إن لحركة الاستعراب أي نقل المآل التراثي العربي
قديمه وحاضره إلى الأجانب أكثر من مدرسة إذ لوحظ أن في مجال الدراسات
العربية والإسلامية (العربية منها بالذات) قد كانت موضع اهتمام مدرسة
المستشرقين تارة وهي المدرسة الكلاسيكية إلا أن ظهور دراسات معاصرة قد
ميزت مدرستها بكونها تواكب دراسة الحضور العربي والإسلامي بآن واحد.
وبديهي فإذ لا ينكر على الباحثين الغربيين منهم
والشرقيين خطأ بعض تصوراتهم عن مكامن ومنطلقات الحضور التراثي في عموم
المنطقة العربية والإسلامية ولا أن ما يلاحظ أن حركة الاستعراب
الأجنبية لم تؤصل الكثير مما هو سائد في التراث الشرقي عموماً والعربي
والإسلامي خصوصاً وهذا يعني أن هناك تأخر مرحلي قد أصاب الجهود
الاستعرابية والذي بقي يلازم العديد من الطروحات لدى المستشرقين
والمستعربين، فمثلاً أن (الجدية) كظاهرة في التراث العربي والإسلامي
لها دلالاتها وتبعاتها ولها علاقة في دراسة مدى معرفة خطوط الشخصية
العربية أو الإسلامية لكن الغرب لم يحسم هذه الصفة – الجدية – وما
تعنيه من دفع لاستبيان الهوية العربية والإسلامية بكل ما تحمله من
أطياف.
ولحد الآن لا أحد يدري لماذا يهتم الغرب
ومستعربوه بقصص (ألف ليلة وليلة) مثلاً أكثر من غيرها مع أن التراث
المحلي العربي والإسلامي زاخر بنتاجات أكثر تأثيراً في تقويم الأنفاس
الحضارية. ومع أن دراسات الأجانب في الاستعراب لا يفضل أن تحتسب بمثابة
(مرجعية) أخيرة غير قابلة للنقد والتمحيص بسبب أن إغلاق باب الدراسات
لإغناء هذا الجانب من حركة الاستعراب العالمي سيكون فيها انكفاء على
الذات العربية والإسلامية.
يضاف لذلك أن جمهور المثقفين العرب والمسلمين لا
يتحسسون كثيراً من الدراسات التي تقرب إلى فهم الواقع العربي والإسلامي
وانعكاساته على عموم النتاج الثقافي الذي وصلنا الآن محتسبون إياه
كـ(تراث) باعتباره من النتاج القديم، وربما يكون لتأكيد الذات العربية
والإسلامية الفعل الذي شعر فيه المستعربون أنهم أمام عظمة التراث
العربي والإسلامي بما يجعل (من حيث المقارنة) التراث الغربي والأجنبي
عموماً في مهب الريح.
وتوضح أخبار نحركة الاستعراب الغربية مثلاً أن
مراكز لها قد أنشئت قديماً في الأديرة والكنائس ابتداء من حلول القرن
الثالث عشر والفترة التي فتح بها العرب المسلمون بلاد الأندلس إذ شكل
ذلك دافعاً لدراسة هوية الشخصية العربية والإسلامية بصفتها قامت (بدور
المحتل لبلادهم بحسب التعابير الوارد في أحاديثهم) وبذاك فقد كانت
لحركة الاستعراب ومعرفة أي شيء عن هذه الشخصية الآنفة فيها من الفائدة
ما كان يضمر لمعركة المستقبل.
وجدير بالإشارة إن دراسة المستعربين للتراث
العربي والإسلامي لم يجعل جميع هؤلاء معادون ثقافياً للعرب والمسلمون
بل أن العديد منهم قد تأثر بما كان يطالع في صفحات النتاج التراثي
العربي والإسلامي بعد أن صدموا بمبادئ الكرم والنخوة عند العرب
والإيمان بوحدانية الله والعدل في مبادئ المسلمين وأن ما حدث في وصول
العرب والمسلمون إلى بلاد الأندلس وغيرها من حيث الإعلان العام كان
لنشر الدعوة لدين سماوي هو الإسلام ومن هنا يمكن القول أن أول البذور
العملية للإخاء العربي والإسلامي والمسيحي قد نشأت بفاعلية اجتماعية
أدت الى شيوع من السلام النفسي بين المجتمعات التي تعتنق الإسلام
والمسيحية وعلى المستوى غير السياسي.
وأمام هذه المعطيات وجدت أرضية حركة الاستعراب
مساحات شاسعة لمعرفة الكثير والكثير عما حدث ويحدث في المشرق العربي
والإسلامي حيث مركز الخلافة الإسلامية التي كانت وكان في نتيجة ذلك أن
شهد القرن الثامن عشر أيضاً تاسيس مدرسة طليطلة للترجمة في أسبانيا مما
أتاح تكثيف أكبر بالاهتمام في الدراسات العربية والإسلامية وما ساعد
على ذلك في مرحلة لاحقة ظهور الطباعة التي ساعدت على طباعة الكتب
التراثية العربية والإسلامية المترجمة إلى اللغات الأجنبية وبأعداد
كبيرة أتاحت للجمهور الأجنبي الإطلاع الواسع على الحضور التراثي العربي
والإسلامي.
وحقيقة ينبغي عدم إغفالها وهي أن حركة الاستعراب
التي بدأت ناشطة بكل من أسبانيا وبريطانيا وفرنسا وهي البلدان التي
صدرت عنها الاستعماريات القديمة فبدأ التاريخ الاستعماري بالظهور
الباطل الذي تحكم بمصير وحياة ومستقبل العديد من المجتمعات حيث استفادت
تلك البلدان من معرفة نقاط الضعف في التوجهات المحلية في بلدان الشرق
العربي والإسلامي وما ساعد على ذلك أن عمليات اختراق بعض العرب
والمسلمون قد أدى ليؤدي هؤلاء مهمة تسهيل استعمار بلدانهم من قبل الغرب.
وفي العصر الراهن حيث العيش والمعايشة مع العديد
من الأفكار والطروحات التي لم تعد واحدة منها نائلة الرضى الجمايري
تماماص يمكن التلخيص أن المغامرة بالثبات على مضمار سلبي في تفسير
التراث العربي والإسلامي عند الغربيين في مجملهم وهو بحد ذاته المدون
ضمن النتاج القديم والموروث للأجيال المتعاقبة مازال موضوعاً ساخناً
رغم عدم الانتباه إليه من قبل الجهات العربية والإسلامية ومتابعته أول
بأول وهذا ما يمكن أن يضر بالأثر الاجتماعي والمستقبل العربي والإسلامي
أيضاً ما لم يتدارك أمر ذلك. |