الدستور العراقي أعد خلف الكواليس
المغلقة وهناك مشاريع أخرى تحاك الآن، تتعلق بمجلس الرئاسة وسواه..
كل هذا والشعب العراقي مبعد تماماً
عن العملية السياسية..
ومن أجل التعريف بآراء العراقيين
حول حاضر ومستقبل بلادهم، تلتقي المشاركة من وقت لآخر شخصية من
الشخصيات السياسية أو الدينية أو الثقافية العراقية..
في هذا العدد التقينا السيد أبي
مرقال المطيري الأمين العام لمنظمة العمل الإسلامي فكان هذا الحوار
الصريح..
*كيف تقيمون في منظمة العمل
دستور المرحلة الانتقالية... وأينكم مما أثير حوله من اعتراضات وتحفظات؟؟
*المطلع على البيان الختامي لمؤتمر لندن الذي عقد
قبل الإطاحة بنظام صدام حسين يجد أن أكثر الفقرات التي وردت في الدستور
المؤقت اتخذت من ذاك المؤتمر..وبناء على ذلك فلا يمكننا أن نسمي ما
كُتب دستوراً، إنما هو مجموعة شعارات سياسية مطروحة في الساحة،ولكن
يمكنني أن أقول أن 50 بالمائة من هذا الدستور جيد والباقي عكس ذلك.
الدستور العراقي المؤقت يؤكد على فواصل لم تكن
موجودة في واقع الشعب العراقي، فالعراقيون متحابون متآلفون، ولم يكن
هناك فرق بين سني أو شيعي، ولم توجد فوارق بين القوميات والأقليات
الأخرى، ولكن هذا الدستور يزيد الهوة الطائفية بين العراقيين.
نحن نرى من حولنا كيف عجزت الدول العربية عن أن
تكون موحدة ومتفقة، لأن نظام رسم الحدود بينها يحمل بين طياته مجموعة
ألغام قابلة للانفجار في أي لحظة... الدستور المؤقت حمل لنا أيضاً جملة
من الألغام القابلة للانفجار، وهي تشكل حجر عثرة لإتلاف العراق ووحدته،
لذلك نحن لسنا مع هذا الدستور، فنحن نخشى أن تتطور الأحداث نحو الحالة
السلبية فتكون هناك حرب طائفية وهو ما يعني تدمير العراق..
*أنتم ترون أن مجلس الحكم
والدستور العراقي يكرسان الطائفية، ولكن ربما يرى غيركم أن مجلس الحكم
هذا هو مرآة تعكس ألوان الشعب العراقي، فلابد إذن أن يكون فيه السني
والشيعي والمسيحي ، مثلما فيه الكردي والعربي والتركماني..وجود هذه
الأطياف فيه يراها آخرون سمة عافية وليست علامة مرض، فما هو تعليقكم؟
*ليس لدي اعتراض على تلون الشارع العراقي، فنحن
نحترم الجميع ، فنحن نحترم الكرد ولنا علاقة نضالية قوية معهم، وأيضاً
علاقتنا طيبة مع الأخوة السنة والمسيحيين وغيرهم من الطوائف والحركات
والأحزاب السياسية الموجودة في الساحة.
هذا التلون حالة صحية وليس حالة مرضية بشرط أن لا
يوجد هوة واسعة بين هذه الطوائف.
المسألة الأخرى أحب أن أقول أن ليس العراق وحده
يحمل هذا التلون، فهذه الكرة الأرضية كلها تحمل هذه السمة، فأمريكا حين
نشأت كان فيها تلون قومي وعرقي وطائفي... فيها السود وفيها البيض وفيه
الحمر...فيها البروتستانت والأرثوذكس، والذي يقرأ التاريخ الأمريكي يجد
أنها مرت بمثل الأزمة التي نمر بها اليوم، حيث حدثت فيها أزمة نظام
وأزمة دستور وأزمة تلون، ولم تحل هذه الأزمة من القادة الأمريكيين،
وإنما المفكرون الأمريكيون هم الذين سعوا لحلها.
*ولكن من جهة أخرى هناك من يرى
أن التلون في أمريكا أو في غيرها تحكمه أطر قانونية تكفل حقوق الجميع ،
بينما في العراق كانت هناك سيادة في الحكم لطائفة من طوائف الشعب
العراقي على حساب غيرها.. هناك من يرى، سيدي الكريم أن شريحة واسعة من
العراقيين عاشوا عبيداً في العراق.. هم يدافعون عن العراق في الأزمات
ولكنهم يمنعون من الاستحقاقات... إذن هناك توافق وتوادد على مستوى
الشارع العراقي، ولكن السلطة كانت حكراً على فئة بعينها.. الجميع يطرح
خطاباً وحدوياً، هذه الأيام، ولكن هناك حساسية ما، والسيد محسن عبد
الحميد اتهم الوزراء الشيعة بأنهم يطردون الموظفين السنة..
