في طرح الأفكار تقف غاية الإقناع بها ضمن
الأولويات وبهذا الصدد هناك محطات مرت على الفكر الإنساني الذي أكدت
عليه معظم الأطروحات الروحية والمادية ومن أجل تسييد بعض الأفكار بين
الناس دفعت البشرية قوافل من شهداء الحق كما وراح ضحية الأفكار الناقصة
العديد من الجهال حتى كادت في بعض مراحل التاريخ لم تعرف درجة
المصداقية لدى العديد من المختلفين في النظرة أو الموقف أو من كليهما
معاً!
فقد كانت قضية اعتناق الفكر الجديد (أي فكر)
تجابه بعوائق مع أن معتنقوها يظنون أنهم يساهمون بجد من أجل خدمة
البشرية والوصول بها الى مراحل اجتماعية فاضلة ومع تنوع أطروحات الفكر
كان هناك الفكر السياسي والفكر التربوي والفكر الاقتصادي والفكر
العسكري وكذلك الفكر السايكولوجي أو (النفسي) حتى أمكن بصورة عامة
تقسيم الأطروحات الفكرية الى نوعين الأول يتعلق بالفكر الديني ومنه
الفكر الإسلامي باعتباره فكر سماوي وما دونه من أنواع الفكر الأخرى ما
سمي بالفكر الوصفي وظاهرة تعدد أطروحات الفكر هي التي كان لها دوراً
واسعاً في النشر على الرأي العام العالمي إبان مرحلة القرن العشرين
المنصرم.
وظن المثقفون أن نظرية البقاء للاصلح لا بد وأن
تؤدي بنجاح أطروحة على أخرى إذ ليس من المعقول في تصورهم أن تسير
الأمور بتوالي مراحل التاريخ سنين وراء سنين دون أن يكون هناك حسم
لصالح نظرية ما إلا أن ما كانت وماتزال تطل به سياسات القوة وفروضها قد
جعلت العديد من الأفكار تعيش حالة اضمحلال عملي وتحييد العديد من هم من
حملة لواء الفكر حتى قيل أن لا كمال في النهوج السياسية وأن خصوصيات ما
تعرف به المدارس الفكرية هي في حالة تعريف خالٍ من تلك المواقف التي
كانت يوماً تتحدث بها النظريات الأخرى.
فبعد أن تعرض الطموح الإنساني الى طعنات عديدة
أحياناً في العديد من المجتمعات التي كانت تعتقد أن مبادئ الـ(نحن) يجب
أن تفضل على مبادئ الـ(أنا) كانت شعارات أخرى تطرح لتتفاعل مع مستجدات
أخرى تحظى بالتأييد أو الرفض فغدت الاجتهادات بين (الخاص) و(العام)
تستقرئ بصور أخرى مغايرة لما كانت قد ثبتته في إعلاناتها الأول
فـ(مسألة تحرير الأرض) على سبيل المثال قد ركنت وأخذ حال تسطيح العديد
من المبادئ يأخذ شكلاً مخيفاً ففي إحدى البلدان الأفريقية خرجت
الجماهير التي أصابها اليأس ممن يدعي التحرر لترفع لافتات وتهتف لعودة
الاستعمار وكانت تلك أشنع ما يمكن أن تعبر عنه ظاهرة التخلف في الجانب
المعرفي بالسياسات المعاصرة.
وضمن مخاض ما تشهده حالة الصراع بين الأفكار فإن
كل فكر يحتاج الى رجال مخلصين كي يحاولوا أولاً بالأساليب السلمية
والديمقراطية للفوز بالوصول الى مسك الزمام الأدبي والعملي في البلد
الذي هم فيه.
ولما كان الإسلام بسمات القوة في فكره السماوي
يمتاز بكونه دين غير وضعي فهذا ما جعله محط أنظار أعداء الإسلام
والمسلمون المخلصون في غير السياسين الذين لا يعتبرون أنفسهم شهود على
المرحلة الحالية ويغضوا النظر عن الكثير مما يحدث من مآسي تطال
مجتمعاتهم من الحق أن تثار أطواق الريبة حول سكوتهم متى وأين ما حدث
إذا المطلوب منهم وبكل اساليب الديمقراطية أن يطرحوا وجهات نظرهم عما
يحدث على البلدان النامية ومنها الإسلامية من مشاريع ربما تؤدي بههلة
السيادة فيها.
وأن المنطلق الذي ينبغي التمسك به هو أن الإسلام
دين حضاري ولا يقر استعمال العنف إلا في حالة الدفاع عن النفس أو
المصير ومن هنا فإن غلبة اعتناق الإسلام كدين سماوي له ميزة قرب
المعتنق لأيديولوجية أنه على تواصل روحي مع رب الكون الله سبحانه
وتعالى وليس مع واضع لنظرية وضعية ضمن نظرية سياسية لا يعرف حقيقتها في
المحصلة النهائية التي تريد أن تسود بهذا البلد أو ذاك، فعلاقة الإنسان
(وبالفطرة) مع الرب العلي الجليل هي أقوى وأكثر مضاءً بطبيعة الحال من
أي علاقة له مع إنسان آخر مثله.
إن الفكر الفلسفي الوضعي الآن بقدر ما تمثله
واجهات – مجرد واجهات – يقف على هامش الطروحات العقلانية والضميرية إذ
يبقى ذو سمات ضعيفة إلا أن الدعوات لمبادئ مثل الخير والعدل والمساواة
الإنسانية ممكن أن تكون نقاط التقاء إيجابية مع الفكر الديني والإسلامي
بالذات الذي نبع لتعميم هذه المبادئ السامية قبل أن يزج الإنسان عبرها
إلى أي مشروع فكري قد يبعد الإنسان عن إنسانيته إذا ما ساير فلسفة
متقلبة الأهداف وخصوصاً تلك الفلسفات التي تسمي (تقلباتها) المريبة
بمقتضيات المرحلة التاريخية. |