أمست الحاجة إلى تركيز الصفات الأخلاقية الرفيعة
عند الفرد والمجتمع مسألة تقضي إلى صرف اهتمام الأولوية لها وذلك ضمن
مواجهة سلمية من أجل الحفاظ على ما وصلت إليه النفس الإنسانية من
بناءها السوي وتطويره وبديهي لا يكون ذلك إلا بدعوات صريحة للرد الضمني
على التوجهات اللاحضارية المتخفية بخبث تحت عباءة الشعار القائل:
(إن الدنيا قد تغيّرت)!
مظاهر الهجمة اللامعلنة في كل مجتمعات البشرية
الآن هي سحب مبدأ السوية من الإنسان السوي كي يكون بمثابة آلية يوقفها
زر ويحركها آخر كأي جهاز خاضع للقوة الكهربائية إذ يلاحظ بعد سقوط
المبادئ السياسية الوضعية الواحدة بعد الأخرى (تقريباً) أن تلك الهجمة
قد شرعت بالظهور في المجالات المكملة لـ(السياسة المعاصرة) وأبطالها
المزيفون المناؤون للسويات البشرية باعتبارها لبنات من الصفات صالحة
للحياة ومنسجمة مع فطرة الإنسان التي جبله الله سبحانه وتعالى عليها.
ولعل تحييد الإنسان السوي مما يحدث من سن قوانين
وحماية تطبيقات السقوط الأخلاقي المبوبة تحت شعارات (الحرية الفردية)
أو (الديمقراطية).. هو أول ما أفلحت به القوى الظلامية إذ كان
الاستعداد الطبيعي لدى بعض الأفراد لقبول الانجرار إلى مراتع فخاخ سلب
السوية المعنوية أو الجسدية عند الرجل أو المرأة عربوناً للانصراف نحو
نماذج الإنسان السوي الذي تتم عملياته الخفية تارة تحت صورة دينية ترى
فيها مندس على الوسط الديني إن لم تكشفه الصدفة متلبساً بفعل يمس سمعته
كـ(رجل دين) فإنه هو ذاته يكشف عن نفسه قائماً بالفعل الذي يحاول فيه
أن يبرز نموذجه السيء بعد أن قبض الثمن على خلفية إبعاد الناس عن الدين
والمؤمنين الصادقي الإيمان وتارات أخرى تحت صور اجتماعية عديدة بما في
ذلك المجالات الإبداعية التي تستهدف الإيقاع بالناس الخلوقين إلى مهاوي
الإغرار وبالتالي الفساد.
والجيل الناشيء في البلدان العتيدة في قوانينها
تختلط عليه الأمور حين يلحظ أن تلك القوانين تحاسب الشاب إذا تحرش
كلامياً بـ(فتاة) حماية لسمعتها كما يفترض ذلك لكنه لا يفهم كيف تجيز
تلك القوانين أي تمنح إجازات رسمية لفتح ملاهي تضم بين جدرانها عدد غير
قليل من الفتيات المغرر بهن اللائي يعشن من بيع أجسادهن للفاسدين وبعض
الدول في قوانينها لبنود صريحة على أخذ نسبة من الضرائب من أولئك
الفتيات والنساء وكأنها دول مشاركة في عملية الفساد الاجتماعي حيث تقوم
بدور السمسار الجسدي الخفي من حيث تدري أم لا.
والحديث عن كثافة المصالح الفاسدة والمفسدة لدى
أغلب المجتمعات توحي بأن العقل معطل تماماً عند كل الدول القائمة على
الاعتماد لما يرتكب من فساد وإفساد على أراضيها وتجاوز مثيل هذه
الحقائق أو تكذيبها في بلد وآخر مسألة تثير الاستهزاء ولعل في تهيئة
الأرضية الاجتماعية لـ(عمليات الفساد) وثم الإبقاء عليها من قبل حكومة
تعقبها حكومة في البلد الواحد لا تعني سوى أن طلب التعايش مع ظاهرة هذه
الهجمة الخفية ضد معايير البناء الشخصي السوي إلا موضوعاً تبغيه وتعمل
لأجله كيانات العديد من الدول حتى ليخيل وكأن تلك الحكومات المعنية لن
تستطيع الاستمرار في الوجود إلا على محور تحطيم الناس عبر إفسادهم بدلاً
من أن تكون المنقذ لهم مم يسحب منهم أخلاقياتهم وسوياتهم.
فهل في ذاك كله حماقة متلازمة للحكومات الراهنة
في العديد من العالم الذي يعاني اليوم من مشكلات التواطئ مع قوى الشر
الاجتماعي أكثر من قوى الشر السياسي ولماذا مثيل هذه المظاهر التي ترقى
إلى معنى (الجرائم المسكوت عنها عمداً) إن البشرية على وجه العموم في
حالة يقظة لما يحدث ضد حياتها السوية أما الأوضاع السلبية التي يساء
بها إلى الوعي وتغتال فيها إرادة الإنسان تحت مختلف المسميات قد سببت
ومازالت تسبب الآلام لجمهرات واسعة من الناس وبالذات الفاسدات أو
اللائي حكم عليهن القدر أن يكن كذلك وبالذات منهن لأسباب خارجة عن
إرادتهن كالجائعات أو اللائي سلبت منهن أو اللائي لا يجدن مصادر للعيش
الكريم، وهذا ما يتنافى مع روح (التكافل الاجتماعي) التي هي ليست روح
تدعو للتآزر المادي فقط بل والمعنوي أيضاً.
إن حال السواء والسوية إذا ما سادت فإن وضع
العالم يكون بخير حقيقي وبديهي فإن ذلك لا يتحقق بقرار يكتب على الورق
بل يحتاج نوايا إنسانية حسنة وأيادي نظيفة تستطيع أن تضيف لبنيان
الشخصية السوية الإنسانية الكثير من مستلزمات الأخلاق الراقية. |