أنطلقت الغاية السامية كي تكون كلمات القرآن
المجيد مكتوبة بما يتوافق تماماً بين تاصيل المكتوب ليوافق المنطوق.
وحتى لا تكون هناك زيادة أو نقصان فقد تخطت
العربية بصفتها اللغة الأعلى قدراً بين لغات العالم من حيث الاختيار
السماوي إذ أكرمها الله لتكون:
1- لغة القرآن وهو كتاب الله سبحانه وتعالى
المنزل من السماء.
2- لغة أهل الجنة حيث سينعم كل أهل الجنة مهما
كانت مللهم بالتكلم بها.
وعلى أساس من هذا كان ومازال اهتمام المسلمين في
تقييم لغة العرب لا لكونها عادية بل لكونها لغة خاتم الأديان الذي هو (الإسلام)
وما يمكن الإشارة له أن رسم الحروف العربية حتى لا تنال منها القراءات
المتعددة فقد بقيت في حالة مخاض دائم لتولد في كل مرة بشكل يوحي بأن
حروفها ينبغي أن تكون بمثابة لسان حال التعبير بأجمل الرسوم الهندسية
التي تدل على حرف مميز اشكل ليتميز عن الحرف الآخر وعلى أساس من هذا
التطلع المشروع لبناء لغة عربية، في جانب رسوم حروفها قد مرت الحروف
العربية بعدة أطوار.
فعلى عهد النبي محمد (ص) كانت الكتابة العربية
مقصورة على كتابتها بحروف غير منقطة أي أن الحروف العربية كانت حرة من
ناحية خلوها من أي نقاط ولعل التوثق من هذه الحقيقة اللغوية مثبتة في
حال الإطلاع على النسخ التي دون فيها القرآن الكريم بحروف وكلمات في
العهود الأولى للإسلام وكانت غير محتوية على نقاط.
وهناك عدة فرق لغوية تجيز فيه كتابة القرآن
الكريم على نمط معين من الحروف وأخرى لا تجيز ذلك فإذا كانت الحروف
عربية أو نابعة من أحد هندسات الخط العربي فالأمر من الناحية الحوارية،
العقلانية لا يؤيد وجود تزمت كبير عند قدامى اللغويين العرب والمسلمين
بيد أن القرآن الكريم قد وثق بأنواع عديدة من أنواع الخط العربي ومنها
بشكل بارز كتابته بحروف (الخط الكوفي) ولا تزال العديد من المتاحف
العربية والإسلامية تحتفظ بـ(نسخ) من القرآن الكريم وقد خطت حروفه
بالخط الكوفي الآنف.
ولعل في جواز إحداث تغيير علمي مطلوب على
الكتابة العربية كان رائداً لتتويج جهود اللغويين العرب والمسلمين
لتطور اللغة العربية وكتاباتها بعدة أشكال من الحروف العربية فمثلاً أن
القرآن الكريم قد دوّن بالحرف العثماني الذي تعتمده حتى الآن الكثير من
دور النشر والطباعة في نتاجاتها المطبوعة بحلل شقيبة للقرآن الكريم
ولكن طباعة القرآن الكريم ماتزال تعتمد بأحيان ليست قليلة على الأشكال
الأخرى من الحروف العربية ويفترض بهذا المجال أن يلاحظ أي نوع من
الحروف العربية الكتابية هو أنسب من حيث سهولة الكتابة بها أو قراءتها
بالعين المجردة إذ أن مثل هذا التوجه اللغوي العلمي يلائم التطلع من
أجل ازدهار أكبر لكتابة العربية التي يعتمدها القرآن الكريم في محتوى
نشره وانتشاره.
لقد حافظ القرآن الكريم على طباعته بالحروف
العربية وأخذت الحروف في أزمنة كثيرة يحتسب لها كونها حروف مقدسة
لكونها شكلت الخلفية الزمنية التي قرأ فيها العرب والمسلمون كتابهم
السماوي – القرآن الكريم – بحروف عربية صرفة.
وإن آية (لا يمسسه إلا المطهرون) قد نزلت وقرأها
الناس المسلمون بذات الحروف القرآنية التي دونت فيها كتابة الآية
الشريفة الآنفة وبقية السور والآيات القرآنية المباركة ومن هذا التقييم
الديني الإسلامي اكتسب القرآن الكريم صفة روحانية إضافية من حيث تقديس
حروفه وكتابته حتى ليكاد أن يصعب الفصل المعنوي بين الكتابة القرآنية
وحروف الكتابة العربية التي شكلت وعاء كتابة القرآن المجيد على مر
أزمنة عديدة ولعل في ظاهرة التصديق المعُلق عند المسلمين عموماً من كون
العربية هي لغة أهل الجنة مسألة لا تحتاج الى مراجعة بعد أن حدد لها
حالة التبشير رسول الإنسانية محمد (ص) حين أعرب بأن هوية اللغة السائدة
بين أهل الجنة هي التداول باللغة العربية فقط.
لقد كان الخط العربي في البداية خال من التشكيل
وبلا نقط ولعل أول ما طرأ بهذا المجال من تطور على كنه الحروف العربية
أنها اعتمدت في البدء أن (النقطة المدورة) إذا وضعت فوق الحرف كانت
تعني (الفتحة) وإذا ما وضعت تحته فتعني (الكسرة) أما إذا وضعت على يسار
الحرف فكانت تعني (الضمة).
وكان الكل من علماء اللغة العرب (يحيى بن يعمر)
من المغرب العربي و(نصر بن عاصم) من المشرق العربي الدور في رسم الحروف
العربية مع النقاط وبشكل مدروس ويعود لها الجهد اللغوي في وضع أعداد
النقاط التي تعتمد الآن في كتابة حروف اللغة العربية عموماً، ومما يجدر
ذكره أن الخط الكوفي بحد ذاته الذي بدأ بالانتشار أول الأمر بلا نقاط
قد اعتمد على تنقيط حروفه عندما أخذت ظاهرة توثيق النقط تأخذ مداها في
الكتابة العربية ومنها الكتابة القرآنية قبل ظهور عهد الطباعة. |