محور من بحث لندوة تجديد الخطاب
الديني بدمشق حيث شاركت مجلة النبأ في فعالياته
معتز الخطيب كاتب وباحث سوري
المشروع الأمريكي: تحديث
الإسلام
ولكون الولايات المتحدة لم تجد الشريك المطلوب
فيما بدا، ولكونها غير قادرة على حل الإشكاليات التي توتر العلاقات
بينها وبين الإسلاميين (خصوصاً دعمها غير المشروع لإسرائيل، العنف
والكراهية لها) فقد قررت حلها عن طريق ما أسمته بالإصلاح التعليمي
والديني لإعادة صياغة المفاهيم التي تغذي (الإرهاب) بما يتوافق مع
مصالحها، وبما يحقق لها الأمن، وبما يستجيب مع عملية الإصلاح السياسي
المفترض، والمتعثر بفضل الثقافة الدينية السائدة (وخصوصاً الجهاد) التي
تغذي بذور الكراهية بحسب رؤيتها، وهي ما سبق وصفها بـ(حرب الأفكار) أو
(حرب المبادئ) فـ(التطرف الإسلامي) لو مشينا مع التصريحات السياسية، بل
مع قول بيرل وفروم تحديداً – ليس ديانة بل هو أيديولوجية تجب مواجهتها
من خلال حرب مختلفة للتعامل مع القيم والمبادئ التي ينادي بها).
ومع (حرب المبادئ أو الأفكار) يبدو الهدف أوسع
من مجرد (الحرب على الإرهاب) ويبدو أن الرؤية الأمريكية مرت بخطوات
تدريجية حتى تبلورت في شكلها الحالي، فابتدأت من 20 سبتمبر 2001 على
لسان بوش بالدعوى إلى استنقاذ الإسلام من خاطفيه المتطرفين، وانتهت –
في مبادرة باول – إلى الإصلاح التعليمي (بالإضافة للسياسي والاقتصادي)
الذي ترافق مع الحديث عن الإصلاح الديني مروراً بالحديث عن (الإسلام
المعتدل) (استبعاد الجهاد العلاقة مع الغرب، الشريك الإسلامي، وجملة
المطالب: حقوق المرأة في أولها).
والواقع أن المدخل كان (مكافحة الإرهاب) بمفهومه
(غير التقليدي) والذي جر إلى معضلة (إصلاح العالم العربي والإسلامي)
بما يتوافق مع الأمن القومي والمصالح الأمريكية لكن تعقيدات التشخيص
وإشكاليات العلاج الأمريكيين، وما يحيط بنشر الديمقراطية من إشكالات
سياسية ودينية حول الحرب إلى مجال الأفكار والمبادئ، ليصبح الهدف أوسع
من مجرد (محاربة الإرهاب) فهو (كفاح من أجل الحداثة والعلمانية
والتعددية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية الحقيقية) وهذا يعيدنا إلى
تشخيص (فوكوياما) المبكر للإرهاب، فقد اعتبر أحداث سبتمبر (حركة
ارتجاعية عنيفة يائسة ضد العالم الحديث) فهو (صراع ضد الفاشية، أي
العقيدة الأصولية غير المتسامحة) التي تقف ضد الحداثة) والعلمانية
وعليه فإن الحرب (أوسع بكثير) من (الحرب على الإرهاب) (إنها أصولية
الإسلامية التي تشكل الخلفية لحس أوسع من المظالم وأعمق بكثير، وأكثر
انفصالاً عن الحقيقة من أي مكان آخر). (ومسيرة التاريخ العريضة ستتقدم
وفق رؤيته بناء على نتيجة الحرب العسكرية في أفغانستان والعراق،
والتطور الثاني والأهم ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه، فعلى
المجتمع الإسلامي أن يقرر ما إذا كان يريد أن يصل إلى وضع سلمي مع
الحداثة وخاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية
والتسامح الديني.
إذن فالإصلاح الديني في المنظور الأمريكي يتلخص
في تحديث الإسلام لحل إشكالية الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي، وتحقيق
الإصلاح السياسي وفق معادلة جديدة تخرج عن دعم الأنظمة الاستبدادية
مقابل (الاستقرار) وتأمين المصالح لأن هذه الأنظمة لم تعد قادرة على
منح هذا الاستقرار وهنا تتم تحولات المشهد السياسي والانتخابات
الديمقراطية التي أدت إلى صعود أحزاب اسلامية (معتدلة) في عدد من دول
الشرق الأوسط (أبرزها تركيا والمغرب والبحرين، والاحتفاء بإصلاحيين
إيران) والتي ورد الثناء عليها وعلى ديمقراطياتها في خطابات بوش وباول
وهاس.
ومشروع الإصلاح الكلي يتأسس على الإصلاح
الاقتصادي، والسياسي والتعليمي، وهذه الإصلاحات ذات صلة وثيقة ببعضها،
ويمكن إدراك أوجه الربط بينها من خلال الخطابات الأمريكية المذكورة،
التي تسعى للتدليل على رؤيتها باقتباسات عربية لكسب مشروعية وصدقية لدى
المخاطب العربي والمسلم، ويمكن إيجاز هذا الترابط في الاستراتيجية
الأمريكية من خلال نص مهم لفريد زكريا يقول فيه: (يجب على الولايات
المتحدة في البداية أن تتعرف إلى أهدافها الحقيقية، نحن لا نسعى إلى
الديمقراطية في الشرق الأوسط، ليس الآن على الأقل، نحن نسعى أولاً لما
يمكن تسميته بالشروط المسبقة للديمقراطية، أو ما دعوته أنا
بـ(الليبرالية الدستورية) سيادة القانون، الحقوق الفردية، الملكية
الخاصة، المحاكم المستقلة، والفصل بين الكنيسة والدولة، وفي العالم
الغربي اندمجت هاتان الفكرتان معاً – وعنها نتجت الديمقراطية
الليبرالية – لكنهما تمايزتا تاريخياً وتحليلياً.
وضمن (الشروط المسبقة) هذه، تندرج محاور التحرك
الأمريكي في المنطقة للإصلاح بممارسة الضغوط وقائمة المطالب بصيغة (الشراكة)
لكن الممر الأكثر ديمومة للإصلاح سيكون اقتصادياً، فطلب الغنى،
فالإصلاحات الاقتصادية تعني البداية لسيادة القانون، والانفتاح على
العالم، وتشكل طبقة من رجال الأعمال (ستكون هي مفتاح الديمقراطية
الليبرالية) لأن لهم مصلحة في الانفتاح والاستقرار، والحداثة، ومن ثم
ستكون قوة التغيير الحقيقي في الشرق الأوسط، بحسب زكريا.
في هذا السياق نفهم معنى (اقتراح بوش إقامة
منطقة تجارة حرة مع الشرق الأوسط) ضمن الحرب على الإرهاب، وعملية
الإصلاح القضائي التي رعتها أمريكا في البحرين (9/2003م) وعملية تحديث
الإسلام ليتقبل العلمانية والليبرالية والقيم (الغربية – العالمية)
بتعبير ولفويتز الملحّ، والمجادلة بأن الإسلام قادر على تقبل ذلك،
وتغيير المناهج بما يتوافق مع الليبرالية والعلمانية (القبول بالآخر،
وحذف الجهاد، وثقافة التطبيع، وثقافة حقوق الإنسان).
aboalibassam@gawab.com |