قال حوالي 50 دبلوماسيا امريكيا سابقا في رسالة
مفتوحة ان سياسة الرئيس جورج بوش في الشرق الاوسط تفقد الولايات
المتحدة مصداقيتها وهيبتها وأصدقاءها.
وتعبر الرسالة التي أطلعت رويتزر عليها عن تأييد
الموقعين عليها لحوالي 52 دبوماسيا بريطانيا متقاعدا بعثوا ايضا برسالة
مماثلة إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الاسبوع الماضي.
وتبدأ الرسالة الامريكية بالقول "نحن
الدبلوماسيين السابقين نشيد بزملائنا البريطانيين الاثنين والخمسين
الذين بعثوا مؤخرا برسالة إلى رئيس الوزراء توني بلير تنتقد سياسته في
الشرق الاوسط وتدعو بريطانيا إلى ممارسة مزيد من النفوذ على الولايات
المتحدة."
وقال دبلوماسيون سابقون بارزون آخرون انهم
يدرسون التوقيع على الرسالة وانهم يشعرون بانزعاج بالغ للتوجه الاخير
لسياسة الولايات المتحدة ليس فقط فيما يتعلق بالشرق الاوسط بل ايضا
حقوق الانسان بشكل عام.
وأضافت الرسالة ان بوش وضع الدبلوماسيين
والمدنيين والعسكريين الامريكيين في الخارج في موقف لا يمكن الدفاع عنه
بل وخطير بانتهاجه سياسة غير متوازنة في الشرق الاوسط.
وقال خبراء قانونيون وفي مجال السياسة الخارجية
ان انتهاك حقوق السجناء العراقيين الموجودين في السجون الامريكية لا
يمكن الا ان يزيد مشاعر القلق في الداخل والخارج من ان الولايات
المتحدة لا تطبق ما تدعو اليه بشأن حقوق الانسان.
وقال خبراء حقوق الانسان ان الولايات المتحدة
تواجه بشكل متزايد اتهامات بانها فشلت في الالتزام بالمعايير الخاصة
بها اضافة الى المعايير الدولية ايضا مما يؤدي لتراجع التأييد لها داخل
دول كانت من حلفاء واشنطن الذين اعتمدت عليهم لعقود طويلة.
وقال دوجلاس كاسل مدير المركز الدولي لحقوق
الانسان بكلية القانون بجامعة نورث ويسترن "على مدار العامين الماضيين
لاحظت تدهورا حادا في صورة الولايات المتحدة في العالم فيما يتعلق
بحقوق الانسان."
وقال كاسل "هناك الان فرضية جديدة بين النشطاء
والمدافعين عن حقوق الانسان في كل مكان انه اذا بحثت في اي قضية تريدها
تتعلق بحقوق الانسان سواء عقوبة الاعدام او حروب عدوانية او اعتقالات
عشوائية او الحق في محاكمة عادلة او الاغتيال او التعذيب فان الولايات
المتحدة سوف تكون في الجانب الخاطيء منها."
وعلى مدار فترات عديدة من القرن العشرين كانت
الولايات المتحدة ينظر اليها في الاغلب بوصفها رائدة في ميدان الدفاع
عن حقوق الانسان كما انها ساعدت دائما في وضع قضايا حماية حقوق الانسان
على جدول اعمال المجتمع الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ولكن وفي اعقاب هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على
الولايات المتحدة بشكل خاص وما نجم عنها من اعلان ادارة الرئيس
الامريكي جورج بوش الحرب على الارهاب تزايدت الاتهامات الموجهة الى
الولايات المتحدة بانتهاك حقوق الانسان وتركز معظمها بشكل اساسي على ما
يتعلق بالسجناء المحتجزين الى اجل غير محدد في القاعدة العسكرية
الامريكية بخليج جوانتانامو في كوبا دون السماح لهم بالاستعانة بمحام.
