عن الباري جل شأنه وعلىّ مكانه في محكم كتابه:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن إن ربك هو أعلم بمن ظل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين..)
يشهد الواقع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً أن النظرة
الشرعية والدينية للأمور والمشكلات تتصف بالعمق والجذرية وليس من
صفاتها السطحية العابرة، فهي تعبر إلى أساس المشكلة ومن ثم تبدأ
بالمعالجة الجذرية للخلل من أساسه إلى حيث لا عودة.
من ينصب اهتمام الدين إلى إصلاح الأفراد أخلاقياً
أو كما يقال: الثورة الأخلاقية هي وراء كل ثورة، إذ لم يعرف التاريخ
ثورة سياسية أو اقتصادية أو تحريرية إلا وكان ورائها منظومة متكاملة
للأخلاق.
وإذا كان الخطاب الديني يستهدف بالدرجة الأولى
إيصال الدين بمضامينه العالية وتعاليمه السامية كمادة مؤثرة ومقبولة
على مستوى قناعات الفرد ومسلكيته في الوقت نفسه، فلا بد من الاهتمام
بطريقة عرضه وإعلانه كما هو أوامر الدين نفسه بالحكمة والموعظة الحسنة
والتي تشمل المعاصرة والإبداع فيها أيضاً ومنها هاتان النقطتان:
الأولى: المعاصرة الزمانية والمكانية في المضمون
الديني، بمعنى أن تكون الأولوية للمواضيع التي تمثل حاجات معرفية
للإنسان، سواء بالنسبة للقناعة كما هو عالم العقائد أو بالنسبة للسلوك
كما هو عالم الأخلاق أو على مستوى الفكر في صياغة المفاهيم الإسلامية
العامة. وذلك سيساهم في إذكاء الشعور بأن الدين يواكب الحياة. وقادر
على الحضور في كل المواضيع التي تهم المكلف، لأن أي إشكالية تطرأ في
الذهن العام لا يجد لها جواباً شافياً في الخطاب الديني قد يفسح في
المجال أمام خيارات أخرى غير دينية تملك بريقاً أخاذاً ومعاصرة جذابة.
أو الانعزال والانقطاع عن الواقع في محاولة منه للحفاظ على دينه
والتزامه وهو غير صحيح كما في صريح الروايات.
الثانية: المعاصرة والتحديث في اسلوب طرح
المضمون الديني، وذلك لأن الإنسان ليس واحداً في كل زمان ومكان، من حيث
المؤثرات النفسية والفكرية والثقافية. حيث أن لكل عصر ثقافته التي
تنسحب على نمط الحياة عموماً، فإن من الضروري إتباع أساليب التدرج في
إيصال الفكرة والمرحلية في تطبيقها، كما أن من غير المنهجي أن يتم
الخلط بين السلبيات الناجمة عن تطبيق الأحكام ليتم اللجوء الى التحريم
المطلق، كما يحدث بالنسبة لعالم الانترنيت وغيرها من الوسائل والمجالات
التي يمكن استخدامها للحق والباطل.
لأن التحريم المطلق سيضيق الدائرة على المكلف من
دون حجة شرعية، ما قد يدفع المكلف الى ممارسته باعتقاد أنه حرام تحت
ضغط الحاجة الواقعية، ويفسح في المجال لممارسة الحرام الذي ثبتت حرمته
فعلاً، لأن خط الدفاع النفسي أمام ممارسة الحرام قد سقط.
إنصافاً ليس كل ما يتعلق بالدين رجعي ومتخلف
ويستحق الهجوم بلا هوادة، بل عروض الدين واساليبه من أرقى أنواع
المعاصرة في الخطاب لكل زمان ومكان بل الدين دائماً يدعو إلى التجديد
والإبداع ومخاطبة الناس على قدر عقولهم ولكن الكلام للذي هو أهله بأن
يتبع الأساليب الحديثة لتقديم تعاليم الدين، فلا يخفى أهمية اسلوب
الخطاب في تقبل وعدم تقبل المخاطب له حتى لو كان المضمون على درجة
كبيرة من الأهمية والمعاصرة.
وهذا يتطلب الجهد والتجديد في العرض والتقديم
والتغيير في الذهنيات إلى الانفتاح والمعاصرة ومواكبة الحداثة لضمان
النتاج الديني وأداء الواجب. |