ضمن سلسلة الاستطلاعات التي تجريها شبكة النبأ
المعلوماتية حول قانون ادارة الدولة العراقي المؤقت، قامت الشبكة
بتوجيه مجموعة من الاسئلة حول هذا الشأن الى الباحث والكاتب العراقي
الاستاذ رياض الحسيني، وكانت الاسئلة كما يلي:
1) هل يمثل القانون الانتقالي الطموح الحقيقي
الذي كان يتوق اليه الشعب العراقي نحو الحرية والديمقراطية؟
2) هل يعطي هذا الدستور مصداقية لمسيرة الاصلاح
والمشروع الديمقراطي الذي تقوده الولايات المتحدة في منطقة الشرق
الاوسط؟
3) ماهي الاخطار الحقيقية التي يتضمنها هذا
الدستور على مستقبل العراق واستقراره وتحقيق الديمقراطية فيه؟
4) كيف يمكن اسقاط المواد السلبية لهذا الدستور
التي قد لاتمثل طموحات الشعب العراقي؟
واجاب الاستاذ رياض الحسيني بما يلي:
قبل الاجابة على تلكم التساؤلات ينبغي لنا ان
نعرف ماهي هذه المواد التي احتواها (قانون ادارة الدولة للفترة
الانتقالية) والتي تصب في خانة غير خانة المصلحة الوطنية ولاتؤدي الى
الغرض المنشود وهو وحدة العراق ارضا وشعبا. ومن ثم استقرار العراق كبلد
عاني الامرين.
1. العراق والعزلة القومية: المادة السابعة،
الفقرة (ب): (العراق متعدد القوميات والشعب العربى فيه جزء لا يتجزأ من
الامة العربية).
ولو اعتبرت المسألة على الشكل الاتي لكانت اولى
"الشعب العربي في العراق هو جزء من الامة العربية، والقوميات الاخرى في
العراق هي جزء من مكونات الشعب العراقي". ولو كتبت تلك الفقرة على نحو
"دولة العراق جزء من الامة العربية" من دون التطرق الى مسألة الشعب
التي كانت مثار ضجيج واعتراضات من قبل القوميات الاخرى التي تعتز
باصولها كما العرب، لكانت اهون.
2. فيتو الاقلية على رأي الاغلبية: المادة 61
الفقرة (ج): (يكون الاستفتاء العام ناجحا، ومسودة الدستور مصادقا عليها،
عند موافقة اكثرية الناخبين في العراق، واذا لم يرفضها ثلثا الناخبين
في ثلاث محافظات او اكثر). وهذه الفقرة بطبيعة الحال ستكون عائقا امام
اي تقدم من شأنه ان يعجل برحيل قوات الاحتلال وعودة المجتمع الى حياته
الطبيعية. خصوصا لو علمنا ان بعض المحافظات لا يقطنها الا اقلية من حيث
التعداد السكاني مقارنة بنفوس العراق ككل. وفي النهاية ستكون الحياة
الدستورية العراقية لاحقا بمواجهة هذا الفيتو الذي يمثله لربما اقل من
مليون شخص معترض امام ثلاثة عشر مليون مواطن مؤيد على الاقل. وفي
النهاية فهذه الفقرة ستضع البلاد حتما في حالة انتقالية دائمة.
3. تقييد الشرعي باللاشرعي: المادة الثالثة
البند (أ): (ان هذا القانون يعد القانون الاعلى للبلاد ويسري مفعوله
على انحاء العراق كافة، ودون استثناء، ولا يجوز تعديل هذا القانون الا
باكثرية ثلاثة ارباع اعضاء المجلس الوطني واجماع الرئاسة). وهذه المادة
غير شرعية وغير منطقية! فكيف من يستمد شرعيته من الشعب فيما هو الجمعية
الوطنية ان يخضع لقانون وضعته مجموعة منصّبة من قبل الاحتلال وغير
منتخبة من الشعب فيما هو مجلس الحكم؟ هذا فضلا عن ان القانون انما هو
قانون مؤقت اي ان مواده يجب ان تكون سارية للفترة الانتقالية المحددة
وليست سارية المفعول ما بعد ذلك.
4. الدين والدولة: المادة السابعة، الفقرة (أ):
(الإسلام دين الدولة الرسمي ويعد مصدرا للتشريع): وهنا يكون الاسلام
وفقا لتلك المادة مصدرا واحدا حاله كحال بقية المصادر والمراجع الوضعية.
بعبارة اخرى ان الحكومة الجديدة يمكن ان تنتقي من الاسلام ما يتماشى مع
مصالحها والاخذ بتشريعات اخرى من مصادر اخرى تتعارض مع روح الاسلام
لربما. وهنا لايمكن الاعتراض حيث تؤكد المادة بان الاسلام ليس المصدر
التشريعي الوحيد للدولة.
