً
أهمية التلازم بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة، فكل حق للفرد يتضمن
حقاً للجماعة مع أولية حق الجماعة كلما حدث تقاطع، ودعت الدراسة أن
الإقرار بشمولية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكونه يشكل القاعدة
العريضة العالمية لمجموعة المبادئ والقيم الإنسانية فثمة حاجة إلى
إصدار مواثيق مكملة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هدفها التعبير عن
القضايا والأمور التي لم يأت الإعلان العالمي والنابعة من أوضاع وحاجات
خاصة، أي ذات طابع خصوصي ومرتبط بسمات وخصائص اجتماعية وثقافية
وتاريخية لأمم معينة أو مناطق معينة من العالم.
يذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر في 10 كانون الأول/
ديسمبر 1948 جمعت هذه الوثيقة أهم الحقوق والاستحقاقات التي تتطلع
إليها البشرية والتي ناضلت من أجلها خلال عصور سالفة، وهي تتجسد حصيلة
القيم والغايات النبيلة التي حلم بها المصلحون من الفلاسفة والمفكرين
من جميع الأديان والمدارس الفكرية، إن حماية حقوق الإنسان وتطوير قيمها
وآلياتها تمثلان مصلحة مشتركة لكل البشر، الأمر الذي يجعلها قاعدة
فكرية وسياسية واسعة لمزيد من الفعاليات والنشاطات الشعبية الهادفة إلى
خير البشرية جمعاء، ولمواجهة التحديات والأخطار الماثلة أمام شعوب
العالم، ولعل الشعوب الإسلامية والعربية هي الجهة الأشد حاجة لإشاعة
مبادئ حقوق الإنسان بغية استعادة حقوقها المهضومة أفراداً وجماعات
وتوفير مستلزمات الضرورية لتحقيق تنمية شاملة تكفل العدل والتكافؤ
والحرية والرخاء والتقدم لهذه الأمم. |