تزخر لغتنا العربية الجميلة بأصولها ومناهجها
الواضحة كأي لغة عالمية حية بل وربما تفوق بعضها بكثير من المجالات
والأرومة قياساً لما هو سائد في لغات أخرى وعلم الدلالة الذي يبحث في
المعاني ويعرّف على كونه علم (معنى المعنى) من باب التعبير اللغوي
الفلسفي يمتد لدراسة كل ما يتصل بطبيعة المعنى وما يمكن أن يتفرع على
أساسه من مقاصد وتعريفات وربما إشكالات لغوية في نظام اللغة المتداولة.
يمكن اعتبار علم الدالالة اللغوية جديد نسبياً
على الحياة اللغوية الراقية المعاصرة ويمكن اعتباره علماً مثمراً
استحدثته الدراسات اللغوية الحديثة، وإن كان في الأصل متفق على ممارسة
ما يتطلبه الحفاظ على اللغة المعينة من حرص وبهذا يمكن التعميم إن علم
الدلالة تفتقر إليه أي لغة باعتباره أهم ركن علمي يمكن أن يقدم اللغة
أو يؤخرها عن ركب التطور اللغوي المتصف ببطئ خطوات تطوره ضمن خط الصراع
اللغوي اللامعلن.
إن علم الدلالة علم مشاع في كافة أنحاء العالم
وبعض اللغات العالمية تتابع ما يمكن أن يقدم لها هذا العلم من خدمات
تركز تداول لغاتها وتغري المجتمعات الأخرى لتعلمها أكثر كاللغة
الفرنسية والإنجليزية والروسية على سبيل المثال إلا أن علماء اللغة
العرب لم ينصرفوا بعد بصورة واسعة للاستفادة الشاملة عبر تقديم دراسات
مبتكرة يمكن أن تبحث في كيفية تطوير الأسلوب الممكن أن يسنده علم
الدلالة بما لا يجعل العربية لغة ينفر من تعلمها الأجانب مثلاً خاصة
وأن الدعاية اللغوية السائدة عن العربية بكونها اللغة الأصعب بين بقية
اللغات الحية في حين تشترك العديد من اللغات في بعض مجالاتها الصعبة
كالقواعد أو ما يطلق عليها في اللغة العربية بـ(النحو) مع أن لغات حية
معروفة عالمياً لا تقل عن العربية في نموذجها القواعدي صعوبة لكنها
لغات متداولة عالمياً كاللغة الألمانية التي غالباً ما تنتهي صيغة
الفعل فيها مثلاً في آخر الجملة وليس في أولها أوسطها كما هو الحال في
أكثر بقية اللغات المشهورة.
ولأن حياة أي لغة متوقف على نمائها أكثر
وبالتالي تطورها فإزالة أي تعقيد من قوانينها هي مهمة اللغويين
الوطنيين القائمين على معرفتها وبالذات العاملين في مجامع اللغة
العربية ومن باب التأييد فإن أفضل نظرة نقدية إلى قوانين أي لغة ما
يؤدي إلى الاعتراف بنقاط ضعفها أو تعقيد نظام فيها فحصر الأسباب التي
تحول دون إجراء انفراج على تلك القوانين سواء في (القواعد أو الكتابة
أو الاستعراب..) يفضل أن توضع على بساط البحث فلكل مشكلة لغوية يوجد
أسلوب ناجح يمكن منه تقديم الأفضل علمياً حيث لا مشكلة لغوية يمكن أن
تبقى دون حل..
ولعل البحث في تركيبة المفردات اللغوية وما هو
حاصل لها من تطور يوضح المعنى العام أو الخاص فيها، والإشارة إلى
المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وربما إلى المعنى الحسي لأي مفردة
يمكن الاستدلال عليه من سياق الكلام ومقاصده فالمفردة بزخم كل أصوات (حروفها
وحركاتها) ممكن أن تعطي أكثر من معنى مع أن لفظ تلك المفردة واحد ولا
يتغير والأمثلة بهذا السبيل كثيرة.
وإذ تبين أن علم الدلالة وسيلة مثلى يقود
الإلمام به لمعرفة المعنى الحقيقي المراد من مفردة تحوي معانٍ أخرى فإن
ما لا ينسى أن حركة علم الدلالة بالنسبة للغة العربية بصفتها لغة
القرآن السماوي الكريم فقد كان اهتمام المسلمين الأوائل بألفاظ القرآن
المجيد وبالذات بعد رحيل نبي الإنسانية محمد (ص) إلى جوار الرب العلي
القدير الله سبحانه عز وجل.. اهتماماً كبيراً. ولو تمت العودة إلى
التراث الديني الإسلامي فيما يخص العمل لنشر القرآن المجيد بمعاني
كلامه المقصود لأمكن القول أن حركة تفسير القرآن الكريم لعبت دوراً في
تثبيت دلائل بعض معانيه المأخوذة من نظائر العديد من مفرداته التي نقلت
عبر أكثر من تفسير.
ويدخل (السماع) كأحد المصادر المعوّل عليها في
استقراء المفردة اللغوية المنطوقة بهدف تبيان المعنى من المقابل ويحدد
ذلك على الغالب من سياق الجملة عند المتكلم إلا أن هناك ثمة فارق بين (السماع)
و (المكتوب) ففي الحالة الأولى يكون التركيز أكثر لفهم المعنى.. مباشرة
وبسرعة وذكاء لأن العبارة المنطوقة عادة غير قابلة للإعادة من قبل
ناطقها وهذا ما يشكل بذل تركيز ذهني أكثر عند السامع لكن المكتوب أي
المدوّن على الورق فإن الجملة في خلاصة معناها.. تكون واضحة وأكثر يسراً
على الفهم ولا يحتاج الأمر لمعرفة مقصدها وقتاً طويلاً.
إن حاضر اللغة العربية اليوم يحتاج حاجة ماسة
لاعتماد على علم الدلالة ضمن الاهتمامات الطموحة لتطوير اللغة العربية
وتيسير وتبسيط مجالاتها أكثر وأكثر ففي فهم هذا الحاضر للعربية تقوية
للفصاحة فيها واللغة كعملية ديناميكية يمكن أن تلعب دوراً في تقنين
المعاني للمفردة اللغوية الواحدة ضمن إطار زمني وإطار مكاني ملائمان
لتعضيد مستوعب يمكن من خلاله تقديم خدمة جليلة للغة العرب ولغة الإسلام
ولغة الإنسانية – اللغة العربية. |