5. المخفي والمعلن: المادة الثانية، الفقرة (ب)،
البند الاول: (المرحلة الاولى تبدأ بتشكيل حكومة عراقية ذات سيادة
كاملة تتولى السلطة في 30 يونيو 2004. وتتألف هذه الحكومة وفق عملية
تداول واسعة النطاق تسهلها الامم المتحدة ويقوم بها مجلس الحكم وادارة
الائتلاف المؤقته مع الشعب العراقي. ان هذه الحكومة ستمارس السلطة
بموجب ملحق يتفق عليه ويصدر قبل بداية المرحلة الانتقالية ويكون جزءا
لا يتجزأ من هذا القانون). وعلى الرغم من ان هذا الملحق سيحدد الكيفية
التي ستمارس الحكومة القادمة على ضوءه صلاحياتها الا انه ملحقا لايعلم
عنه الشعب العراقي ولا عن مضمونه شيئا!
الحلول الممكنة:
وسط هذه المعمعة والكم الهائل من المتراكمات
والتوجسات وانعدام الثقة بين الاطراف المتعددة الاديان والاعراق
والاثنيات، ترى هل من الممكن ايجاد الحل الذي يقنع جميع الاطراف ويرضي
كافة الفصائل؟!
من المؤكد انه ليس ثمة حل واحد ترتضي اليه
الاطراف جميعها ولكن يمكن الاخذ بمجموعة من الخطوات الجادة نحو التقارب،
لاسيما لو كان هنالك فعلا ارادة وطنية، وشفافية في التعامل على اساس
المصلحة العليا للوطن والشعب العراقي ككل، وليس من اجل مصلحة وقتية او
شعارات حزبية او منطلقات قومية بحتة. فالجميع بحاجة الى تبادل ثقة
واطمئنان وهذه الخطوات على سبيل المثال لا الحصر هي:
1. تبادل الثقة وفقا للعمل الميداني وليس على
اساس الشعارات البراقة والخطب الرنانة.
2. اسقاط مبدأ المفاضلة بين المواطنين واعتماد
مبدأ الشراكة في الوطن الواحد.
3. اعطاء الفرصة المتاحة للشعب العراقي لان
يعبّر عن رأيه وقناعاته وفق ما يراه مناسبا للفترة الانتقالية والدائمة
معا.
4. تفعيل المؤسسات المدنية واحتضان الرأي الاخر
وافساح المجال للاخرين للتعبير عن همومهم وتطلعاتهم اسوة بمن يملكون
سلطة القرار.
5. الابتعاد ما امكن عن الشعارت القومية او
الدينية التي من شأنها ان تستفز الطوائف والاقوام الاخرين، بما في ذلك
الرموز والاوصاف.
6. تفعيل الحوار العربي الكوردي، والشيعي السني،
والاسلامي المسيحي، وغيره من الحوارات الجادة للاطلاع على وجهات نظر
الاخرين واحترامها ومحاولة فهم كل طرف لمطالب وتوجسات الاخرين.
7. الابتعاد عن صيغ المحاصصة الطائفية او
القومية وانشاء لجنة مستقلة خاصة تعنى بامور البحث عن الشخصيات النزيهة
للعب دور فاعل في الحياة السياسية المستقبلية، وذلك تبعا لاستقلاليتها
وكفائتها وليس على اساس انتمائها الحزبي او الطائفي او القومي. اي
اعتبار منطق المواطنة الصالحة هو السائد وتفعيل لغة القانون الذي لايجب
ان يعلو على قراراته احد ايا كان.
8. الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية
والقضائية والتنفيذية.
9. تنظيم قوانين الاحزاب والصحافة والهيئات
والتجمعات والاندية.
10. مساندة المؤسسات الاهلية المستقلة ودعمها
ماديا ومعنويا.
11. احترام خصوصية كل طائفة في اداء شعائرها
الدينية التي يجب ان تكون مصانة دستوريا.
وفي نهاية المطاف ربما يعتبر قانون ادراة الدولة
للمرحلة الانتقالية قفزة نوعية في تأريخ العراق الحديث منذ تأسيس
الدولة العراقية، الا انه من المؤكد لم يكن بمستوى طموح كل مواطن عراقي
عانى ما عانى من السلطات الشوفينية المتعاقبة على سدة الحكم. لكن هل
يعني هذا رميه في سلة المهملات؟ شخصيا احبذ واؤكد على ضرورة مراجعة كل
مواد الدستور هذا فقرة فقرة وبما يتناسب مع مصلحة العراق دولة وشعبا
وبما يحفظ الوحدة الوطنية واللحمة الجماهيرية. مراجعة الفقرات الخمس
اعلاه ودراستها دراسة موضوعية محايدة يعيد الكثير من الثقة المتبادلة
بين مكونات الشعب العراقي وموزائيكه الفريدة. اما لو استمر الدستور على
هيئته الحالية فحتما ستكون تلك الفقرات الخمس مطبا يهدد بكوارث
مستقبلية وتنبأ باشكالات هوية المواطن العراقي وربما تقود الى قطيعة
اهلية لتنتهي الى انقسامات طائفية وتكتلات قومية تمزّق النسيج العراقي
الموحد. خصوصا اذا ما اخذنا بالاعتبار انها ستسقط حتما اذا ما اخذ
الشعب العراقي زمام المبادرة باعتباره مصدر الشرعية والقرارات والسلطات. |