إن ظاهرة التشابه أو بالنص على حذافيره لمفردة لغوية متداولة بين
لغتين أو أكثر دليل على إجازة ضمنية القبول تلك الظاهرة عند السلف
اللغويين الذين نظروا إليها على كونها أمر طبيعي مادامت هناك ضرورة
موضوعية اقتضاها الحال لسد الفراغ اللغوي في تعبير أدل على استكمال
النطق لما يراد أما التدوين فغالباً ما يكون قد أتى بعد توثيق المفردة
الأجنبية في اللغة المنقولة إليها تلك المفردة.
لقد أثرت لغات في لغات أخرى كما أن التأثير كان بالغاً في تطوير
لغات كانت فقيرة من حيث افتقار معجمها اللغوي إلى مزيد من المفردات
ليستكمل ذلك المعجم مفرداته حتى تصبح لغته في وضع أرقى وينطبق ذلك على
اللغة الإنكليزية كـ(مثال) إذا مازالت هذه اللغة تضم أي مفردة جديدة
إلى معجمها إذا وجدت حاجته لمعناها حتى لو كانت تلك المفردة متداولة
بين لغة بدائية إذ تنقلها قدر الإمكان بنصها أو بإجراء تحوير بسيط
عليها بحسب مقتضيات اللغة الإنكليزية فقد عودة هذه اللغة الناطقين بها
أو المهتمين بها أو اللغويين في عموم أنحاء العالم أنها تتبع هذه
الطريقة ودون أي تحفظ والقائمون على الشأن اللغوي الخاص بهذه اللغة
يحرصون على أن تواكب لغتهم أي شأن يقدم هذه اللغة ولا يدعها راكدة على
أي تزمت ومن يتابع طبعات قاموس المورد الإنكليزي العربي الذي صدر
طبعاته سنوياً في العاصمة اللبنانية – بيروت – يلاحظ حقلاً خاصاً
بإضافة المفردات الجديدة لهذه اللغة التي قبلها المجلس المتخصص لإبقاء
هذه اللغة مواكبة وعن حرص لإغناء معجمها بأي مفردة لا يضمها متنه.
والتأثير بين اللغات قد ساهم في نشأة لغات أخرى ولعب دوراً لاحقاً
في تطورها فمثلاً إن اللغة الفارسية الحديثة قد تأثرت كثيراً باللغة
العربية ذات الجذور الكثيرة المستمدة من اللغة السومرية التي كانت
سائدة في العراق وظهر ذلك التاثير جلياً بعد الفتح الإسلامي لإيران حيث
أصبح شعبها المسلم ينظر إلى اللغة العربية بصفتها لغة القرآن الذي هو
الدستور الجديد لحياتهم الدينية فتعمق الإيرانيون في فهم واتقان هذه
اللغة لفهم دينهم الإسلامي ونصوص قرآنه الكريم مما ساعد على انتشار
العربية ورواجها السريع في ربوع بلاد فارس وحين أتيح للقومية الفارسية
النهوض أكثر في المجتمع الإيراني بزهاء أواخر القرن الثالث الهجري فقد
صاحب إحياء اللغة الفارسية اعتمادها في كثير من مفرداتها ومصطلحاتها
على اللغة العربية وكذلك اعتماد الفارسية على أشكال الحروف العربية في
كتابتها وهكذا فإن مسالة الاقتباس من الثورة اللغوية العربية وإدخالها
إلى اللغة الفارسية كانت ذات فائدة لتكون اللغة الفارسية قادرة على
المواكبة بين اللغات الأخرى التي تطورت نتيجة لذاك التأثر باللغة
العربية وآدابها وقواعدها الصوتية.
ولم يقتصر تأثير اللغة العربية في الفارسية بل انتقل هذا التأثير
حتى لغات عالمية أخرى كاللغة الإنكليزية التي نقلت إلى معجمها مئات
المفردات العربية أو ذات الأصل العربي كما اكتسبت العربية مكانة لغوية
بارزة المجتمعات غربي أفريقيا نظراً للاستنباط الوثيق لهذه اللغة
بالإسلام من خلال القرآن المجيد إذ أن في تعلم القرآن الكريم سيعني
ضمناً هو التعلم الحسن للإسلام بكونه دين علم وفطرة بآن واحد. أما
بالنسبة لنظرة المواطنين الأفارقة المسلمون لفروض اللغتين الإنكليزية
والفرنسية في الكثير من ربوع بلدانهم فإنهما في انطباعات الافارقة
المؤمنين والوطنيين ليستا أكثر من لغة الاستعمارين البريطاني والفرنسي.
والعربية بصفتها كلفة قادرة على أن تعبر من مخزون مكنونات الفكر
بشكل بديع فكان طبيعياً لها أن تصل الآن إلى مرتبة اللغات الحية
المتداولة عالمياً أن لم تكن قد تفوقها من حيث مطواعينها للاستطاعة عن
التعبير المتكامل وذلك بسبب كون اللغة العربية لها شخصيتها المتفردة
على الاتصال لاعطاء المعاني المطلوبة بما في ذلك المستحدثة منها على
أكثر من صعيد لغوي كما يلاحظ ذلك في المفردات المعاصرة التي لم يكن قد
نطق بها العرب سابقاً كمفردتي (الحداثة) و(العولمة).
ويكاد أن يكون من المتفق عليه بين اللغويين أن فصول الحياة في
المجتمعات الإسلامية بقيت قائمة أساساً على اعتماد استعمال اللغة
العربية في بلدانها وأقاليمها ومما يلاحظ على العربية الآن أنها تعيش
عصرها الذهبي في بلدان المشرق العربي بصورة أكثر نصاعة حيث أن حالة
المزج بين العربية ولغات أجنبية أخرى ليست مسألة مقرورة إلا أن ما يلفت
الانتباه بهذا الصدد أن لفظ المفردات العربية لدى بعض الشعوب العربية
أو من احتسب عليها كما في حال بعض المجتمعات غرب أفريقيا أو جنوبها
يلفظون العربية بطريقة لا تدل على اتقان ألفاظها برشاقة اللسان العربي..
تماماً وهذا هو نوع الابتعاد عن قوانين الفاظ العربية الذي يعرض
نموذجها الراقي إلى التراجع في تلك المجتمعات الناطقين بها.
إن المذهب اللغوي الذي يفضل أن تعتمده اللغة العربية في موضوع
التداخل اللغوي عليها هو اعتماد المفردات الأجنبية إلى معجمها إذا كان
مفتقراص فعلياً. |