وقدم 23 من كبار مسؤولي السياسة الخارجية
السابقين من بينهم انتوني ليك مستشار الامن القومي الامريكي السابق
وتوماس بيكرينج وكيل وزارة الخارجية السابق مذكرة بعنوان "صديق المحكمة"
الشهر الماضي الى المحكمة الامريكية العليا في قضية تتعلق بحقوق
المعتقلين بخليج جوانتانامو.
وكتب المسؤولون السابقون في مذكرتهم "مفهوم هذه
القضية بالخارج هو ان سلطة الولايات المتحدة يمكن ان تمارس خارج نطاق
القانون وحتى في مخالفة للقانون الامر الذي سيؤدي الى الحط من قدر
الولايات المتحدة وسمعتها على نطاق واسع في العالم."
وتحتجز الولايات المتحدة نحو 600 اسير ينتمون
لاكثر من عشرين دولة في قاعدتها بمعسكر جوانتانامو. وتقول ادارة بوش ان
القاعدة البحرية هناك خارج نطاق الولاية القضائية الامريكية. وتجادل
الولايات المتحدة بان اتفاقيات جنيف الخاصة بحقوق اسرى الحرب لا تنطبق
على اعضاء لمنظمة غير نظامية مثل اعضاء تنظيم القاعدة التي تلقي عليه
بمسؤولية هجمات سبتمبر في واشنطن ونيويورك.
وقالت جيني جيانسبور من اللجنة الدولية للاصلاح
ان احدى المشكلات هي ان الولايات المتحدة غالبا ما تكون مشاركا معارضا
في النظام الخاص بالمعاهدات الدولية لحقوق الانسان.
وقالت امام مؤتمر نظمته الجامعة الامريكية
الجمعة الماضية ان الولايات المتحدة توقع في الغالب على اتفاقيات لكنها
لم تصدق عليها او صدقت عليها مع تحفظات.
وتعد الولايات المتحدة العضو الوحيد بالامم
المتحدة بخلاف الصومال التي ترفض التصديق على المعاهدة الخاصة بحقوق
الطفل التي دخلت حيز التنفيذ عام 1990. وتعارض الولايات المتحدة بندا
بالمعاهدة يحظر الاعدام بالنسبة للجرائم التي يرتكبها احداث.
وعارضت واشنطن ايضا انشاء محكمة جنائية دولية
والتي خرجت الى حيز الوجود عام 2002.
وقالت جيانسبور ان الولايات المتحدة وقعت بالفعل
على الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 ولكنه لا يعد وثيقة
ذات قوة ملزمة للاطراف الموقعة عليه.
ولا تمنح المحاكم الامريكية وضعا قانونيا
للمعاهدات الدولية لحقوق الانسان وتعتمد فقط على الدستور الامريكي الذي
يتميز بالعمومية في الغالب.
وقال ستيفن ريكارد من معهد المجتمع المفتوح امام
المؤتمر "هناك فجوات بين القانون الامريكي والتنظيم الدولي لحقوق
الانسان الذي شهدت معاييره حالة تراخ بسبب الحرب على الارهاب."
وقال الفين برونستين الذي انشأ مشروع السجن
القومي لصالح اتحاد الحريات المدنية الامريكي ان مسألة حقوق الانسان
نادرا ما تذكر حتى في النقاش المتعلق بحقوق السجناء.
وتابع قائلا "سواء كان الحديث عن العراق او عن
خليج جوانتانامو او اي شيء اخر فهو دائما عما اذا كان للرئيس الحق في
ان يتصرف كما يفعل."
ويقول محللون إن اساءة الجنود الامريكيين لسجناء
عراقيين تغذي مخاوف العرب والمسلمين من أن تكون "الحرب على الارهاب"
جزءا من جهد أوسع نطاقا لاهانتهم وتخدم مصالح متطرفين مثل تنظيم
القاعدة.
وفي حين يقول الخبراء إن الحرب على العراق
و"الحرب على الارهاب" ليستا مرتبطتين بالضرورة فان اساءة معاملة
السجناء العراقيين ستضر بجهود كبح جماح الارهاب العالمي وستزيد من عدم
وضوح التفرقة أمام الكثيرين الذين يشككون بالفعل في دوافع الولايات
المتحدة ومصداقيتها واحترامها لحقوق الانسان.
