في رحاب اللغة العربية (مثلاً) باعتبارها إحدى
اللغات الحية الموثقة لدى هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة فأن
الاهتمام بـ(عصرنتها) أي جعلها تواكب التطورات اللغوية الحاصلة ببطئ
شديد كما هو معتاد لأي لغة والتي تكاد أن لا تلمس أو تلاحظ بسهولة إلا
من قبل اللغويين المتخصصين.
ولعل أول وسيلة تدفع باللغة إلى أمام هو الإخلاص
لها حيث أن هذا العصر يتعرض لأكبر عملية غزو لغوية أجنبية بالنسبة للغة
العربية، لذلك فإن الحرص على أغناء العربية الفصحى القريبة من اللغة
الوسطى أي المشذبة من المفردات القديمة المهجورة عن التعامل الألسني
والمعوض عنها بـ(مفردات معاصرة) تصلح أن تسد معاني تلك المفردات
القديمة فيه من المرونة ما سيجعل العربية لغة تنافس عن حق لأي لغة
عالمية أخرى.
إن النطق اللغوي العربي الفصيح الذي تفرع منه
نموذج اللغة الوسطى الجامعة ما بين اللغة العربية الفصحى ولهجة من
لهجاتها الناجحة – وما أكثر تلك اللهجات العربية التابعة للغة الأم (العربية
الفصحى) سيجعل من (لغة الضاد) ذات مدى منافس لأي لغة تحاول أن تسود على
العالم رغم أن مثل هذا الطموح لا ينبغي أن يتم عن طريق الفروض السياسي
كما حدث مثلاً في الجزائر حين أرادت (الاستعمار الفرنسي) إلغاء العربية
واتخذت قرارات عملية لم تنتهي إلا بالفشل وإعادة اللغة العربية إلى
المجتمع الجزائري.
والعربية اليوم حين يلاحظ كونها تقترب بصيغتها
الفصحى من أحد لهجاتها في بلد عربي معين فذاك ما يفضل عدم التحسس منه
كثيراً إذا يفضل أن تتبنى مجامع اللغة العربية في العالم العربي
التعميم بطرق الإعلام المتوفرة بما يوعي المجتمع العربي ولا يدع أفراده
يمارسون المزج بين لغتهم الأم (العربية) ومفردات أجنبية أخرى مهما كان
نوع تلك المفردات الأجنبية يبدو عادياً في تداولاته مثل مفردة (3/50)
وغيرها.
إن التراث اللغوي العربي زاخر بالفروع التي يمكن
التأسيس عليها ما يقوي بنيان هذه اللغة باعتبارها ليست هي اللغة
الوحيدة بين اللغات الأخرى بل وتسمو عليها بصفتها (لغة القرآن) أولاً
وثم كونها (لغة الجنة) المقررة بإرادة إلهية فالعربية هي لغة أهل الجنة
كما يقول رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
والاهتمام بالطباعة هو اهتمام باللغة ذاتها لأن
الطباعة لعبت دور نشر النتاج اللغوي والثقافي بصورة واسعة بحيث أصبح
الكتاب يصل من خلال نسخ عشرات الآلاف المطبوعة عنه إلى أقصى بقاع
العالم بريدياً، وأخيراً يرسل عبر الانترنيت وهو نوع جديد من الانتشار
المستنسخ ولو تواشج مثل هذا الاهتمام المشار له في دفع الظروف الثقافية
خطوات باتجاه تطوير أسباب بقاء العربية على مثل هذه المواكبة اللغوية
لذاتها السارية ضمن إبداء تنويرها خارج إطار التزمت اللغوي والانتباه
الذكي لما تطرحه أحياناً السلفية اللغوية في بعض دعواها التي يبدو
وكأنها تريد تجميد العربية على قوالب لغوية غير عملية ما أنزل الله
سبحانه وتعالى بها من سلطان!
فإبداء اهتمام ملحوظ بشؤون العربية يتصل بواجب
ثقافي لا يفضل أن يهمل.. فكل حركة الحياة وبذات الجانب العلمي فيها
تتحرك بالاستناد إلى جذور اللغة التي هي أداة للفكر والثقافة والتفاهم
والحوار التي جيرت إرادة الله أن تكون للإنسان وليس إلى أي من مخلوقاته
الأخرى.
وبقدر ما يفترض أن يكون هناك قبولاً وترحاب لكل
طارئ جديد على كيان اللغة العربية مثل المصطلحات الجديدة وبالذات تلك
التي يفتقر إليها معجم اللغة العربية المعاصرة كمصطلح (انترنيت) الذي
لا ينبغي التحسس منه لأنه مصطلح جديد أخذ في عملية اقتحامه للمعجم
العربي وأصبح إحدى مفرداته المتداولة على اللسان العربي والناطقين
باللغة العربية أيضاً، والمهم جداً بهذا الصدد هو الالتزام بالحفاظ على
أرومة (قوانين) اللغة العربية بما ييسر أفضل أداء لنطق وكتابة اللغة
وعلى درجة واحدة ضمن عملية الانصهار الثقافي بالانصهار اللغوي مع
الاستعانة بالتصريفات اللغوية ضمن خطوط ثوابتها.
ففي اللغة بصفتها الوسيلة المثلى للإنسان فهي
تساهم في تطوير علم الحديث وتوضيح الأفكار والعمل على الإفادة من
التراث اللغوي العربي على أكثر ما تكون الفائدة وتوظيف الصالح منه في
القوالب اللغوية الحديثة وضرورة الانتباه من عدم الرجوع إلى صياغات
قديمة قد أتم اللسان هجرها كأسلوب (السجع) وغيره الذي بقي سائداً في
التعبير عبر أجيال عديدة سابقة، وضف هذا النوع من الصياغات اللغوية
رويداً رويداً مع تقدم الطباعة في العالم العربي حتى يكاد أن يتلاشى
الآن مما تبقى منه بسبب عدم تحبيذيه أولاً ولأن المجتمعات العربية لم
تعد تستسيغه بل تتعامل مع السجع كـ(شيء من الماضي).
وحالة تكريم اللغويين العرب على قلة حدوثها مع
من ساهموا في تقديم اطروحاتهم العلمية المعرفة أكثر بجماليات ومميزات
اللغة العربية هي ظاهرة نادرة ومجهولة الأسباب إذ يلاحظ أن الأوساط
الثقافية حين تكرم عشرات الشعراء بمن فيهم شعراء (اللاشعر) أي ذوي
الأشعار الهابطة فذاك ما لم يجد أحد تفسيره حتى الآن. وبديهي فهذه ليست
دعوة للمقارنة بين شريحة اللغويين الداعمة والمطورة لعلوم اللغة أو
الحافظة لمدارسها التي يفضل أن ينظر ولأولئك اللغويين بتقدير أكبر إذ
أن الفرق بين اللغوي المبتكر للفكرة اللغوية هو غير العارب عن فكرة
شعرية (بمعنى تعبير شعري) لأن الأول يضع أساس له والثاني يضع فرع من
فرع عليه.
لقد حازت اللغة العربية منذ ظهور الإسلام وحتى
اليوم على اهتمام واضح ولكنها تبقى بحاجة لمزيد من العناية العلمية كي
تبقى اللغة الأجدر على منافسة أي لغة عالمية أخرى. |