في صدى لما يحدث في العراق من قتل ودم يستخدم
الرسام العراقي الاصل عمران القيسي الوانا صادمة صارخة في رسوماته التي
تعرض في بيروت وكأنه يحاول ان يرفع صوته الى اعلى الطبقات وسط هذا
الضجيج الهائل.
ويعتمد القيسي طريقة تسييل الالوان معتمدا في
بعض الاحيان على مصادفة هذه الالوان وتزاوج الماء بالنار.
ويقول عن معرضه الذي يحمل عنوان "اصداء" ويستمر
الى يوم 24 ابريل نيسان الجاري "انني انعي الهدوء الذي كان واعلن صخب
العالم وفوضى الحواس وارتطام المشاة على ارصفة المدينة مع الجدران او
مع بعضهم والتصاق العمارات دون استقلالية لعمارة معينة."
واضاف القيسي لرويترز "عندما ننظر الى المدينة
لا نرى البناية بل نرى نظاما من الابنية كذلك بالنسبة لي حين تنظر الى
اللوحة لا ترى شكلا بل صراخا لونيا هائلا يكاد يدفعك الى اليقظة
الدائمة. ربما هي حالة تحفز وربما هي رعبي الداخلي وربما ارسم الان قاع
هزائمي."
ورغم انسلاخه عن عائلته في العراق الا انه لم
ينسلخ عن ارض الرافدين التي ولد فيها قبل نحو ستين عاما ولا عن حضارة
ذلك البلد المنهك الان جراء الحرب التي تخوضها قوات التحالف فيه.
وقال انه يصعب عليه العودة الى بلاده لانه يحمل
"رعبي ورعب الزمن لانني كلما حاولت ان اعود الى جذوري اجد اشلاء مقطعة
تنثر من بغداد الى بيروت فانا الخارج من العراق قبل 43 عاما لا املك
الان صورة عن بغداد الا صورة الفتى ابن العشرين عاما."
واشار الى انه لم ير اي فرد من افراد عائلته
طيلة 40 عاما "بل ان عائلتي في بيروت والتي اسستها منذ الستينيات هي
الجذور التي تحاول ان تنبت فوق الجذور القديمة. الا نلاحظ ان فنانا
يتملك ماضيا كالفطر ينحو فوق بعضه ويتعفن فوق بعضه ويموت فوق بعضه هو
الاجدر بان يطرح هذا العالم الصارخ فيما الصحراء التي لا حدود لها انها
الاحمر الناري والازرق الذي لا يشبه السماء والاصفر الذي سيصفر صمت
الموت. لوحتي لا تطرب بل ترعب."
وتقارب لوحات القيسي الاسطورة بما فيها من
ايحاءات ورموز وكتابات واشارات. ويشكل هذا المعرض الذي يقول القيسي انه
الثلاثين مرحلة جديدة من مراحله التشكيلية فهو يرتكز على اللون والمادة
وحدهما.
ويضع القيسي الموضوع خارج المعطى المادي لتشكيل
اللوحة غير ان التنويع في التلوين والتجريد لا يغيب الموضوع او يختزله
ولا يفلح ايضا في دفع الشعور بالملل لدى المتلقي وكأن صالة "زمان " في
بيروت كلها في حال من انعدام الوزن ونسمع همسات الزوار وشتات احاديث.
يقول أحدهم "هذه الرسومات كأنها لشعب مرجانية في
اعماق البحار او لحياة ما نارية على سطح كوكب ما." ويقول اخر "هذه
الاشكال هي لبراكين قد تقذف حممها في اية لحظة."
ويشرح عمران القيسي تجربته قائلا "هذا يعني ان
ارتطاما حقيقيا بالعصر الذي نعيشه بدأت احسه. الان نحن نعيش عصر التنوع
الماتريالي الذي ما ان يخترع اختراعا الا ويلغيه بمادة مناقضة بعد
هنيهة من الزمن. انه عصر اللاثوابت وهو عصر مرعب فيه الفلسفة بلا
فيلسوف والاختراع بلا مخترع والاقتصاد بلا قطب."
سئل القيسي عن سبب هذا الطوفان اللوني في المسطح
التصويري الجديد الذي يتلبس حتى الاطار وحاول ان يجيب عليه امام نفسه
وامام الاخرين قائلا "انا قررت ان اسقط الحدود وبمعنى ادق قررت ان اعلن
ان لا حدود لهزائمي. هذا هو السر الذي يدفعني الى ان الون حتى الحائط
الذي تعلق عليه اللوحة وليس اطار اللوحة. اتمنى لو استطيع ان الون وجوه
الذين يشاهدون لوحتي ايضا."
وتتنوع تقنية لوحات القيسي الاربعة والاربعين
المعروضة بين الحبر الصيني والزيت والكحل والاكليريك والجواش والالوان
السيراميك على بورسلين فضلا عن مواد متنوعة على ورق خاص.
ويضمن القيسي التجريب والتجريد في رؤيته الفنية
الخاصة وفي دراما في طريقة صياغة الالوان وتكوين اللوحات وكسر ما يسمى
الهندسة الخارجية للاشكال. ولهذا تتدفق الالوان في كل اتجاه في معرضه
حتى تبدو وكأن لوحته تعاني نزيفا داخليا وخارجيا.
وقال القيسي "هناك اعمال نفذتها على المسطح
السيراميكي بالوان مخلوطة من الوان الموزاييك والوان الموبيل كولور
والالوان الزيتية وبعض الزيوت النباتية. ووضعتها في فرن حراري متوسط
الحرارة. انها تقنية خاصة بي واهميتها انها تذهب الى النار وتستغل
نتاجاته.
"اكتشفت ان هذه الحرارة لديها قابلية لتغيير
اللون ودفعه الى التجوهر بحيث تصير الالوان مفاجأة بصرية لي كرسام
وللمتلقي حتى انني لم اعد استغرب لماذا كل هذا الجمال الخالد للفن
القاشاني الشرقي فنحن ابناء حضارة النار." |