يدعو الدكتور اديب صعب في كتابه الجديد "وحدة في
التنوع ــ محاور وحوارات في الفكر الديني" إلى فصل الدين عن الدولة
لكنه لا يرفض الدولة "الدينية" إذا ارسيت على جوهر الدين.
ويشدد الاستاذ الجامعي والباحث في موضوعات الفكر
الديني على عدم صحة مقولة شائعة هي أن الاسلام دين ودولة وان المسيحية
ليست كذلك ويرى أن كل دين من الاديان هو بمعنى من المعاني دين ودولة.
في الكتاب الجديد الذي صدر في 252 صفحة من القطع
الكبير عن "دار النهار" للنشر يدعو صعب وهو شاعر واستاذ في "جامعة
البلمند" إلى فصل الدين عن الدولة أي إلى ما يعرف باسم العلمانية.
لكنه يقول إن هناك نوعين من
العلمانية..العلمانية "المتطرفة أو القاسية" والعلمانية اللينة
أوالمعتدلة.
وعنده ان العلمانية المتطرفة "في التحليل الأخير
تترجم إلى أنظمة قمعية تهدد القيم الاجتماعية التي قامت العلمانية
الصحيحة لحمايتها وهي الحرية والعدالة والمساواة. فهذه العلمانية هي من
نوع الدولة الدينية التي أدعى النظام العلماني المتطرف انه جاء كي يصحح
اخطاءها ..."
أضاف أن هذه العلمانية المتطرفة تذهب أبعد كثيرا
من فصل الدين عن الدولة إلى حد محاربته في المجتمع. أما العلمانية
اللينة فتكتفي بفصل الدين عن الدولة مع اعتبار الدين من أهم المؤسسات
الاجتماعية والحضارية..ومعاملة الأديان كلها على قدم المساوة وعدم
التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الديني.
وهو يقبل فكرة الدولة "الدينية" بمعنى تلك التي
تقيم نظام الحكم على جوهر الدين فهي تصبح هنا مساوية للدولة العلمانية
التي يدعو إليها. ويرى انطلاقا من هذا "إن الدولة التي تنتهج قيم
الحرية والعدالة والمساواة واحترام كرامة الانسان واتاحة أفضل الظروف
له لتحقيق أعلى امكاناته هي اذن دولة تقيم نظام الحكم على جوهر الدين
والدين قبل أي شيء آخر هو جوهر. إنه جوهر قبل أن يكون اسما."
ويتحدث صعب عن المسيحية فيقول "إن المسيحية لا
تختلف عن الاسلام من حيث كون الاثنين " دينا " و" دولة." والحق أن كل
دين هو هكذا بطبيعته إذ يتناول كل شيء في حياة الانسان واضعا اياه في
ضوء مثالي فالمواطن من أي دين ...أما ان يبني نظرته إلى الحياة بما
فيها نظرته الاجتماعية والسياسية على ايمانه الديني وأما أن يتحمل
تبعات الانفصام الذهني والنفسي والروحي المترتبة على هذا الفصل."
وفي اعتقاده ان قول المسيح " مملكتي ليست من هذا
العالم" وهو قول يكثر الاستشهاد به في هذه المجالات قد اخرج من نطاقه
التاريخي واسيء فهمه روحيا وفكريا. يقول صعب إن هذا الكلام لا يعني أن
رسالة المسيح "مقصورة على الحياة الأخرى وان الدين ليس معنيا بهذا
العالم. إن الرسالات الدينية كلها تدور على تحسين حياة الانسان على هذه
الارض ورفع شانها. لذلك تشدد المسيحية على انه "ليس لنا هنا مدينة
باقية" فيما يشدد الإسلام على أن "الاخرة خير وأبقى."
وفي رأي صعب ان "الحكم الديني ليس كما يتوهم
دعاته حكم الله على الأرض لكنه حكم الناس باسم الله وتحميله بالتالي كل
مساوئهم وشرورهم ونقائصهم وسقطاتهم ومحدودياتهم. وهذا نوع صارخ من
أنواع الشرك يحاول معه الانسان رفع ذاته المحدودة إلى مقام الالوهية."