وقال توني كوردسمان من مركز الدراسات
الاستراتيجية والدولية الذي تولى عدة مناصب في الحكومة "هؤلاء
الامريكيون الذين أساءوا معاملة السجناء ربما لم يدركوا ذلك لكنهم
تصرفوا بما يخدم مصالح القاعدة والمقاومة وأعداء الولايات المتحدة."
وأضاف في بيان "هذه الصور السلبية تعزز كل الصور
السلبية الاخرى وتتفاعل معها." مشيرا الى "الاسلوب الخطابي الامريكي
المستهتر عن العرب والاسلام" والفشل في تحقيق الاستقرار في العراق
واستمرار العنف الاسرائيلي الفلسطيني والمخاوف من أن تكون الولايات
المتحدة تسعى للهيمنة على الشرق الاوسط.
وأثارت صور تعذيب السجناء في سجن أبو غريب خارج
بغداد التي عرضتها محطات التلفزيون والصحف الاسبوع الماضي غضبا عالميا.
وأشارت بعض التقارير كذلك الى وقائع ايذاء جسدي.
وعادة ما تسهم صور أوقات الحرب في تدعيم معارضة
الرأي العام كما فعلت صورة شهيرة وقت حرب فيتنام لفتاة صغيرة تفر عارية
من منطقة قتال. لكن لم يتضح بعد ما اذا كانت هذه الصور سيكون لها أثر
مماثل.
وقال يحيى الشوكاني القائم بأعمال السفارة
اليمنية في واشنطن ان الصور قد تقوض جهود حكومته وحكومات أخرى لاقناع
مواطنيها بأن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الارهاب مشروعة
وتخدم مصالحهم.
وأضاف "لن يخدم ذلك بالتأكيد حملة كل دولة على
الارهاب ... الضرر وقع بالفعل."
ويقلق العديد من العرب والمسلمين من حرب واشنطن
على الارهاب ويعتقدون أنها مجرد خطب جوفاء تهدف الى فرض أهداف السياسة
الخارجية الامريكية في الخارج على حسابهم.
والكثيرون في المنطقة كذلك يعترضون على استخدام
الولايات المتحدة لكلمة ارهاب قائلين انها لا تنطبق على مقاومة
الاحتلال أو القمع.
وقال انتوني ليك مستشار الامن القومي للرئيس
الامريكي السابق بيل كلينتون ان الانتهاكات قد تضر بالعلاقات مع
الحلفاء المسلمين المهمين فيما يتعلق بجهود مكافحة الارهاب والذين
يتعين عليهم العمل اخذين في الاعتبار الرأي العام الداخلي.
وأضاف "صور اهانة السجناء تعد تعبيرا مجازيا عن
مشكلة أكبر. فما كان دائما يثير مشاعر الكراهية تجاه الغرب والولايات
المتحدة في الشرق الاوسط هو الاحساس بالمهانة وما يقود اليه من غضب."
ويقول بعض المحللين انه في حين ستصعب اساءة
معاملة السجناء جهود تحقيق الاستقرار في العراق بدرجة أكبر الا انها لن
تخرج الجهود الدولية الاوسع نطاقا لمكافحة الارهاب عن مسارها.
وقال كينيث كاتسمان خبير الارهاب في مركز دراسات
تابع للكونجرس "لست مقتنعا بأن الحرب على القاعدة ستتضرر ...بما أن ذلك
وقع في العراق فأنا أعتقد أن الحكومات ستفرق. لو كان وقع في جوانتانامو
باي لكان الامر اختلف."
وفي الداخل قد تضر الانتهاكات بالتأييد لسياسات
بوش المتعلقة بمكافحة الارهاب التي تصور العراق باعتباره حجر الاساس في
"الحرب على الارهاب".
وقال كاتسمان "ستكون هذه مسألة مهمة في
الانتخابات (في نوفمبر تشرين الثاني).. الى أي مدي ستتم التفرقة بين
العراق والحرب على الارهاب."
المصدر: وكالات |