قال سبحانه وتعالى (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقاً..).
من منطق التفكير المصلحي عند الإنسان المعاصر
وخوضه في مجالاتها المختلفة لجلبها إلى خانته وتسييرها إلى رافده وبعد
الكدّ الطويل والجهد الشاق ثم تكرر خيبات الأمل ربما حتى من الأقربين
لديه وقصر العمر تبين له أن الحق يظهر ويعلو دائماً والزيف والباطل
يزهق ويتلاشى، وعلم يقيناً أن من صارع الحق صرعه.
وبعد المآسي والويلات والحروب المدمرة وعدم
جدوائية فكرة إفناء وإزالة الطرف الآخر لعدم الإمكان وكل هذه أدت إلى
تليين رأسه وترطيب أفكاره فبدأ المفكرون بطرح الحوارات الثقافية
والدينية والحضارية وإن هذه أيضاً ناشئة عن مصالح ملحة في معرفة شعوب
العالم المستعمرة من قبل الدول الغنية والتطلع على عاداتهم ودياناتهم
لسهولة التعامل معهم وعلى أية حال الحوارات ضرورة إنسانية.
والهدف من هذه الحواريات هو محاولة المجتمع
والأفراد استكشاف الآخر المختلف كما هو وإدراكه معرفياً دون تطويق
الرؤية والاستفادة السياسية أو الدعوية منها.
والفكرة الحضارية العميقة يستفيد منها جميع
البشر بغض النظر عن صدورها من قبل من بل مدى المعالجة والاستراتيجية
فيها وحجم الفائدة منها. وعند المسلمين أيام الحج في مكة المكرمة أكبر
تجمع إسلامي من مختلف بقاع الأرض ومختلف الألوان والجنسيات في أكبر
مؤتمر عفوي إلهي يمكن الاستفادة منها في حوارات الأديان والمذاهب
والثقافات والحضارات أيضاً.
وهنا للحكومة السعودية دور كبير في تنظيم ذلك
المؤتمرات إذ أرادت التعاون والإصلاح وفسح المجال لكافة الطوائف
والمذاهب المشاركة والتعبير عن آرائهم باعتدال وحواري واستعادة الدور
الريادي الكبير كما كان من النبي )(ص) والخلفاء المعصومين )(ع) ففي عصر
الإمام جعفر الصادق (ع) تميزت مدرسته على المذاهب الأخرى بحرية الرأي
والبحث فكان من أهم أسباب انتشار المعارف الجعفرية وذيوعها.
فكان مدرسته ومجلسه (ع) بحق يمثلان منبراً حراً
لتلامذته ومريديه، لهم أن يسألوا ولهم أن يعترضوا ولهم أن يعبروا عن
آرائهم وإحساساتهم بحرية تامة، كما أن من حقهم أن ينتقدوا آراء
أساتذتهم ولم يكن الإمام (ع) يفرض على تلامذته رأياً معيناً، ولا كان
يطلب منهم الإذعان لرأيه، ومع ذلك، فقد كان الأمر ينتهي دائماً
بإذعانهم، بالنظر إلى الأسلوب العلمي الرصين الذي كان الإمام يعتمد
عليه للتدليل على رأيه بالحجة الناصعة والمنطق السليم والبيان الواثق،
مع علم المترددين على دروس الإمام الصادق (ع) أن الإمام لن ينفعهم
مادياً، بل ربما يعرضهم لتهديدات السلطة ومضايقاتهم، مع كل ذلك كانوا
يحضرون مجلسه لإخلاصه المستقر في النفس وإيمانه العميق وأسلوبه العذب
باستهداف الحقائق وجواهر المعرفة.
وكان الإمام الصادق (ع) يؤمن بما يقول، ويأخذ
بالواقع لا بالمثاليات، ولهذا لم يتوسل أبداً في دروسه بأسلوب (البوتوبيا)
والمدينة الفاضلة الذي سيطر على تفكير المجتمع الأوروبي منذ بداية
القرن السادس عشر الميلادي وكل هذا باعترافات علماء غربيين.
وأتباعه في منهجه المدرسي وأسلوبه العلمي وهم
الشيعة الإمامية أيضاً مازالوا متمسكين بمنهجه (ع) وبفلسفته وأفكاره
النيرة ومناظرته العلمية العادلة والسلمية دون اللجوء إلى العنف
والتكفير.
وليس كما ينشره الدعايات المضادة من ترميهم
بالكفر والزندقة. |