الذين جلسوا طوال يوم امس الاول، العشرين من
آذار، أمام الشاشات الملونة، الناطقة بالعربية خاصة، وقفوا على قدر طيب
من التحريف والتخريف معا في الخامة الاخبارية والتحليلية التي قدمت
لمناسبة مرور عام على حرب العراق، واكتشفوا، للتو، ان الانظمة والنخب
السياسية وجماعات الضغط(الارهاب الفكري) العربية لم تكذب، ولم تزاول
خطايا النصب على شعوبها وعلى العالم، وأن وجناتها تلهث بحمرة الخجل
وترتعد فرائصها، وتبتهل الى الله تعالى غفرانا ولجوءا وشكوى حين تطالها
شبهة التزوير ولي الحقائق وتجهيل المواطنين وتسويق انصاف المعلومات الى
الشارع.
فمنذ فجر يوم السبت الماضي- يتذكر الذين جلسوا
الى الشاشات الملونة آنذاك- هبت الفضائيات العربية من نومها مبكرا
وارتدت بدلات القتال وواقيات الرصاص، وصلت ركعتين لله، واثنتين اخريين
للمناسبة التي استمدت منها حمية الهجوم الصاعق بكل الاسلحة على وباء
الكذب الذي تسبب، في مثل هذا اليوم قبل عام، باشعال حرب ضروس، حيث قالت
امريكا ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل وقد تبين ان لا وجود
لها..وكأنها الكذبة الوحيدة المسجلة في عنق اسباب الحرب التي زخرت
باكاذيب لا حصر لها، كانت الاقنية الاعلامية نفسها قد اطلقتها علينا،
وسممت فيها حياة الاحياء من البشر والشجر والدواب على حد سواء.
أو كأن حرب العشرين من آذار هي الحرب الوحيدة
التي شنت على اساس تقديرات لم تثبت صحتها من حروب العالم التي زادت على
المليون حرب منذ ما تسمى حروب الملائكة والشياطين قبل نصف مليون سنة،
وكأننا نحن العرب-أحياء وامواتا- لم نخض حروبنا مع اسرائيل على خلفية
أكاذيب وتصورات نكتشف بعدها، وفي كل مرة، اننا كنا مخطئين..نقول مثلا
اننا سنلقيها في البحر، ثم نجد انفسنا في لجة البحر.
وحتى تقدم لنا تلك الشاشات الملونة وجبة تخريف
طازجة عما حدث، بتغييب وقائع عن عمد واستحضار غيرها عن قصد، فقد لجأت
الى إحياء جثث إعلامية كانت ترقص حول جداريات صدام حتى سقوطها لتتحدث،
مجددا، عن جذام الكذب في السياسة وعن فداحة الخسارة التي لحقت بالعراق
جراء سوء تقدير اسلحته وليس بسبب سوء سياسة قيادته الكارثية، ليبدو
صدام حسين، وحتى وزيره الصحاف كرغوتين للبراءة التي تجهل مفردة الكذب،
وتعف نفسها عن مزاولته.
أما أكاذيب الحروب الاخرى.. واما مصير العراق
والعراقيين.. وأما مسؤولية النظام السابق عما حدث.. وأما مواقف
المجموعة العربية التي شجعت صدام على المضي قدما في الحرب.. وأما ملف
الأكاذيب التي رافقت حروب فلسطين وحروب اليمن وحروب لبنان والصومال
والتشاد والجزائر والسودان.. وأما جرائم ضواري القاعدة وفدائيي صدام ..
أما كل ذلك، فقد تساقط عن عمد من أجندة الشاشات العربية الملونة وهي
تتوقف عند مناسبة مرور عام على حرب العراق، على قاعدة: العيب في
الاخرين، وكل شئ لدينا على ما يرام.
لقد تلقينا في ذلك اليوم وجبة جيدة من ساندويج
التحريف، أو التخريف، لا يهم..على الرغم من ان التحريف محرم بمعاهدات
جنيف حول حرية التعبير والصحافة التي تقيد الاعلام باحترام الحقيقة،
وان التخريف، ابطلته العرب لانه(انما يجري في السمر، وينتظم في
الاعاجيب، وقولهم: خرف فلان، إذا تغير عقله لانه يتكلم بما يضحك) على
حد مؤلف (شفاء الغليل) شهاب الدين بن عمر الخفاجي.. رحمه، ورحمكم، الله.
ومضة:
"سيداتي، سادتي
خطبتي كانت قصيرة
وانا اكره ان يستغرق اللفظ زماني
ولساني
ليس سيفا من خشب
كلماتي، سيداتي، من ذهب"
عبد الوهاب البياتي
aalassam@hotmail.com |