كان الشعب العراقي للتو يضمد جراحه مستعيدا
عافيته والامان بعد سقوط كابوس جثم على صدره لأكثر من ثلاثة عقود.
إذ ليس في الأمر غرابة عندما نرى أعمال شغب او
نسمع دوي إنفجارات في أماكن متفرقة بأوقات متباينة تنفذها جماعات
كانت مستفيدة من نظام على قدر ولائها له , لكن الغرابة فيها أن نرى
عنصرا فاعلا على الساحة السياسية وهو يأجج ملحمة غير محسوبة عواقبها.
الملحمة هذه إن صح التعبير لو وقعت فستكون غير
متوازنة القوى، لأن جيش المهدي الذي أسسه السيد مقتدى الصدر لا يمكن
أعتباره جيشا بهذا المصطلح كونه يفتقر إلى عملية التجييش التي
تتبناها المؤسسات العسكرية المحترفة. خصوصا وهو يريد به مواجهة جيش
الاحتلال الامريكي المحترف الذي يمتلك كل أسباب البطش والنصر،
والمتطور الى الحد الذي تخشاه جيوش العالم جمعاء.
ما أطرحه هنا بالمعنى الفني
المادي البحت للجيش وليست بالمعنى الذي ينطلق من الغيب ( إن ينصركم
الله فلا غالب لكم ). آمنت بالله ربا لا شريك له وهو على كل شيىء
قدير0
فالمواجهة لا يمكن تحقيقها حتى تتوفر شروطها
فأولها..
نهوض كل أبناء الوطن وعلى أختلافهم ليكونوا
صفا واحدا بوجه جيش الاحتلال، وثانيها الاستعداد الفني والتقني
عند المواجهة.
الشرط الاول لا يمكن تحقيقه عبر السيد مقتدى
الصدر الذي يعلن باعتراف منه أنه طالب علم ووكيل مرجع وأنه ليس
بمجتهد مع فقدان الخبرة السياسية بأحتراف.
أما الشرط الثاني فهو مرهون بالظرف الزمني
والعقلانية عند الاستعداد.
فمواجهة الامريكان كمحتلين لا تكفي إذا عرفنا
قدر عملية الأطاحة بنظام صدام حسين كمستبد وظالم وقد تحققت
فيها مصالح الشعبين العراقي والامريكي ثم شعوب دول المنطقة.
هناك مواجهة أخرى كان من المفروض التمسك
بها تنحدر مع المنحدر الذي تريده أمريكا كدولة تحمي الانسان وحقوقه
بآلية القانون والديمقراطية.
فهذا الحل وإن آمنا به هش القاعدة لكنه مبررا
كآلية تلقم أمريكا كونها تدعيه وتروج له. ولما نعرف السياسات المتبعة
من قبل الدول الديمقراطية أنها سياسات حيل، وتحقيق أهداف غير مشروعة
فلا بد لنا أن نواجهها بنفس الحيلة التي نواجه بها على أنها خطوة
تتلائم مع مارد عنيد. في كل ألأحوال فأن السيد الصدر قد تقدم بعشرة
خطوات إلى أمام وليست بخطوة واحدة دفعته من الخلف حيلة أمريكية قد لا
يفهمها لتوريط الشيعة بصراع غير لائق في هذه المرحلة من حياتهم بعد
فشل الرهان الأمريكي البريطاني على الأقتتال الطائفي في العراق حال
دخول قوات التحالف إلى بغداد العاصمة.
فلما كانت المواجهة قد وصلت الى ذروتها مع
الأمريكان في كل مدن العراق وخصوصا في الفلوجة أحس الأمريكان أنهم في
خطر محكم بينما الشيعة والسنة متحدون وقد طغت قوتهم أن يتصدروا
الساحة السياسية والعسكرية إذ ليس هو المطلوب في النية المبيتة عند
البريطانيين والأمريكان فتبدلت آلية الديمقراطية إلى آلية الدبابة
كحيلة مواجهة ضد الخارجين على القانون وبدفع منهم لو عرفنا جيدا
حقيقة العمل المخابراتي المتبع ميدانيا حتى تحول الصدر من بن مرجعية
معتبرة إلى رجل قاتل ومارد وبزعمهم دون أن يعلم كيف يمسك بخيط
المواجهة المتين أو الخروج منها.
لكن تبقى للسيد الصدر قوته واعتباره إذا ما
تحصن بأنجح قواعد التكتيك في هذه المواجهة الشرسة خصوصا وأن
الأستعداد الأمريكي لها وصل إلى ذروته بمحاولة إخماد نار الفلوجه
لأشعالها ثانية في النجف الأشرف.
في نفس الوقت وعلى الرغم من الصرح العملاق
الذي تتمتع به أمريكا عند المواجهة فإن درجة النجاح قد تكون أدنى
بكثير من إعتقادها الموهوم به لأن مكان المواجهة ليس بالمكان
التقليدي والعادي لدى المسلمين الشيعة حيث مرقد الأمام علي بن
أبي طالب (ع )، والحوزة العلمية وبالتالي ستتحول المعركة من طرف واحد
الى كل الاطراف وقد تنقلب المقاييس الامريكية الى وهم بأكمله على
الرغم من الخسائر البشرية التي سيمنى بها الشيعة الذين يتقيدون
بالولاء المطلق لدينهم ومرجعيتهم.
إذن على أمريكا الاتجاه الى إحتمال الصواب
الذي يتجسد بأحترام الشعب العراقي وضمان حرمة الوطن والمقدسات وليس
إعتماد الحيل من أجل الوصول الى الهدف الغير معلن، وهذا الأتجاه يجعل
الشعبين العراقي والأمريكي في منزلة الصداقة الدائمة، كما يستدعي
الموقف أن يخفض السيد الصدر جناح السلم ولو بخسارة أقل من أجل ضمان
راحة المواطن وحرمة الوطن والمرجعية وليس بمقدورنا أن نشكك في نية
وموقف السيد الصدر بعيدا عن جانب المهاترات الاعلامية وغيرها. كما
نذكر الجميع بأن فرحة سقوط الطاغية دخلت قلوب كل العراقيين وكانت
بفضل الدبابة الامريكية وقوة إستعدادها حتى سقط الطاغية بأذل طريقة
رتبتها له المخابرات العالمية خدمة لمصالحها ومع كل هذا فقد تحقق
للشعب العراقي مرامه وما كان بالسهل، ونأمل من الجميع الحفاظ على
الارواح البريئة والوطن المقدس عموما والنجف الاشرف على الخصوص وبهذا
سيحظى الجميع بتحقيق بعض المصالح حتى لا يخسرونها كلها.
|