*لا نريد أن نكون أسراء الماضي.. ولو أسرنا الماضي
فلن نحل شيئاً في المستقبل، فمن يروم السير للإمام سيقع حين الالتفات
إلى الخلف..دعني أتكلم عن منظمة العمل والذين أرتبط بهم، فأنا لا أمثل
كل الشعب العراقي..كلامي موجه إلى كل الطوائف... نحن لا نريد غبن أي
طائفة لأننا لا نريد السير على منهجية الحكام السابقين،بل نريد إحقاق
الحق وإعطاء كل صاحب حق حقه، وإن حدثت تصرفات خاطئة هنا وهناك، فهذه
ليست قاعدة ولا هي أعمال مخطط لها، بل هي قد تكون حدثت بصورة مزاجية..
وكثير من الأخوة السنة الذين كانوا في المعارضة، كالأستاذ عبد الحميد
وغيره، وكانت لنا علاقات معهم قبل أن نأتي إلى العراق يعرفون آراءنا،
وهذه أد بياتنا المطروحة الآن وفي السابق، لا تحوي على ما يشير على
نيتنا غبن الآخرين.. أبداً.. بعد التغيير الذي حدث لا يقبل العراقيون
بغير النظام النموذجي الذي يسعد الكردي والعربي..والسني والشيعي
والمسيحي والتركماني والآشوري وغيرهم.
النظام الجديد لا بد أن يذيب الخلافات إن وجدت ولا
مناص من قيام حركة فكرية تثقف بهذا الاتجاه، وهذه مهمة الرواد ..ومن
خلالكم أناشد كل العراقيين على أن يجتمعوا من أجل العراق..
* وبالعودة إلى موضوع الدستور،
كل الإشارات تدلل على وجود مأزق في صياغته وفي الواقع السياسي الراهن،
ماهي الطريقة برأيكم للخروج من هذه المأزق؟
*في العراق اليوم لا بد أن نعترف أن رجال مجلس
الحكم هم أداة تنفيذية وليست أداة فكرية... في أمريكا مثلاً هناك من
يفكر ويخطط للمستقبل، وهؤلاء ليس بالضرورة من ساسة البيت الأبيض، لذلك
ترى أن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء.
أريد أن أقول أن بلد ما لن يستقيم إذا لم يكن في
مفكرون.. هؤلاء يضعون الحلول لمختلف القضايا والأزمات، بينما نحن لا
نملك مثل هؤلاء، أو لنقل أنهم خارج دائرة التأثير، لذلك أرى أن أزمتنا
ربما ستتطور..على ذلك يجب أن نواكب التطور ولا نرجع إلى الوراء.. نحن
مدعوين إلى الخروج من أطر الحزبية والأنانية الضيقة وإلا خسرنا كل
العراق..نحن بحاجة للتوحد على مستوى المرجعيان الدينية، والتيارات
السياسية والاجتماعية، فالشعب العراقي الذي أعطى سبعة ملايين شهيد
يستحق من الجميع أن يعملوا لأجله، لا أن يخططوا مستقبله بعيداً عنه!
ولو تحدثنا عن الدستور العراقي ،فالموآخذة الأخرى
عليه هي أنه لم يعرض على الشعب العراقي، وأعتقد أن الذين صاغوا الدستور
يعرفون أنه سيرفض من العراقيين لذلك لم يعرضوه للتصويت عليه.
العراق بعد تحريره من النظام الديكتاتوري
والاستبدادي يجب أن تسود فيه ثقافة أخرى... يجب أن يسمع رأي المواطن
العراقي، فلانقبل التعيينات والاتفاقات في الغرف المغلقة ... الدول
التي تحررت من الاستبداد شعوبها تعيش حالة اطمئنان لذلك تلاحظ عملية
واحدة أسقطت حكومة في أسبانيا، في حين عملية كربلاء والكاظمية والنجف
الأشرف وغيرها لم تسقط النظام الموجود في العراق... هؤلاء المسؤولين عن
الأمن في العراق ألا يحاسبون، إذن لا بد أن تكون للشعب كلمته العليا.
*أخيراً كيف يرى الحاج أبو مر
قال المطيري الأمين العام لمنظمة العمل الإسلامي مستقبل العراق؟
* أعتقد أن العراق لن يستقر خلال المستقبل القريب،
فقد دخلت إليه الكثير من الأيادي والحركات والتنظيمات التي لا تريد
للعراق والعراقيين الخير، وكما يعلم الجميع فالعراق مستباح من جميع
الجهات وحدوده مفتوحة لكل من يريد به سوء..
ولكن على الحكومة القادمة أن تقوم بفعل قوي على
الأرض، فحين تهم بالقضاء على أعمال التسليب عليها إذن أن تحل المشكلة
الاقتصادية في البلد، ولكننا إلى الآن لم نر تحركاً جدياً بهذا الاتجاه..
أتصور أن الحكومة المقبلة ستحتاج لأكثر من عام لتحل بعض المشاكل سيما
وأن نظام صدام المنهار قد عاث في العراق الخراب والدمار.. |