(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) سورة هود:
الآية: 1
نقرأ في (المقدمة) تحت عنوانها الأول (القرآن في
لسان أهل البيت (ع) هذه السطور:
أما بعد.. فالقرآن الكريم: هو كتاب الله المنزل
على الرسول المبجل محمد بن عبد الله (ع).
فقد قال الإمام الصادق (ع): (هو كلام الله وقول
الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله)، قوله فصل وحكمهُ عدل يسير مع
الأمة كمسير الشمس والقمر، حيث أنهما يأتيان للعالم كل يوم بالجديد
والمفيد..
وكذلك القرآن الكريم، فهو لكل قوم.. بل لكل
البشر.. وفي كل عصر ومصر منذ أن نزل على رسول الله (ص)، والى آخر لحظة
من عمر الكون باقياً بقاء الحق والصدق والقسط والعدل، وهو لكل الأقوام
يكون غصناً طرياً وفي كل الأوقات نوراً مضيئاً. وفي كل العصور غوثاً
ندياً، ولكل المؤمنين معاذاً وملاذاً أبدياً.
فعن الإمام الرضا (ع) قال: (هو القرآن) حبل الله
المتين وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدي إلى الجنة والمنجي من
النار، وحجة على كل إنسان.. تنزيل من حكيم حميد..).
وهو المعجزة الخالدة التي أيد بها الله سبحانه
رسوله المصطفى (ص) وكشف به عن رسالته الخالدة التي تحدت ومازالت تتحدى
الناس على اختلاف مللهم ونحلهم على أن يأتوا بسورة من مثله ولو كانت
سطراً واحداً كسورة الكوثر المباركة.. فهو أحسن الحديث، وأجمل القصص،
وأعظم الحكم لارقى الأمم، ولكل من يريد أن ينتشل نفسه من ظلمات الجهل
والفتن إلى نور العلم والأمن والاطمئنان).
ونقرأ في محور (الصبر مفتاح النجاح) هذه السطور:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (سورة البقرة:
153).
وقد ذكرت الاستعانة والعون في الروايات الشريفة،
ففي رسالة الإمام الصادق (ع) إلى النجاشي قال فيها: و(ومن أعان أخاه
المؤمن على سلطان جائر، أعانه الله على إجازة الصراط عند زلزلة الأقدام).
كما نقرأ في محور (الشكر طريق الكمال) هذه
السطور: (الشكر: تصور النعمة وإظهارها، ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة
وسترها، وجاءت لفظة الشكر في القرآن في آيات متعددة منها قوله تعالى:
(مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ
شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)، ثم نقرأ في محور (القصاص حياة الشعوب) هذه
السطور: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ
فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالأُنثَى بِالأُنثَى) (سورة البقرة: 178).
القصاص: هو تتبع الدم.. قال تعالى: (ولكم في
القصاص حياة) ويقال قص فلان فلاناً، وضربه ضرباً فأقصه أي أدناه من
الموت).
أما في العنوان الفرعي (العفو بدل القصاص)
المدرج ضمن المحور الآنف فنقرأ:
(في نفس الوقت الذي يدعو فيه القرآن الحكيم إلى
تطبيق مبدأ القصاص ويؤكد عليه بشدة، تجده إلى جانب ذلك يطرح مبدأ العفو
والمسامحة، واستبدال القتل بالدية وهي ثمن المقتول يسلم إلى أهله وذويه
لأن الرحمة والتراحم من أهم مقومات المجتمع المتماسك لذلك يطرحه القرآن
في أحلك الظروف، وأشد المواقف ليقوي العزائم ويشد أواصر المجتمع بقوة...)
وبعد إذن يأتينا العنوان الفرعي ضمن ذات المحور
وهو (سوادة يقتص من الرسول (ص) حيث نقرأ فيه هذه المأثرة القيادية
الخالدة أبد الدهر للنبي محمد (ص) القدوة الأولى في الكون الإلهي هذه
السطور الساطعة المبرهنة لتلك المأثرة (وفي مثل هذا الصدد تحضرني قصة
سوادة الذي ادعى أن له على النبي (ص) حقاً فطالبه بالقصاص فلا بأس
بذكرها: ففي التاريخ أن رسول الله (ص) في أواخر حياته قال لبلال: يا
بلال هلّم عليّ بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله (ص) متعصباً
بعمامته متوكياً على قوسه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(يا معشر أصحابي أي نبي كنتم لكم؟ ألم أجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر
رباعيتي؟ ألم يعفر جبيني؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي حتى كنفت لحيتي؟
ألم أكابد الشدة والجهد مع جمال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟)
قالوا: بلى يا رسول الله لقد كنت لله صابراً وعن
منكر بلاء الله ناهياً. فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال: (وأنتم
فجزاكم الله، ثم قال: إن ربي عز وجل حكم وأقسم أن لا يجوزه، ظلم ظالم،
فناشدتكم بالله أي رجل منكم كانت هل قبل محمد فظلمه إلا قام فليقتص منه
فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس
الملائكة والأنبياء) فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له سوادة بني
قيس، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله إنك لما أقبلت من الطائف
استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب
وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ولا أدري عمداً أو خطأً فقال (ص): (معاذ
الله أن أكون تعمدت، ثم قال: يا بلال قم إلى منزل فاطمة، فأتني بالقضيب
الممشوق) فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة معاشر الناس من ذا الذي
يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة فهذا محمد (ص) يعطي القصاص من
نفسه قبل يوم القيامة، وطرق بلال الباب على فاطمة (ع) وهو يقول: يا
فاطمة قومي فوالدك يريد القضيب الممشوق فـ..والدك قد صعد المنبر وهو
يوّدع أهل الدين والدنيا، فصاحت فاطمة وقالت: (واغمّاه لغمّك يا أبتاه،
من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب القلوب؟) ثم ناولت بلال
القضيب فخرج حتى ناوله رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص): (أين الشيخ؟)
فقال الشيخ: ها أنا يا رسول الله بأبي أنت وأمي) فقال رسول الله (ص): (تعال
فاقتص مني حتى ترضى) فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله فكشف
(ص) عن بطنه، فقال الشيخ: بابي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن لي أن أضع
فمي على بطنك؟ فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من
نار يوم النار، فقال رسول الله (ص): (يا سوادة بن قيس! أتعفو أم تقتص؟)
فقال: بل أعفوا يا رسول الله فقال (ص): (اللهم أعف عن سوادة بن قيس كما
عفا عن نبيك محمد..).
بمثل هذا التعامل الرائع يريد ربنا سبحانه منا
أن نتعامل فيما بيننا.
الكتاب:
تحفة البيان خطاب القرآن لأهل الإيمان
المؤلف:
الشيخ علي حيدر المؤيد
الناشر:
دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع (بيروت – لبنان)
www.daraloloum.com
مواصفات:
الطبعة الأولى 1424هـ -
2004م
(720) صفحة من القطع الكبير |