تجربة الإنسان مع الابتسام والضحك والسخرية
مميزات اتصف بها دون سائر المخلوقات ولكن باستثناء نوع أو أكثر من
القرود التي عرفت ممارسة الضحك حتى (القهقهة) كما يظهر ذلك جلياً عند
قرد (الشمبانزي) مثلاً.
وظهور إمارات الابتسام على وجه المرء يمكن
احتسابها نوع من التعبير الهادئ عما يرى أو يسمع أو يرى ويسمع في آن
واحد وكثيرة هي الأسباب التي تدع الشخص كي يبتسم فقد تكون كلمة ينطقها
المقابل ما تدعوه إلى أن يستحسها ولكن البسمة في موقف حرج يمتاز
بالجدية تكون بمثابة طلقة في قلب المبتسم منه إذا أنها تعني نوع من
السخرية من عقلية المقابل الذي لا يفكر بأن للزمن حوبته وقد تنقلت فيه
الطاولة على رأسه أمام شخص يظلمه مثلاً ويكون قد واجه ندّه بسلاح
البسمة الحفيفة.
والحالة أو المشهد اللذان تظهر فيهما ما يدعو
إلى الابتسام سرعان ما تنتقل البسمة على شفاه الحاضرين وكان مشاركتهم
فيها تكون قد نقلت بواسطة عدوى اللحظة إذا جاز التعبير بذلك من هنا فإن
علم الاتكيت يؤكد على ضرورة أن يبدأ الإنسان يوجه بإلقاء التحيات على
معارفه وزملائه أثناء الصباح مشفوعة بالابتسام ويعتقد علماء النفس
والتربية والاجتماع بهذا الصدد أن الابتسامة الصباحية المصاحبة للتحية
هي بمثابة تمهيد لقضاء يوم سعيد خالٍ من اي تشنج محتمل. والابتسام عادة
لا يظهر مثلاً على شخص متوتر الأعصاب إلا ما ندر لأن عضلات وجهه تكون
موظفة منشدة إلى العصب فتظهر عليه سمات المتجهم أو العبوسة أو الكآبة.
و(الابتسامة) الهادئة تكون أحياناً مدعاة تأسر
القلوب وهي على أي حال تمثل بأحيان كثيرة المرحلة قبيل إصدار ضحكة
عالية أو قهقهة طويلة جراء حالة ما تستدعي ذلك ومما يذكر بهذا المجال
من الناحية البيولوجية أن الابتسامة في وجوه الآخرين تحرك (6) عضلات في
الوجه بينما يحرك العبوس فيه (72) عضلة.
والابتسام الذي يتسلل إلينا يأتي أحياناً بغتة
نتيجة لحادثة قد لا تكون مضحكة في غير وقت وقوعها مثل تزحلق رجل وفلت
صينية طعام من يد حاملها على رأس شخص آخر لم يكن منتبهاً في مكان خاص
أو عام، أنواع الابتسامات واللطيفة فيها هي الابتسامة العفوية أما
الابتسامة المصطنعة فيسميها بعض الناس عادة بـ(الابتسامة الصفراء)
وغالباً ما تتم عن لؤم أو خبث صاحبها وهناك نوع من البسمات هو
الابتسامة الكاذبة وتوصف هذه بأنها تلك الابتسامة التي تنم عن الحسد أو
الحقد أو التشفي دون حق مع المقابل.
والابتسام الذي يبقى ضمن حدود العقلانية محبذ
جداً بل ومطلوب في الظروف الاعتيادية وعلماء الطب ينصحون الناس
بالابتسام الذي يصل حتى درجة الضحك ويقولون بحسب تقديراتهم: (ان الضحك
يطيل العمر) نظراً لما يحدثه من اهتزاز في عضلات لا يمكن إحصاؤها في
الجسم ومنها عضلات القلب، إلا أن علماء الاجتماع ومجربي الحياة لا
يؤيدون التمادي بالضحك بأكثر مما يقتضيه الحال لأخذ مشاعر الآخرين بكل
اعتبار لذلك تراهم قد قالوا بحسب ما ينقله التراث العربي القديم من مثل
لغة: (إن كثرة الضحك من قلة الأدب).
والابتسامة من الناحية الفردية الاجتماعية تقوي
من أواصر الود والاحترام مع المقابل ومن نادرة الأمر بهذا المجال أن
تجارب نمائية تجري الآن على (أقراص للضحك) في إحدى المعامل المتخصصة
تحت إشراف الطبيب (جون فيكر) من جامعة بنسلفانيا بأمريكا الذي يعد دواءً
جديداً يجعل المرء عند تناوله يستمر في الضحك لعدة ساعات، والدواء هو
مجموعة من الأقراص تؤخذ على مرات متتالية فتجعل الإنسان في حالة من
النشوة والمزاجية الهادئة وتمده بقدرة غريبة على إطلاق الكلام الجميل
والتعليقات غير المتوقعة وإطلاق النكات ودون أي افتعال.
وهناك أناس كثيرون لا تتحرك مشاعرهم نحو مواقع
الابتسام بسهولة إلا ما ندر بسبب ظروف حياتهم والمؤثرات الحزينة تأتي
عاشوها في سابق أيامهم كما أن الصفات الوراثية لها دورها في أن يكون
الإنسان متقبلاً أكثر من غيره أم لا بالنسبة للابتسام أو الضحك أو
السخرية من هنا فإن العدد من الأصدقاء تتقوى رابطة الصداقة فيما بينهم
نتيجة لـ(ملاحظة) المبتسم معهم حيث يفضل مثل هذا النوع من البشر في
جلسات السمر والسهر حيث يكون نديماً للجميع في أي لقاء ودي، لذا يلاحظ
مثلاً أن صفة التجهم يكاد تكون مرسومة بصورة دائمة على وجوه بعض
الأشخاص وكأن البشرية جمعاء مدانة لهم بمبالغ كبيرة!! وهؤلاء الذين
يكون (الكرب) في حياتهم ثابتاً يحتاجون إلى علاج نفسي بصورة مؤكدة كي
تفتح لهم أبواب الأمل الجميل المطل على الجانب المشرق من الحياة.
وعن السخرية فالحديث يطول فالإنسان قد يضحك من
قلة عقل المقابل إذا كان غاشاً أو بخيلاً أو شنيعاً في بعض تصرفاته
وظاهرة رسوم الكاريكاتير تمثل إحدى أهم مظاهر النتاج الثقافي لمواجهة
منغصات الحياة وأتعابها إضافة إلى بعض المجالات الأدبية والفنية التي
تنقد سلوك الإنسان وتفكيره عند شطحاته الكبيرة أو الصغيرة. |