واستشهد بأراء مفكرين مسلمين رفضوا فكرة الدولة الدينية ومنهم علي عبد
الرازق وخالد محمد خالد ومحمد سعيد العشماوي.
وعن موضوع التسامح وعن أن الاديان تلتقي في
الجوهر وإنها تتمايز في التفاصيل ومن الخطا المفاضلة بينها قال صعب
المتخصص في الفلسفة "التسامح الذي ندعو إليه ونسميه تسامحا حقيقيا ليس
نوعا من غض النظر أو"العفو عند المقدرة" أو تحاشي الخوض في الموضوعات
التي تفرق. التسامح الحقيقي غير التساهل.إنه موقف صادق نابع من القلب
يرى فيه المرء أنه ليس بالضرورة أصح دينا من الآخر ولا الآخر ادنى دينا
منه بل انهما متساويان وان عقيدة الواحد مختلفة عن عقيدة الآخر كما
يختلف اثنان في الانتماء القومي أو اللغوي من غير أن تكون قومية احدهما
أو لغته "افضل " من قومية الآخر أو لغته."
ويرفض المؤلف التعصب في معناه "السلبي" السيء
الذي عرف العالم ويلاته لكنه يؤيد نوعا آخر من "التعصب الايجابي " وهذا
يعني هنا "الغيرة في الدين والدفاع عنه في وجه من يريد اكراه أصحابه
على هجره. "إننا لا ندعو البتة إلى دين يغدو فيه التسامح مرادفا لذلك
الموقف الفاتر الذي ادانه (الانجيل في رؤيا يوحنا في) العهد الجديد إذ
قال " ليتك كنت باردا أو حارا. هكذا لا نك فاتر و لست باردا أو حارا
أنا مزمع على ان اتقياك من فمي."
ورأى ان هناك شكلا "عصريا" من التعصب يسمى
الأصولية وهي مستعملة "على نطاق واسع جدا اليوم مع بروز حركات الاحياء
الديني. ومما تعنيه الاصولية الفهم الحرفي للنصوص من غير النفاد إلى
الجوهر. هكذا يغدو التلاقي بين الأديان مستحيلا لأن ظاهر النصوص
الدينية المختلفة يعارض بعضه بعضا" أحيانا. ونفي أن تكون الاصولية
مقتصرة على الاسلام. وقال إن حركات أصولية كثيرة ظهرت في المسيحية
واليهودية وسواهما. "
وفي ما يعيد إلى الذاكرة ما واجهه عاملون في
وكالات أنباء وصحف في الربع الأخير من القرن الماضي في سعيهم إلى ايجاد
تعبير عربي لمصطلح "فنديماتاليزم" الذي كان يرد في لغات أجنبية
وانتقالهم في الترجمة العربية من تعبير "دعاة العودة إلى أصول الدين"
حينا إلى التعبير القديم الجديد "السلفيين" حينا آخر والاستقرار أخيرا
على كلمة "الاصوليين" ..قال صعب إن الاصولية هي أساسا صفة "بعض الحركات
البروتستانتية المتطرفة خاصة في الولايات المتحدة." واستشهد بقول
للعشماوي بأن التطرف والقبلية والصراع التي ميزت عرب الجاهلية غريبة عن
روح الاسلام وان الأصولية المعاصرة هي استمرار لفكر الخوارج الذين
كانوا يدينون كل من يخالفهم الرأي ويكفرونه ويهدرون دمه.
قال صعب " ثمة حاجة اذن إلى دستور ايمان مشترك
لا يدعي ابطال عقائد الاديان والحلول محلها بل يكون معبرا عن الوحدة في
التعدد..." وتناول موضوع الحوار المسكوني بين جماعات دينية متعددة فقال
" ولا بد في ضوء ما قلناه من تعديل مفهوم "المسكونية" الذي اتسع
انتشاره في بعض الأوساط في الآونة الأخيرة فلا يبقى محصورا ضمن بعض
المذاهب المسيحية بل يعمم على الأديان كلها. ولعل هذا اللقاء الضمني في
العمق يكون سبيلا للحوار والتفاهم والسلام بين مختلف الاديان والاقوام
والحضارات." (رويترز) |