التفجيرات التي تعرضت لها كربلاء المقدسة
والكاظمية المشرفة والمراكز الدينية الباكستانية في العاشر من المحرم
هذا العام، وعمليات السيطرة والكشف عن اكثر من محاولة لتفجيرات معدة في
مدن وحسينيات شيعية في بعض دول العالم، لم تكن الاولى التي تتعرض لها
المقدسات الشيعية ولا المنتمين لهذا المذهب، ولعلها لم تكن الاخيرة، في
ظل وجود فكر منحرف ضال، لايعرف الا لغة التكفير والتدمير اسلوبا وغاية
في مواجهة الاخرين.
فالذي يراجع التاريخ البعيد والقريب يقف على
وقائع غاية في النذالة والخسة تعرضت لها الاماكن والقيادات والمجتمعات
الشيعية، ولعل اقربها الى اذهان كبار السن، وادقها تحقيقا وتصويرا من
قبل المحايدين، تلك التي تعرضت لها مدن العراق وتحديدا المقدسة منها من
قبل المجموعات المنحرفة، التي اغارت مرات ومرات على مدن العراق الوسطى
والجنوبية وخصوصا النجف وكربلاء المقدستين، حيث ذكر العلامة السيد محسن
الامين العاملي في كتابه القيم ( كشف الارتياب ) ان اتباع هذه الفرقة
قد اغاروا على النجف وكربلاء مرات عديدة وانتهكوا كل المحرمات، فقتلوا
النفوس البريئة، وسرقوا النفائس الثمينة من متاحف تلك العتبات، واحرقوا
المكتبات والبيوت على اصحابها، وهدموا الكثير من الابنية والاثار
التاريخية، وخطفوا العشرات وربما المئات من نساء الشيعة – لان البعض
فضل السكوت -، والقوا السموم في الابار والانهار، ولم تسلم منهم حتى
الحيوانات البريئة.
اما اليوم فان اصحاب هذا الفكر المتطرف يعتقد
بان كل من يؤمن و يعمل بالشفاعة والتوسل بالانبياء والاوصياء والاولياء
هو مشرك لايمت الى الاسلام بصلة، ودمه وعرضه وماله مباح لدى غالبية
الفرق الاخرى، وهذا ما يحرض المرضى والجهال على استغلال مختلف الوسائل
لتصفية وابادة كيان وافراد المذهب الشيعي الذي يقول ويأخذ بفكرة
الشفاعة والتوسل بالانبياء والاوصياء من اهل بيت محمد صلى الله عليه
واله باعتبارهم افضل الخلق والوسيلة اليه سبحانه وتعالى، ولاتستغرب ان
تسمع من شخص يمثل الاوقاف السنية في العراق ان يقوم ويعترض ويترك جلسة
الحوار عندما يرى ممثل الاوقاف الشيعية يتصدى لمن يحملون فكرة التكفير
ويقول بانها دخيلة جاء بها فكر غريب.
ان الذين ينتمون لهذا الفكر ( الشاذ ) في تزايد
– بما يتمتعون به من دعم غير محدود من بعض الجهات – ولهم اتباع وانصار
في اغلب البقاع، بما في ذلك العراق.
واذا اريد – لكل الفرق والمذاهب – العيش بسلام
وطمأنينة فعليها العمل سريعا وبجدية واخلاص تامين للوقوف امام هذا
الفكر الضال المتطرف الذي يأكل بجسد الامة الاسلامية ولن يقف في حدود
معينة، فاليوم مع الشيعة وغدا مع الشوافع وبعد غد مع الزيدية او اية
فرقة اخرى يرى في فكرها امور لاتتوافق مع مايحمل هو فقط وفقط من افكار
واراء. ثم ان هذا الفكر المنحرف ومن يقف ورائه ويمده، يجب ان يعلم ان
التطرف يمكن ان يوجد ويولد تطرف مضاد ومعاكس ربما يكون اقوى واشد من
الشيعة او غيرهم، يعود عليهم باضرار جسيمة غير محمودة العواقب،
فالمظلوم لم ولن يبقى مكبل اليدين ينتظر سكين الجزار، فسرعان ما ينتفض
ويتمرد حتى على افراد مذهبه للاقتصاص من قاتليه وتصفيتهم بالطريقة التي
يراها لائقة لارجاع الحقوق الى نصابها وعودة المياه الى مجاريها، ولا
استبعد ان يكون علماء الشيعة اليوم يستغلون مختلف طاقاتهم وامكاناتهم
للوقوف امام هكذا افراد او جماعات يريدون اتخاذ المسلك الآخر، ومع ذلك
فان للصبر حدود وللتحمل درجات تنتهى يوما ما، وعند ذلك لاينفع الندم او
صيحات المطالبة بالسلام !!.
