(إن
ساحة العلم والمعرفة ودائرة الفكر والعقل واسعة وخصبة، لا بد دائماً
للإنسان في إعمال الفكر، وتوسعة دائرة العلم، والاستفادة من ثمارها، في
تقدم الحياة الإنسانية، وبناء النهضة، وتحقيق الرفاه للمجتمع، وازدهار
الحضارة، والحقائق العلمية ضرورية لكل مسعى في الحياة ولا بد من
الاعتماد عليها).
نقرأ في (التقديم) الذي كتبه (د. وهبة الزحيلي)
هذه العبارات:
الإنسان بعقله ووعيه وفكره مطالب على الدوام
بتفعيل النظريات العلمية وبإغنائها بالتجربة والتطبيق وتطوير المعارف
في كل أوان.
وجدير بنا أن نعتمد على العلم في كل مرحلة من
مراحل الحياة وبناء الثقافة ومنافسة العالم وإثبات الذات في عصرنا
الحاضر وفي كل عصر، وهذا التوجه الحكيم في وضع أطر الحياة المعاصرة
والاعتماد على العلم والمعرفة والتقنية الحديثة والمعلوماتية الجديدة..
ونقرأ في محور (مدخل) هذه السطور:
نحن نشهد الواقع العربي الراهن يعاني الإرهاصات
في شتى مجالات الحياة الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، وحتى
الأخلاقية؟
هل هي حالة من الانكفاء الماورائي إلى مخبأت
التراث لعل فيها بعض السلوى مما نعانيه من الواقع المثقل بالانكسارات؟
فتكون حالنا، كالظمآن يتعلل بخيوط السراب؟
أم هي صحوة الوعي، تستجمع طاقاتها المبعثرة في
شتى الاتجاهات، فتعيد تنسيقها حزمة واحدة ليس من شيء سواها..
ما نراه، تحديداً هو أن الواقع العربي، في هذه
المرحلة الضاغطة إنما يعاني أزمة فكر، بالترتيب الأهم، قبل أي حالة
أخرى في المعاناة.
ويمكن لنا – دون كبير جهد – أن نرصد تشتت الفكر
العربي في التعامل مع مستجدات الواقع الحياتي الراهن، في واحد من ثلاثة
اتجاهات:
- فالأول يرى الخلاص في أن نقتلع أنفسنا من
الزمان، بدعوى اللحاق بالأمم التي حازت قصب السبق في التطور، بما حققته
من إنجازات وهو الطريق الأيسر والأسهل، فنكون رضينا موقع التبعية التي
هي العطالة في المعايير الحضارية.
- والثاني يرى الانكفائية سبيله إلى الخلاص،
فيتقوقع في حدود المكان... وهذه حالة: موت الأحياء!
- ولعله الثالث، بدأت خطوط ولادته، تترسخ في
صحوة الوعي... وعندها فقط تتهيأ لهذه الأمة مستلزمات النهوض الحضاري
بتفعيل الفكر في مختلف مجالات الإبداع.
ثم نقرأ في محور (نظرية الخلق في الفكر العربي
الإسلامي) هذه السطور:
مفتاح الدخول إلى (مسألة الخلق) التي تشغل حيزاً
واسعاً من التراث العربي الإسلامي، وكان لها – وما زال، تأثيرها الكبير
في تشعب المذاهب الدينية والفكرية الفلسفية وانعكاساتها في التطور
الحضاري.. يتمحور – أساساً، في هذا الكائن (المخلوق) الذي اسمه (الإنسان)
وذلك بما خص به من ملكة الفكر، دون سواه من الكائنات الأخرى التي لا
تعد ولا تحصى. والتي تؤلف مجتمعة قوام هذا العالم.
هذا (الإنسان) في حقيقته الخلقية، بعلّة أنه
العاقل المفكر أمتلك أداء الفعل، فارتقت به (الحركة) التي هي في أساس
حقيقة الوجود.. إلى مستوى (الفعل) الذي يتقصد تحقيق غاية أرادها الفكر
لدى الإنسان، فترتب على هذه المعادلة نشأة الزمن، وانفتحت للحياة آفاق
التطور والارتقاء.
وكذلك نقرأ في محور (نظرية الحدوث من العدم) هذه
الإشارات:
هذه النظرية الفلسفية الفكرية، في تراث الفكر
العربي الإسلامي، اعتمدها من يعرفون (بعلماء الكلام).
ولا يخفى أن انفتاح الفكر العربي في مرحلة
الفتوحات الإسلامية الأولى، قد هيأ له الإطلاع على ثقافات الأمم الأخرى،
وبخاصة ثقافة الإغريق (اليونان) وغيرهم، فأقبل العلماء العرب على
الترجمة والتصنيف والتأليف، بفكر منفتح على كل هذه المناهل الثقافية
دون أن تتأثر مكوّناتهم الإسلامية التي هي المرجعية الأساس في كل
المعايير الفكرية والفلسفية التي أطلعوا عليها فأقروا ما كان متوافقاً
مع هذه المعتقدات الإسلامية، ونبذوا ما عارضها أو تباين معها، فحاولوا
– جهدهم – أن يحولوا الفلسفات الوافدة من أمثال آراء مشاهير الفلاسفة (أرسطو
– افلوطين (افلاطون) – أبرقليس) وغيرهم ممن كتب في مسألة خلق العالم،
فأضافوا غليه من التحليلات والتعليلات المنطقية ما يتماشى مع الرؤية
الإسلامية لهذه المسألة المعقدة فكان (المنطق) الكلامي التحليلي سلاحهم
الفعّال في مجالس العلم والمناظرات.. حتى لحقت بهم تسمية (مدرسة الكلام).
وهؤلاء... الذين اهتموا بعلم الكلام الذي يقدم
الأدلة العقلية لتدعيم العقيدة الإسلامية، بغرض أن تكون لها السيادة
الفكرية والسلوكية التطبيقية في المجتمعات الإسلامية المترامية الأطراف.
المؤلف:
د. معن صلاح الدين علي
الناشر:
دار الينابيع طباعة نشر توزيع (دمشق – سورية)
التفاصيل:
الطبعة الأولى 2002م (100)
صفحة من القطع المتوسط
|