لم يكن الإمام الحسين مدافعاً عن حقوق الإنسان
بما هو فرد فقط، ولكنه دافع عن حقوقه أيضاً كفرد ضمن مجموع هي الأمة.
والفرد ضمن المجموع المتجانس عقائدياً هي ما عُرف في التعبير الإسلامي
بمصطلح الأمة. انطلق الإمام في نهضته بعد أن شعر بمسئوليته تجاه أوضاع
متخلفة وخطيرة تعيشها الأمة بسبب سيطرة حاكم على مقاليد السلطة
السياسية، والذي لم يكن يتمتع بأدنى مؤهلات الحاكم وفق المنظور
الإسلامي، أو وفق المنظور المتعارف عليه حتى على المستوى القبلي
التقليدي.
ونستطيع أن نوجز ارتباط نهضة الإمام الحسين
بحقوق الإنسان وحقوق الأمة في القضايا والمفردات التالية التي حفلت بها
قضية عاشوراء.
حق الأمة في أن يكون الحاكم
عادلاً فاضلاً
فأما يزيد فقد كان كما وصفه الإمام " يزيد رجل
فاسق، فاجر، شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة ومعلن الفسوق والفجور"
وهذا يعني أنه ليس بمؤهل أن يكون مؤتمناً على رئاسة أمة وهو بهذا
المستوى الإجرامي من الفسق والقتل والفجور.
حق الأمة في حماية مالها العام
قال الإمام الحسين عليه السلام مستنكراً على بني
أمية تلاعبهم بأموال المسلمين، والتي جعلوها دولة بين الأمراء والولاة
منهم : "اتخذوا مال الله دولا" وفي كلمة أخرى " واستأثروا بالفيء" أي
حقوق الأمة المالية، والتي يجب أن تصان ويحافظ عليها، فالحاكم هو مجرد
أمين وليس له أدنى حق بالتصرف إلا وفق ما يسمح له القانون.
حق العيش بكرامة وحرية
استنكر الإمام الحسين على بني أمية أنهم "اتخذوا
عباد الله خولا" أي أنهم يتعاملون مع المسلمين الشرفاء الذين أكرمهم
الله بدينه وجعلهم أحراراً، يعاملونهم كعبيد لديهم، وبالتالي فليس لهم
أدنى حقوق تحت حكم الأمويين، وبالتالي فما يصادرونه من حقوق الأمة،
يُعد في نظر الأمويين أمراً طبيعياً، وما يمنحونه لها ،حتى وإن كان من
مال الأمة فهو عطية ومكرمات. أما المعارضة السلمية فقد كانت تُسحق
وتقتل، والمعارضون كانوا يلاحقون ويذبحون وفقاً لنهج معاوية "خذوهم
بالظنة واقتلوهم بالتهمة".
حق العيش في أجواء أخلاقية
من الواجبات الأساسية للدولة هو توفير الأجواء
الأخلاقية بمنعها المنكرات وأوجه الفساد التي تؤدي الى تدمير روحية
الشعوب وإزدياد حالة الفوضى والسرقات والزنى والقتل وما اشبه من جرائم.
لقد اعترض الإمام الحسين على بني أمية استهتارهم بنشر الفساد، فقال عن
يزيد " معلن الفسوق والفجور". وحين يكون الحاكم معلنا للفسوق فكيف
نتوقع الحالة العامة للناس. يقول الشاعر العربي
" إذا كان رب البيت بالدف مولعاً فشيمة أهل
البيت كلهم الرقص"
الحق في الانضمام للمعارضة
والانسحاب منها
فعلى الرغم من أن الإمام أتخذ منهج الثورة على
يزيد، وهو في غاية الحق المطلق، إلا أنه كان يخاطب الناس بأسلوب إقناعي
ويرغبهم في الانضمام معه، ولم يخوّن أحداً، أو يسقطه بأقواله على
المستوى الجماهيري حينما عزم على الخروج للثورة. قائلاً للناس " ألا من
كان فينا باذلا مهجته، موطنّاً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا". بل
إنه أضاف حقاً قلما تقوم به الجهات المعارضة وهو حق الانسحاب في أوقات
المواجهات من دون أدنى تسقيط او تعييب، فقد قال لأصحابه ليلة العاشر "
هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً"، أي باستطاعتكم ان تنسحبوا في وقت
الليل، وإن ذلك ليس بمستنكر لديه. فحاشا للإمام أن يبدى هذا الحق لهم
ويبطن تضايقه حين يستخدموه.
حق الناس في الإطلاع والمعرفة
أهتم الإمام الحسين كثيراً بتثقيف أصحابه والناس
عموماً بما فيهم من أتوا الى مقاتلته بتوضيح أسباب الثورة وأهدافها في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح وضع الأمة. فخطب أمام الناس في
مكة وعرّفهم ما هو مقدم عليه من الخروج على سلطة بني أمية. كما أنه خطب
في الجيش المعادي له وأوضح لهم أن معرفة سبب نهضته هو حق لهم، قائلا:
أيها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ،
وحتى أعتذر اليكم من مقدمي هذا"
حق الأمة في مراقبة الحكام،
وضرورة تقيدهم بالقوانين
كان من ضمن الإشكالات الكبرى التي رآها الإمام
الحسين على الدولة الأموية هو استهتارها بالقوانين العامة التي تحكم
الدولة الإسلامية. فقد كان الخمر محرماً وممنوعاً وفقاً لقوانين الدولة
الإسلامية، وكذا الفجور والفساد. إلا أن العائلة الأموية الحاكمة قامت
بمخالفات متعددة أوجزها الإمام في قوله :"وأن هؤلاء قد لزموا طاعة
الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود،
واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله". لقد دافع الإمام
عن حق الأمة في ضرورة تقيد الحاكم بالقوانين وعدم تجاوزها ومخالفتها،
بل الحاكم هو أجدر الناس باتباع القوانين العامة التي قام على أساسها
نظام الأمة وارتضتها.
هذه بعض اللمحات في جانب الحقوق العامة للأمة
وللإنسان التي رعاها سيد الشهداء في نهضته. إلا إن أهم الحقوق التي
رعاها الإمام هو تقيده بكل أخلاقيات ونبل المعارضة وسلميتها، وهو ما
كشف عن سمو ذاته وتقيده بالقيم قبل كل شيء. كما أن الإمام قام برعاية
حق الله جلا وعلا في عدم الركون على ظلم الظالمين والقيام بواجب جهادهم
محافظاً على حق الأمة وأجيالها القادمة في أن تعيش مؤمنة عزيزة كريمة
من خلال مشروع شهادته البطولية من جانب، والمأساوية من جانب آخر. كل
ذلك دفاعاً عن المبادئ والقيم التي آمنت بها الأمة، وهو ما جعل من
الإمام الحسين الفداء العظيم والقربان الذي قدمه أهل البيت عليهم لنهضة
الأمة الإسلامية وديمومتها وانطلاقتها، بل الحفاظ على إنسانية الإنسان
كعنصر بشري عالمي من خلال الدور الذي تلعبه الأمة الإسلامية في الحفاظ
على الاستقرار والتقدم البشري. |