المتأمل لإبداع الله سبحانه وتعالى في خلقه
الكون وتعداد ظواهره اليومية كحلول أنهار والليل وتوالي ظهور الشمس
والقمر وتفجير ينابيع الماء الصافي وغيرها وغيرها كلها أمور دفعت فضول
الإنسان ليعرف عن كل شيء كوني ما يمكن أن يتوصل إليه من حقيقة.
وآليات الكون كثير العجب العجاب فتعاقب الظواهر
وفقاً لأزمنة أو مدة زمنية محددة تقريباً يجعل العقل البشري يشعر بعظمة
القوانين الإلهية المتحكمة بالكونيات فتعاقب خسوف القمر وكسوف الشمس
وظهور أنواع المزروعات الموسمية المختلفة من موسم لآخر فما يزرع في
الشتاء هو غير ما يزرع في الصيف وهناك أنواع من المزروعات الثابتة لا
تنتج إلا في موسم معين دون غيره فالتمر (البلح) يظهر في الصيف إلى جانب
أنواع عديدة من الفاكهة، وكل ما في الكون يدعو لاكتشاف مزيد من أسرار
الطبيعة والمخلوقات.
إن علماء الطبيعة والمهتمون بها قاموا منذ أقدم
الأزمنة برحلات كثيرة إلى مشارق ومغارب الأرض ليتعرفوا إلى مزيد مما
يمكن تسجيله من مقومات حياتها وألفوا الكتب عما في الأرض وما في السماء
حتى غدا التخصص بكل مجال له فأنه المعينين بديهي لم يهمل الرحالة في
تدوين ملاحظاتهم دور الإنسان في إغناء الطبيعة وعرفوا كيف تحكم الإنسان
القديم في الزراعة كما عرفوا وسائل تطويره لها كما وصفوا المدن وفي أدب
الرحلات يقرأ المتابعون مقومات البيئة الجغرافية الناجحة للمدن الفاضلة
كما لا يخفى أن أسلوب أدب الرحلات قد عرف بعادات وتقاليد وأعراف الكثير
من المجتمعات، ومن هنا فقد تمكن مسجلوا الانطباعات ما شاهدوه برحلاتهم
من مظاهر الحياة الشعبية والعديد من المعتقدات بما في ذلك المعتقدات
التي سبقت ظهور الأديان الثلاثة.
لكل مجتمع طابعه الخاص من حيث الاهتمام بواقعه
الجغرافي وأتعس المجتمعات هو ذاك الذي لم يحافظ على جماليات جغرافية
بلده التي تعتبر في كل زمان أماكن لمعالم مضيئة يترجمها سحر الطبيعة
الخلابة وليس بالضرورة أن تكون تلك المعالم برية أو جبلية أو صحراوية
أو نهرية أو بحرية فلكل منها منظرها الخاص المقرون بالخير الذي تحويه..
فالصحراء الساخنة الأجواء نهاراً في موسم الصيف تشيع جواً صافياً نقياً
صحياً ليس فيه ما يدل أن النهار الذي مر بها كان حاراً أو جافاً. وتلك
من رحمة الله عز وعلا لعباده بحيث جعل ما يمكن أن يعاني منه إنسان
الصحراء جراء حرارة الجو أن يتمتع بجو مكيف للبرودة ليلاً.
إن المعرفة بجغرافية الكون قد تطورت بسبب قوة
الرابطة النفسية والاجتماعية للإنسان مع بيئة بغض النظر عما تكون تلك
البيئة من نوع تبرزه ومن هذه المعرفة يمكن الإيعاز إلى أن الفكر
الجغرافي هو الذي يقف وراء ازدهار المدن الحضارية التي شيدت في السهول
أو الصحارى أو الجبال وكان السبب الذي قدم نهضة جديدة تعتز بها البشرية
الآن ضمن إنجازاتها الحضارية إن لم تكن دليل قوي على حضارتها وحضاريتها.
بديهي أن في اكتشاف أسرار الأرض (ما فيها وما
عليها) مثل الوصول إلى حقيقة (بيضوية الكرة الأرضية) أو ما كان يسمى
بـ(كروية الأرض) وثم قياس حجمها وقياس محيطها الخارجي كلها أ/ور خضعت
لنشاطات دائبة كان الفضل فيها يعود إلى المناهج العلمية في البحث
الجغرافي.
وكان من فخر البشرية أن تظافرت جهود المجتمعات
القديمة من أجل الوصول إلى آخر الحقائق الجغرافية حتى يمكن القول أن
سلسلة من العلميات بهذا الشأن قد ساعدت على ظهور بعض التخصصات
الجغرافية الراقية في الكون مثل ظهور الجغرافية الفلكية واليوم
الجغرافية الفضائية بعد الجغرافية الأرضية.
لقد استمدت العلوم الجغرافية خلاصات حقائقها عن
طريق الملاحظة المستندة إلى التجارب الميدانية ويعتبر العلم الجغرافي
الذي توسع في الأزمنة المعاصرة لا لمعرفة كل شيء عن الكون فحسب بل
والتحكم أحياناً في جعل تلك المعرفة لتكون على شكل محدد مطلوب فقد وصل
هذا العلم لمعرفة ما يمكن أن تأتي به الأجواء من تغييرات في الجو
وطبائعه من حيث البرودة والحرارة وهطول الأمطار وبوقت مبكر من أجل
سيطرة أفضل للإنسان على ما يمكن تلافيه من بعض الظواهر الطبيعية (القاسية
أحياناً) كالإنذار المبكر الذي يصدره مراقبو الفيضانات وانفجار
البراكين وأحياناً حدوث الزلازل الأرضية رغم أن هذا الأخير على كون
تقدمه العلمي مازال في أول الطريق حتى غدا الإنسان المعاصر حين يبني
بناياته الشاهقة أو العالية نسبياً.. يستعمل وسائل تجعل البنايات تميل
بهيكلها عند حدوث الزلزلال لكن ما لم يستطيع الوصول إليه على أكثر
اعتقاد أن يمنع تلك الزلازل التي تشق بها الأرض لتبتلع ما عليها من ناس
وربما مدن.
لعل في معرفة الإنسان لبعض القوى الطبيعية التي
تتحكم إيجاباً أو سلباً ما يكون كالرياح والبرق والمد والجزر إن أستطاع
أن يكسب خبرات واسعة في علم الملاحة البحرية والسفر بالجو والبر وأخذ
الاحتياطات اللازمة الممكن أن تدعه دوماً في مأمن من كل احتمال سلبي. |