الحرية: اسم جميل يهفو القلوب إليه بلهفة وشوق،
وترنيمة عذبة تعزف على أوتار الظلم والعدوان لكسرها، وهي صوت
المستضعفين وأملهم الواعد الذي يخيف المتجبرين، وهي قبل كل شيء ثمرة
قيمة ونعمة إلهية أنعمها الله على البشرية فلا يحق لأي بشر أن يصادرها
من غيره إلا إذا أراد أن يُدَوّن في ديوان الظالمين، إذ روي عن النبي
الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً..)
وذكر للحرية تعاريف كثيرة، وعلى حدّ تعبير
آيزايابرلين فإن هناك حوالي مئتي تعريف لها ووجه الاشتراك بني هذه
التعريفات هو: إزالة المعوقات من طريق اختيار الإنسان.
ويقال أيضاً: أنها فقدان الموانع من طريق تحقق
آمال الإنسان وتمنياته)
ويرى في موضع آخر أن الحرية تعني عدم تدخل
الآخرين في أنشطة الفرد وأعماله: (الحرية الشخصية عبارة عن السعي
للحيلولة دون تدخل الآخرين الذين يسعون وراء أهدافهم الخاصة في دائرة
الفرد واستغفالهم وتقييدهم إياه..) وهناك آراء أخرى.
على أي حال الحرية بجميع أنواعها الفردية
والجماعية من فلسفية واجتماعية وأخلاقية وفكرية وحياتية واقتصادية
وسياسية وجميع أنواعها ضرورية.
لأن الحرية جزء من الذات البشرية وجوهرها أي أن
طبيعة الإنسان تنزع نحو الحرية، وهناك ارتباط بين الحرية وكشف الحقيقة
إذ الحقيقة تتبلور عن طريق البحث الحرّ إضافة إن الإبداع والابتكار
البشري ينضجان في ظل الحرية بشكل أفضل وأوسع.
والأهم ففي ظل الحرية يتحقق شرف الإنسان وكرامته
وعزة نفسه فيقوم بأعماله على أكمل وجه وأحسن تدبير، وبذلك تقدم للفرد
والمجتمع.
طبعاً لكل وجهته في تفسير الحرية فهي كلمة واسعة
المعاني إلا أن الإسلام كعادته في الرؤية الشاملة والمتكاملة لكل
الأمور يكشف حقيقة الحرية ويرسم حدودها ضمن مصلحة الإنسان وسعادته
وتحقيق طموحاته ورفاهيته.
فالإسلام أعطى الإنسان كل الحريات إلا ما يضر
بنفسه ديناً ودنياً أو ما يضر بالآخرين ويعرضهم للخطر، لأنها عند ذلك
تفقد معناها السامي وتنقلب إلى ظلم وعدوان، فللإنسان حرية الزراعة
والتجارة والصناعة والعمارة والسفر والإقامة وحيازة المباحات وحرية
الملبس والمركب والمأكل والمنكح والمجلس والتحرك والسكون والاستقرار
وحرية التفكير والعقيدة وما إلى ذلك بدون أي قيد سوى عدم الإضرار.
أما في الغرب لا أحد ينكر وجود ألوان من الحرية
لكنها ناقصة لأنها حُددت حسب أهواء الحكام والمقننين والجمهور لا حسب
صلاح الفرد والمجتمع.
وهناك قيود كثيرة في الدول الغربية بالنسبة
للسفر والإقامة والتجارة والصناعة والزراعة والعمارة وحتى في ممارسة
الشعائر الدينية والحجاب حتى هناك فرض على خلع الحجاب في المدارس كما
في فرنسا، وتدخل كثير من المخابرات في أغلب الشؤون الشخصية للمواطنين
وضرائب كثيرة وعوائق في كل مجال، أما بالنسبة للفساد والجنس والمخدرات
وشرب الخمور والشذوذ فالحرية مطلقة والمجال مفتوح لتخدير الشعب
وإسكاتهم عن طلب حقوقهم لكي يتسنى للقادة اقتسام الثروات بنوع من راحة
البال.
أما منهجية الإسلام في الحرية فتبدأ مع الإنسان
في أبكر مراحل حياته وهي الطفولة فالحرية الروحية ملازمة له وتعلّمه
كيف يفكر وينتج ويبدع ويمارس حياته بأكمل وجه وتهيئه وتعدّه أحسن إعداد
لدخول مرحلة القوة والشباب باتزان وتفاهم دون اعتداء على حقوق الآخرين. |