وللوقوف امام هذه الفرقة الضالة، وكل فرقة يمكن
ان تولد من رحم التطرف مستقبلا، ولشد ازر المرجعيات الشيعية في مواجهة
الدعوات المطالبة للرد بالمثل او بصورة اشد واقوى، نقول لجميع المذاهب
والفرق الاخرى،عليهم الاسراع في اتخاذ خطوتين سريعتين يمكنهما ان يكونا
حاسمين في اماتة هذا الفكر الضال واية فكرة مضلة يمكن ان تنطلق هنا او
هناك في المستقبل القريب او البعيد:
اولهما: الاعتراف الصريح والسريع بمذهب ( الشيعة
) الذي هو خط محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين، كما فعله سلفهم
الشيخ سليم البشري مفتي الديار المصرية، على ان يترتب على هذا الاعتراف
كل الاثار الاخرى من حرية التعبد به، وعدم ملاحقة من ينتمون اليه،
وتدريسه في مختلف الجامعات والمعاهد الدينية، والاخذ به في المنازعات
والمحاكم القضائية و...
وثانيهما: البراءة من الافكار المتطرفة
ورجالاتها، ان اصروا على البقاء على افكارهم الضالة والهدامة، ولم
يرجعوا الى جادة الصواب، لان خطرهم عظيم ليس علينا نحن المسلمين فحسب
وانما على البشرية جمعاء، لان من يكفر ويستبيح دم وعرض ومال المسلم
الآخر لانه اختلف معه في بعض الجزئيات، لايتورع في تكفير كل الديانات
الاخرى ويستبيح كل ما هو محرم ومحظور وان ازهقت في ذلك ارواح الملايين
من الابرياء.
ان التطرف مرض خطير على اصحابه وعلى القريبين
منه، لانه انحدار وتسافل نحو المهالك الاشد قسوة ووحشية، واذا لم نقف
امامه اليوم فانه يستفحل ويستشري ولايمكن مواجهة بتلك السهولة والبساطة
ويأتي على القريبين اليه في المستقبل القريب وعلى المنضمين اليه في
المستقبل البعيد، فالخطر ليس متوجها الينا وحدنا نحن الشيعة، وانما هو
خطر محدق بالكل غدا، وكما قلنا نحن نستطيع ان نوقفه بطرقنا الخاصة،
ولكن لانريد الخوض في اساليب ربما تأتي بمردودات سلبية علينا وعلى
الاسلام في المستقبل، فنحن اصحاب حجة ودليل، ومنطقنا الحوار البناء
والعرض الهادىء، ولانرغب في يوم من الايام ان نحشر في زوايا ضيقة ونجبر
على انتهاج اسلوب مغاير لاساليبنا المعهودة في الرد على ظالمينا
ومنتهكي حقوقنا.
ثم اننا اليوم نعيش في عالم قائم على التعددية
في كل شيء، ويدعو للتعايش والحوار والانفتاح مع الآخر المخالف، واذا
اريد لنا ان نكون في هذا العالم ونسير طبق سننه الكونية والالهية،
علينا الاسراع في ردم الهوة الموجودة بين ظهرانينا ونوحد صفوفنا وندخل
عالم التكتلات والمصالح المشتركة بقوة وثبات لكي نركب قطار المدنية
والحياة من اوسع ابوابه، ونواجه متطلبات المرحلة القادمة بروح مشرقة
متفائلة.. والامر اليكم.... |