الدستور
العراقي ملف مفتوح بانتظار أن يحسم بانتخاب جمعية وطنية تؤسس لما بعد
المرحلة الانتقالية..
فحتى ذلك الحين إذن يبقى هذا
الملف ساخناً وموضوعاً للقاءات ومقالات ودراسات عديدة...
النبأ التقت سماحة آية الله
السيد هادي المدرسي..
رجل الدين المعروف بمؤلفاته
وآرائه الدينية والاجتماعية والفلسفية..
تحدث السيد هادي المدرسي عن
تشكيل مجلس شيعي أعلى يمثل الشيعة في مختلف أنحاء العالم.. وشن هجوماً
على الدستور..كما أكد على عدم إمكانية محاصرة الشعب العراقي مرة أخرى..
هذه الأفكار وأفكار أخرى في
اللقاء التالي..
*أثار الدستور العراقي المؤقت جدلاً
واسعاً في الأوساط العراقية..البعض يراه غاية الطموح،ويراه بعض آخر لا
يتناسب مع ما قدمه العراقيون من تضحيات،فكيف يراه سماحة السيد هادي
المدرسي؟
** هذا الدستور لا يمثل أي طموح من طموحات الشعب
العراقي، وفي نظرنا فإنه يمثل حق ألغام ولا يؤدي إلى استقرار
العراق..وذلك لعدة أسباب أساسية، فالمعمول به في دول العالم، سيما بعد
سقوط أنظمة استبدادية، هو قيام الحكومات المؤقتة بالتهيئة لأمر أساسي،
وهو قيام انتخابات حرة ومستقيمة لتأسيس دولة جديدة. ولكن تجاوز هذا
الحد إلى مستوى وضع دستور، فهذا ليس من مهمة الحكومة المؤقتة.
الأمر الأخر هو أن هذا الدستور يتجاهل أصول
الديمقراطية، فالأصل الأول في الديمقراطية هو سلطة الشعب، فإذا لم تكن
هنالك سلطة للشعب وإن كنا قد تحدثنا باسم الشعب، فمجرد الحديث باسم
الشعب، والإدعاء بأن هنالك جهة أو أفراد معينين يمثلون كل الشعب
العراقي فإن الإدعاء لا يغير من الواقع شيء.
إذن سلطة الشعب ألغيت في هذا الدستور.
الأمر الثالث: في العالم الثالث ونحن جزء منه الشيء
المؤقت غالباً ما يصبح دائماً، وهذا الدستور بشكله الحالي قد يؤدي إلى
تقسيم العراق، وليس إلى وحدته ولا إلى استقراره، لأنه يعطي لعشرة
بالمئة من أبناء العراق الحق بالتحكم في مصير تسعين بالمئة، ولم نجد
حتى في جزر (الواق واق) أن ديمقراطية تعطي الحق للأقلية على حساب
الأكثرية، فمن أصول الديمقراطية هو حق الأكثرية، حتى لو كان بمقدار
واحد بالمئة، فكيف نلغي إرادة تسعين بالمئة من العراقيين لمصلحة عشرة
بالمئة كما مثبت في البند (ج) من المادة 61.
أن هذا الدستور لا يحقق أي شيء من طموحات العراقيين
لذلك لم نر مظاهر فرحة وتأييد لهذا الدستور المؤقت، بل رأينا مظاهرات
رفض وتنديد في أغلب المدن العراقية، باستثناء بعض المدن التي استفادت
من بعض فقرات الدستور.
*البعض
يفصل مجلس الحكم على الطريقة الطائفية، فلو استعرنا بعض مصطلحات هذا
التفصيل وقلنا أن الكتلة الشيعية فيه قد تحفظت على الدستور قبيل
التوقيع النهائي عليه، في وقت كان يفترض أنهم ناقشوه مع الآخرين.. كيف
تفسرون تحفظ اللحظات الأخيرة هذا، وكيف تفسرون عودة المتحفظين على
التوقيع على ذات الدستور بعد يومين من تحفظهم؟
** هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الذين وقعوا ثم
تحفظوا، ففي الدرجة الأولى هم الذين يجب أن يجيبوا على هذا التساؤل،
ولكن أقول أنهم أوقعوا أنفسهم في حرج شديد، فالذي لديه تحفظ كان يجب أن
لا يوقع..أو حينما يوقع يسجل تحفظه فيقول مثلاً أنني أوافق على خمسين
أو ستين مادة، ولكنني لا أوافق على كذا مادة.
أظن إذن أنهم ولسبب أو لآخر وقعوا ثم عرفوا أن
الشارع العراقي اكتشف أن هنالك خللا في هذا الدستور وسيرفضه، لذلك
أبدوا تحفظهم من باب رفع العتب لا أكثر!
