تضمنت دراسة لدور المثقف العربي، وخاصة في ظل
استحقاقات لا بد من مراجعتها والتوقف عندها يؤسس للخلوص من الواقع
الراهن الذي بات بين قوسين أو أدنى من الأزمة الشاملة لتطيع بكل ما تم
التبشير به... حيث أشارت إلى ما أن يمر العرب بكارثة سياسية – اجتماعية
أو أزمة خانقة حتى يهاب بالمثقفين أن يجدوا طريق الخلاص، ودلالة ذلك أن
الإنسان العربي مازال يحتفظ للمثقف بدور مهم في الحياة كما أن هيبة
المثقف مازالت حاضرة في الوعي. أما الدلالة الأخرى فتقوم في أن الإنسان
العربي وهو يرى العجز السياسي يسعى لتعويض هذا العجز بنشاط المثقف،
بالفكر الذي يتجاوز الواقع، علّ المفكر يتحول إلى أداة فاعلة في
التغيير، وبالمقابل فإن المثقف العربي العضوي والمنتمي إلى هموم كلية
سرعان ما يشهر قلمه في وجه الواقع المعيشي، رافضاً ومحللاً وداعياً
وراسماً للمستقبل لكن المشكلة أو المعضلة التي نعيشها تكمن في أن
المثقف يظل مغترباً في عالم راكد. فليست الأفكار الصحيحة هي التي تصنع
التاريخ، الأفكار تسهم في صناعة التاريخ إذا تحولت إلى فعل سياسي، وإلا
ظلت الأفكار تحوم فوق رؤوسنا وعندها لا تجد إرادة فاعلة تحولها إلى
واقع تتعب من الطيران وتحط على الأرض منهكة أو ميتة، وهذا هو السبب
الذي يوحي للبعض بهامشية دور المثقف في حياتنا إلى الحد الذي يصل البعض
فيه إلى إلقاء اللائمة عليه بما نحن عليه من حال إذا المشكلة في علاقة
الثقافي بالسياسي في تحول الممارسة الثقافية إلى ممارسة سياسية، ففي
جانب السلطة السياسية هناك طلاق بين النخبة الثقافية والنخبة السياسية،
إذا جاز لنا أن نسمي رجالات السلطة بالنخب، ومصدر هذا الطلاق كامن في
تصورين للعالم: أحدهم يريد أن يبقي العالم كما هو حفاظاً على سلطته،
وهو تصور السياسي الرسمي، والآخر يطرح تجاوز العالم أملاً بالمستقبل
أرقى وأقوى وأزهى وهو تصور المثقف العضوي.
لا شك أن السلطة تحتاج إلى مدافع مثقف يدافع
عنها، ولهذا تعوّل على صنف من المثقفين الأيدلوجيين الذين يبررون كل
ممارسات السلطة القمعية، حال كهذه يجب أن لا يكون مبرراً لفروق المثقف
العضوي عن ممارسة دوره وتحرره الثقافي وتوظيف معرفته لفرض العالم
المعيشي، فنحن لا ندري متى تنهض الأفكار لتتحول إلى سلاح بيد البشر.
وقد يطرح البعض فكرة المصالحة بين السياسي والمثقف، أو بين رجال
السياسة ورجال الثقافة فهل هذه المصالحة ممكنة؟ إن المصالحة المطلقة
بين هذين الطرفين غير ممكنة إطلاقاً، لكن حداً من المصالحة ضروري وممكن
جداً في إشارة إلى أن شروط المصالحة الآن غير قائمة بسبب أن النخبة
السياسية غير ديمقراطية ولا تعترف بأهمية نشاط المثقف ومعرفته في
الحياة وبخاصة في الحياة السياسية، وبالتالي لا تعول على المعرفة كأساس
للسياسة ثم يجب أن يكون هناك هموماً وطنية مشتركة بحيث يتوحد العقل
السياسي مع العقل الثقافي، أو أن يكون للسلطة مشروع وطني قومي يتجند له
المثقف الوطني للدفاع عنه، كما تجند له باقي فئات الشعب، فالمبادرة إذاً
هي بيد السياسي قبل كل شيء، لأن نشاط المثقف حاجز بمعزل عن السياسي،
فمراكز الأبحاث التي تعج بها اليوم ساحتنا الثقافية وتنتج زاداً من
الفكر السياسي مرتبطاً بمشكلاتنا الكبرى ولا يكترث بها السياسي في
الغالب، إن لم نقل أنه لا يكترث بها البتة، فرجل السلطة يفتقد مكتفياً
بعبقريته الفذة، أنه قادر على مواجهة الواقع دون مساهمة من أحد، أو دون
مثل مراكز الأبحاث المدنية؟ ولأهمية موضوع اندراج المثقفين في الحياة
السياسية عبر تكوين تجمعات ثقافية محلية أو عربية، بحيث تتحول هذه
التجمعات إلى أدوات ضغط، فمنتجو الأفكار وهم يشكلون مثل هذه التجمعات
الحرة ويقيمون المؤثرات والندوات ويصدرون البيانات يتحولون إلى قوة
جمعية مؤشرة قد يقف خلفها جمهور من البشر، وعندما يرون شجاعة المثقف ذي
الهيبة، سيصابون بالعدوى وعندها قد يتحولون هم الآخرون إلى إرادات
فاعلة لا سامعة ولا متفرجة. |