أوضحت دراسة متخصصة بقضايا حقوق الإنسان، حيث
أشارت إلى أن حقوق الإنسان مرت بمرحلتين الفلسفة النظرية لحقوق الإنسان
وهي المرحلة التي دأب فيها المهتمون والناشطون في هذا المجال على
محاولة تحديد هذه الحقوق التي سميناها معايير حقوق الإنسان، حيث أنصب
الجهد في هذه المرحلة على حوارات نظرية ومحاولات صياغة ضمن لجان مكلفة
بذلك استطاعت أن تصبغ مجموعة من المواثيق، والتي أخرجت مبادئ حقوق
الإنسان من حالة الميوعة وعدم التحديد إلى حالة التحديد من خلال
تسميتها وبنائها على فهم واضح يرتبط بطبيعة البشر، ولذلك كان الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان مفهوماً عاماً لهذه الحقوق لا يتضمن أي آلية أو
وسائل لحماية هذه الحقوق، ويمكن تسمية هذه المرحلة مرحلة تعزيز حقوق
الإنسان.
والمرحلة الثانية يمكن وصفها بالفلسفة العملية
لحقوق الإنسان وبدأت تظهر هذه المرحلة مع الانتهاء من صياغة العهدين
الدوليين لحقوق الإنسان وتضمينها بعض الأفكار العملية (تدابير احترازية)
التي تلتزم الحكومات الدول المصدقة عليها باتخاذ إجراءات جدية لتعزيز
وحماية الحقوق الواردة فيها وإعطاء هذا الالتزام صبغة قانونية فقد جاء
بالعهدين الدوليين والذين يلزما الدول الأطراف بمسؤولية قانونية أمام
المجتمع الدولي ففي العهد المدني والسياسي نص صريح حول التزام الدول
بالحقوق المعترف بها في العهد في المادة 2 تتعهد كل دولة طرف في هذا
العهد باحترام الحقوق المعترف بها، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد
الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها وتضمن العهدان شكلاً من
أشكال الرقابة على الدولة، فقد جاء في العهد المدني والسياسي تنشأ لجنة
تسمى لجنة المعنية بحقوق الإنسان وتتألف من ثمانية عشر عضواً وتتولى
الوظائف المنصوص عليها وأضافت الدراسة أن المرحلة الثانية تعمقت وهي
المرحلة الحالية، بازدياد عدد الدول المصدقة على شرعة حقوق الإنسان،
وبداية عمل اللجان الخاصة بالعهدين، ودعت الدراسة إلى استيعاب الفرق
بين مصطلح التعزيز والحماية والوقاية، وهي من أكثر المصطلحات استخداماً
في ميدان حقوق الإنسان، واعتبرت الدراسة أن انتقال حركة حقوق الإنسان
إلى المرحلة الثانية يعني أنها بدأت تجد لها مكاناً على مستوى الفعل
والإنجاز والتبني والممارسة هو فكر له جمهور وقيمته عند الأفراد وخصوصاً
في وقت حددت فيه جمود على مستوى الفكر الإنساني.
فآخر ثلاثة عقود تجمدت حركة الفكر وأصبحت تدور
في دوائر جامدة تستخدم بالأساس لصراعات داخلية وخارجية تدور حول السلطة
ولمصلحة قيادات متصارعة، ولعل فكل حقوق الإنسان هو من الأفكار التي تمس
قيم البشر وتنظم جهدهم لتكريس هذه القيم.
وتعتبر من الأفكار التي وجدت لها صدى عالمي، وفي
وقت تراجعت فيه الكثير من الأفكار العالمية أو ما يطلق عليها الأممية.
وفي هذا الإطار فليس مستغرباً أن قيادات بعض
الأفكار في العالم يستشعرون الخطر لاعتبارهم هذا الفكر العالمي الجديد
يهدد مكانتهم في المجتمع وتعتبرها بمثابة البديل لما يطرحونه، وهذا
المنطلق غير صحيح لأن فكر حقوق الإنسان لا يعتبر نفسه بديلاً للأفكار
السائدة في العالم بقدرما هو مهذب لسلوك القيادات التي تعبر عن الأفكار
والنظم السائدة في العالم ومن غير شك فإن انتقال مبادئ حقوق الإنسان
إلى المرحلة العملية يعني بأنها تملك آليات وقادرة على المواجهة، ومن
يريد المواجهة فعليه أن يتوقع اهتزازات، ومن يريد التجاوب فإنه من غير
شك سيجد له مكاناً في فعل وآليات حركة حقوق الإنسان. |