(عند متابعة صفحات التاريخ، وما تحمل في داخلها
من أحداث ووقائع، نجد في صفحاته بصيص من نور لامع، يشتعل فجأة ثم يسير
مسافة في تلك الصفحة ثم ينطفئ).
نقرأ في الـ(مقدمة) هذه السطور:
الكل يعلم أن التاريخ لم يقف منذ أن بدأ، فكل
يوم هو صفحة جديدة من التاريخ، والشاهد في الأمر أن هذا (النور) لازال
يضيء في كل صفحة.. ويحاول دائماً اختراق ظلماتها.
عندما حاولت تعريف ذلك النور.. رأيت نفسي عاجزاً
عن تفسيره، لأنه عرّف نفسه بنفسه، وبه عرفت الأشياء من حولي، وحين عدت
إلى صفحات التاريخ ووجدت أنه هو الذي يميز ظلامها عن نورها، ازددت حيرة
وصرت أضرب أخماساً بأسداس.. فلم أجد جواباً، لجأت إلى ربي وطلبت منه أن
يعرفني النور، فقلت إن النور هو النور!!
هكذا يعجز الإنسان حين يريد تعريف الحسين (ع)
لأنه سيصل إلى مرحلة لا يقول فيها سوى أن الحسين (ع) هو الحسين!!
ونقرأ في حقل (مشاهد) هذه التعابير:
على مقربة من شاطئ البحر كان هو وصديقه يقضيان
عطلة نهاية الأسبوع يروحان عن نفسيهما بعض أتعاب الدراسة المنهكة، حيث
النسيم العليل، وأمواج البحر، التي ترفع عن نفس الإنسان همومه وأتعابه..
ونقرأ في حقل (إطلالة) هذه الإشارات:
لا يشك أحد منا ينظر إلى ما يدور في هذا العالم
الرحب، وما يفعل الإنسان في حياته أن هنالك مشكلة يعانيها الإنسان. فما
أن تفتح التلفاز لنرى نشرة الأخبار، أو تطالع في جريدتك اليومية، أو
تسمع المذياع، أو تتصفح أحد المواقع الإخبارية على الانترنيت إلا
وتتأكد لديك هذه الفكرة أكثر فأكثر، فمن حرب هنا إلى سرقة هناك، إلى
قتل هنا، أو استبداد وتسلط هناك، أو هتك عرض، أو ظلم نفس أو.. أو.. أو..
الخ.
هذا هو الإنسان وهكذا كان وهكذا سيظل على ما هو
عليه إن لم يسأل نفسه ويحاسبها على ما تفعل، فالإنسان هو الإنسان عاش
في كوخ أو بناية، أو قرية أو مدينة، فتراه حيث كان في القرية يظلم
ويقتل ويسرق، وحيث هو في المدينة تراه أيضاً يظلم ويقتل ويسرق.
فلو تساءلنا مع أنفسنا أين تكمن مشكلة الإنسان؛
ولم تصدر منه هذه الأفعال الشنيعة؟ والى متى سيظل على هذه الحال؟ أو لم
يخرج من العصر الحجري الأول حيث يأكل المأكولات بلا طهي أو شوي؟ وكان
يعيش في الأكواخ والكهوف ويستر عورته بورق الأشجار، وكان يمشي حافياً
بلا نعل ولا حذاء.
ثم بعد أن خرج من هذه الحالة وأستطاع اليوم أن
يصل إلى الفضاء أو يطأ برجليه القمر، ويغوص في قعر البحار، ويتوغل في
لب الجبال القاسية حتى أنه يقدر أن يهشمها حتى تصبح كالرماد المبثوث،
بل وأستطاع أن يصل إلى أبعد من ذلك ويتدخل في تغيير مكوناته الأساسية
قبل أن يصل إلى الحياة بعد أن اكتشف الخريطة الجينية، بعد كل ذلك لا
يزال هو هو، يظلم ويسرق ويقتل.
لو أردنا أن نرجع كل هذه المشاكل إلى جذر واحد
تنبع منه المصائب لقلنا أنه (الجهل) هذا الذي سعى الإنسان منذ أن وجد
على الأرض لمحاربته..
ثم نقرأ في حقل (مشكلة الموت!) هذه الكلمات:
والحقيقة الكبرى التي تصدم الإنسان بين الحين
والآخر، وتجعله يعود قليلاً إلى ذاته، ويتفكر بها، هي حقيقة (الموت)،
فإنها الحقيقة التي تبدد كل غرور الإنسان بذاته، وتجعله يعيد قراءة
ملفات حياته، سواء في علاقته مع نفسه أو مع أهله وجيرانه، أو مع الذين
أكل حقهم، وكل واحد منا لا بد أنه رأى هذه الحقيقة (الموت) مرأى العين،
أما في صديق عزيز له، أو في أحد أجداده، أو في أحد أخوته، أو في أحد
والديه.. وعلى أقل التقارير سمع بها في يوم من الأيام.
وعند ملاحظة حياة الإنسان منذ أ، وجد على هذه
الأرض وحتى اليوم نراه يقف أمام هذه الحقيقة – الموت – ويتفكر فيها
ملياً، ومن خلالها برز السؤال الكبير (من أنا) و(ما هو المطلوب مني؟)
و(إلى أين أذهب؟) ومن خلال إجاباته على هذه الأسئلة سيتحدد مساره في
الحياة، أي ستتحدد فلسفته في الحياة، والناس في الإجابة عنها على مذاهب
وفرق متعددة جداً، قد عرضها الله – عز وجل – في كتابه المنزّل...
وكذلك نقرأ في حقل (الإنسان والموت) هذه
التذكيرات:
بعد هذه الجولة في التفكر في حقيقة الإنسان،
وبعض خصائصه، حيث رأينا أن ذاته الجهل والظلمة والضعف، يجدر بنا أن نقف
قليلاً عند حقيقة الموت، هذه الحقيقة التي أقضت مضاجع البشر خوفاً منها،
وهلوستهم، وأسقطت كل ملذات الحياة من أعينهم، وكم لعنوها وكرهوها،
لأنها خطفت منهم الأحبة والأعزاء... ووقفوا أمامها حيارى مذهولين هلعين،...
المؤلف:
حسن جمال البلوشي
تفصيلات:
الطبعة الأولى 1425هـ -
2004م
(136) صفحة من القطع الصغير
الناشر:
لجنة سيد الشهداء الخيرية |