*هناك مخاوف حقيقية في أوساط شيعة
العراق من أنهم سيكونون عرضة لمصادرة الحقوق وكما حصل في
السابق..والتجربة الشيعية مع أنظمة الحكم مليئة بما يعزز هذه
المخاوف..مخاوف الشيعة هذه ليست تجاه أخوتهم من الأطياف العراقية
الأخرى، ولكن لو صح التعبير أنها مخاوف سياسية، أنتم كمرجعيات دينية
ورجال دين كيف تتعاملون مع هذه المخاوف وكيف تطمنون الشارع الشيعي إلى
أنه لن يهضم ثانية، وما هي خططكم في هذا الاتجاه؟
** هناك ثلاثة مبادئ أساسية لا بد من التنويه إليها
كلما جرى الحديث عن حقوق طائفة أو جماعة أو شعب أو وطن.
المبدأ الأول أن الحق يؤخذ ولا يعطى، وانتظار
الآخرين تقديم حقوقنا إلينا على طبق من ذهب، هو انتظار باطل.
المبدأ الثاني،هو أن المسؤولية مشتركة فلا نستطيع
أن نقول أن العلماء وحدهم مسؤولون ولا الشعب وحده هو المسؤول.
المسؤولية في تحقيق الحقوق ومنع الظلم هي مسؤولية
مشتركة تقع على عاتق أدنى الناس وأعلاهم..
العلماء وعامة الناس والنخبة والمثقفين..الخ كلهم
مسؤولون في المطالبة بحقوقهم.
لنفترض أن حكومة ما في دولة يمتلك فيها الناس وعياً
عالياً، رفعت سعر الخبز بمقدار عدة سنتات بخلاف إرادة الشعب.. ستجد أن
الشوارع امتلأت بالمتظاهرين وسيسقطون تلك الحكومة التي تعمل بخلاف
مصلحة الشعب..نحن بحاجة إلى أن نرفع مستوى وعي الناس، والطريق أمامنا
طويل للحصول على حقوقنا كاملة أو على أقل التقادير بمقدار ما يرضى به
أبناء الشعب..الطريق طويل كما قلت لك ولكن الوعي بما لنا وما علينا
وكيف نسترد حقوقنا مسألة مهمة في تحقيق الحقوق.
المسألة الأخرى، هناك جهود بذلت لتنسيق المواقف،
فأنا من الأشخاص الذين دعوا إلى تشكيل مجلس أعلى للفقهاء ومراجع
التقليد ولو بالحد الأدنى من المشاورة والمشاركة والتعاون، ليس فقط على
مستوى العراق وإنما على مستوى العالم الشيعي، فهناك اليوك أكثر من
ثلاثمائة مليون يدينون بالولاء لمذهب أهل البيت(ع)..فلو افترضنا أن كل
عشرة ملايين لهم الحق في إقامة دولة، فمعنى ذلك لابد أن تكون لنا
ثلاثون دولة.
نحن في العراق أكثرية ومع ذلك هناك محاولات لهضم
حقوق هذه الطائفة دعونا إلى مجلس أعلى وقمنا بتأسيس رابطة لعلماء الدين
في العراق والذي يضم مختلف التيارات وعقدنا المؤتمر الأول في بغداد في
فندق فلسطين وحضره ثلاثمائة وخمسون شخصية علمائية من مختلف التيارات
والمدن العراقية.
*بالعودة إلى موضوع الدستور اسمحوا
لنا بالتساؤل عن الدور المطلوب للخروج من مأزق الدستور المؤقت؟
** كما قلت الطريق أمامنا طويل، هنالك انتخابات
ستجري لانتخاب مجلس وطني، وذلك الدستور سيضع دستوراً عراقياً ومن ثم
ستنبثق حكومة حرة.
يجب السعي لتكون تلك الانتخابات حرة وسليمة ونزيهة
وفي وقتها..
*ولكن هناك فقرات نص عليها الدستور
المؤقت ذات صفة متعدية، بمعنى أنها ستؤثر في وضع الدستور الدائم.
** الدساتير ليست آيات الوحي، وحتى آيات الوحي قد
تم تجاوزها في هذا الدستور، حيث رفضوا الـ(ألف واللام) حين نصوا على أن
يكون مصدرا من بين مصادر أخرى، وليس المصدر الرئيس فيه.
على أية حال إذا كان باستطاعة جماعة أن يجاوزوا
الإسلام أو يحاولون تجاوز الوحي والقرآن في بلد مثل العراق، فإن
باستطاعة الشعب العراقي تجاوز هذا الدستور ورميه حيث يستحقه.
المهم أن هنالك عمل كثير ممكن أن يُعمل، فإذا كان
في عهد صدام حسين، وأربع وثلاثين عاماً من الديكتاتورية والقوانين التي
أصدروها وفرامين، ومع ذلك تجد العراقيين قد تجاوزوها ورفضوها، باستطاعة
الشعب العراقيين إذن أن يتجاوزوا هذا الدستور.
نعم هم وضعوا هذا الدستور بهذا الشكل لكي يقيدوا
الدستور الدائم للعراق، ولكي يكبلوا الشعب العراقي ولكن باستطاعة
العراقيين لو أرادوا أن يخرجوا من هذه الشرنقة، وأنا أعتقد أن أكثرية
الشعب العراقي الذين يتبعون مذهب أهل البيت يمثلون مارداً خرج من
القمقم ولا يمكن إعادته إليه مرة أخرى. |