حين يصرّح العراقيون أن فضائيات عربية تجدّ في
زعزعة الأمن في العراق، فليس ذلك إلا لأن تلك الفضائيات فعلا تصر على
دفع الأمور باتجاه الصدام غير المتكافئ مع القوات الدولية، الأمر
الذي يعني الانتحار الجماعي وتخريب ما سلم من بنية العراق التحتية من
الحروب السابقة التي خاضها صدام وسط تمجيد ومباركة نفس تلك الفضائيات
قبل سقوطه المدوي في العام الماضي.
لا أحد في العراق يقبل عن رضا بالاحتلال، ولكن
حين نقارن الواقع بالمجهول الذي تدعونا إليه الفضائيات العربية أو
بعضها فلا يمكن لعاقل إلا أن يختار أهون الشرين..الاحتلال يتنافى
والسيادة وهو كذلك لا يلبي طموحات العراقيين ولا يوفر لهم الضمانات
التي يريدونها لمستقبل أفضل، هذا كله صحيح ولكن حين نحدق بأفق يصنعه
الانفعال فلا يمكننا إلا أن نراجع أنفسنا ألف مرة قبل أن نتحرك
باتجاه المطالبة المسلحة بخروج الاحتلال.
الشعب العراقي ينتظر كل شهر أن يستلم
غذاءه عن طريق البطاقة التموينية، وهو ما زال يعاني من انقطاع التيار
الكهربائي لفترات يومياً، كما إنه يعاني من فقدان الأمن بسبب مجهولين
يزرعون المتفجرات والعبوات الناسفة على الطرق وبين المنازل، وبسبب
إطلاقهم الصواريخ والقذائف بصورة عشوائية على منازل المواطنين.
والشعب العراقي أيضاً يعيش فراغاً في السلطة
لأن مؤسساته الأمنية لم تتمكن من فرض سيطرتها على الشارع العراقي
لأسباب كثيرة.
كما أن العراق مدين بأكثر من مائة مليار دولار
للدول الأخرى ويعاني قطاعه النفطي من مشاكل فنية ومشاكل تتعلق بأمن
التصدير حيث يغير (المقاومون) بين فترة وأخرى على أنابيب النفط
فيفجرونها ويشعلون النار فيها ملحقين أفدح الأضرار بالاقتصاد العراقي
المنهك أساساً .
هذه بعض مشاكل العراق التي لا تعد ولا تحصى،
فلو تصورنا أن قوات التحالف أو الاحتلال حسبما يحب البعض لملمت
أغراضها ورحلت عن العراق، فكيف سيكون حاله يا ترى؟
من يحفظ الأمن واللصوص يتحينون الفرص لينصبوا
سيطرات التسليب وسط المدن كما حصل في كربلاء خلال الأيام القليلة
الماضية؟
من يوفر غذاء المواطنين من سيدفع رواتب
الموظفين ومن سيدير المنشآت الخدمية. وأي جهة ستتسلم السلطة؟
وهل سيحصل توافق على جهة بعينها ونحن لم نرض
على مجلس الحكم الذي فيه أناس شرفاء قضوا خيرة سنواتهم في خنادق
الجهاد والدفاع عن حقوق الشعب العراقي.
ولو افترضنا أن إحدى الميليشيات المسلحة قد
سيطرت على السلطة فهل هي قادرة على إدارة شؤون بلد ونحن نرى أن هذه
الميليشيات لا تملك خطاباً سياسياً وليس لديها أي مشروع سياسي، بل هي
تحاول قيادة البلاد إلى الفوضى والتطرف وقتل الآخر السياسي والديني
والقومي.وقد رأى العالم كيف اختطف هؤلاء عدد من الرهائن الأبرياء
وأرعبوهم وسط التهديد بقتلهم بالسيف وكما فعل فدائيو صدام من قبل
حين قطعوا رؤوس الآلاف من ضحاياهم أمام الناس وبين الجدران !
نحن لا نريد الاحتلال نعم. ولكن في ذات الوقت
لا نريد أن يقودنا متطرفون لا يعرفون سوى لغة القتل والإحراق وقطع
الرؤوس بالسيف.
فليكف عنا الإعلام العربي إذن، لأن من حركهم
مؤخراً لا يمثلون واحد بالمائة من العراقيين، وإن حاول أن يصورهم
بأنهم أكثرية الشعب العراقي.
وقد رفضهم الشارع ونبذهم وسادت حالة من التذمر
أوساط العراقيين الذين يعيشون عشرات المشاكل يومياً بسبب التركة
الثقيلة من الهموم التي خلفها نظام صدام.
كما أن عموم العراقيين يرون أن ليس من الإنصاف
على الإطلاق أن يدعوهم الإعلام العربي إلى الثورة على أمريكا تلبية
لأغراض بعض الأنظمة العربية وخدمة لأهداف الآخرين في زمان
ومكان لا يناسبانهم على الإطلاق، فهم يدركون أنهم ليسوا مشاريع
جاهزة للدفاع عن الآخرين.
|