لأهمية الحوار الثقافي بين بلدان البحر الأبيض
المتوسط باعتباره موضوعاً أساسياً لا يقل أهمية ولا خطورة عن بقية
المواضيع التي أثيرت مثل موضوع الإرهاب والهجرة والعولمة والأزمة
الاقتصادية والاجتماعية، خلال القمة المتوسطية 5 + 5 في تونس حيث أكد
رؤساء الدول المشاركة في الندوة أن الحوار الثقافي وسيلة أساسية
وضرورية لربط الجسور بين بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط على جميع
المستويات. نظراً للروابط القديمة التي تربط بين بلدان جنوب أوربا وبين
البلدان المغاربة والتي تعود إلى آلاف السنين واعتبر رومانو برودي رئيس
المفوضية الأوربية أنه حوار الثقافات هو أحد أهداف الجوهرية لقمة 5 + 5
ولقمة برشلونة التي سبقتها مضيفاً أن الثقافة ليست شأن المتخصصين فحسب
ولا قضية الحكومات لوحدها.
إن الثقافة شأن الشعوب وهذا يعني أن الثقافة يجب
أن تصبح أحد المحاور المركزية لسياسة الحوار والبعد الإنساني لهذه
الاستراتيجية الجديدة، الشيء الذي يفرض علينا العمل إذن على تعزيز
الحوار بين الثقافات حوار يكون مفتوحاً أمام كل الأوساط الثقافية وأمام
المجتمع المدني والشباب والجامعات ووسائل الإعلام، ليست فقط أمام
الخبراء والمؤسسات الرسمية، كما يتعين علينا إعطاء الكلمة للشعوب، وعدم
خلق قطيعة بين الحكومات والشعوب وعلى دعم التقارب الذي ندعو إليه، فيما
أعلن برودي أنه تم بحث مؤسسة أورمتوسطية، سوف يكون الهدف الأساسي منها
تجسيد وتدعيم الحوار بين الثقافات وستعمل المفوضية الأوربية على أن
تكون هذه المؤسسة الجديدة (دعامة فاعلة للتفاهم بين شعوب أوربا والشعوب
المتوسطية).
وهذا ما تم تأكيده في كلمات رؤساء الدول مثل
الرئيس الفرنسي جاك شيراك والأسباني خوزيه ماريا آثنار والإيطالي
سيليفو برلسكوني والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والجزائر عبد
العزيز بوتفليقة وملك المغرب محمد السادس.
وعن أهمية الحضارة المتوسطية التي ساهمت في
الجزء الهام من الحضارة الإنسانية، منها انبثق الفكر الفلسفي والفكر
النقدي، وخصوصاً في العهد الأغريقي واليوناني، وكانت البلدان القائمة
على ضفتيه في حوار دائم، حتى في ظل مشاعر التباغض والعدواة ما بين
بعضها البعض لتفضي أحياناً إلى حروب مدمرة، فإن الحوار ظل قائماً
وبأشكال مختلفة لتتذكر القديس أغسطين والكاتب العظيم بوليوس صاحب رائعة،
(الجحش الذهبي) وجميع أولئك التي نسجت كلماتهم وأقوالهم وحكمهم
وأشعارهم روابط روحية بين الضفتين لم يتمكن الزمن من محوها حتى هذه
الساعة، لنتذكر أيضاً ابن خلدون الذي بحث في حقيقة التاريخ والشعوب
والحضارة والذي كان أول من استشف إن الحضارة المشتركة ستترك الضفة
الجنوبية للمتوسط لتنتقل إلى الضفة الشمالية، وخلال القرن الماضي.
ومنهم د. طه حسين أكبر الداعيين إلى ضرورة تدعيم
الحوار بين بلدان ضفتي المتوسط، وخصوصاً بين البلدان العربية وأوربا،
وفي كتابه الشهير مستقبل الثقافة في مصر الصادر في عام 1938 والذي أثار
ضجة في مصر وفي كامل أنحاء العالم العربي، وثمة شعراء أوربيون عاشوا في
بعض البلدان العربية المتوسطية خلال القرن العشرين من أمثال الشاعر
اليوناني قسطنطين كافافي (1863 – 1933) والذي أمضى الجزء الأكبر من
حياته في الأسكندرية وعاش بها والشاعر الإيطالي جيوسبن اونغرائي 1888 –
1970 واليوم في مطلع القرن الحادي والعشرين، تشهد منطقة البحر الأبيض
المتوسط صراعات وأحداثاً سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وحضارية
ولدت مخاطر جسيمة، فهناك الصراع العربي – الإسرائيلي المستمر والذي يعد
ضحاياه بمئات الألوف، وهناك صراعات أخرى دينية وعرقية وأيدلوجية وهناك
الإرهاب الأصولي الذي بات داء عضال يهدد لا البلدان العربية والأوربية
المتوسطية فقط، وإنما العالم بأسره، وهناك الهجرة السرية بسبب المجاعات
والفقر والأزمات الاقتصادية والسياسية الخانقة، وهناك اللاتسامح
والإقصاء والتهميش والعنصرية ورفض الآخر، كل هذا يبدو كما لو أنه قنابل
موقوتة على ضفتي البحر المتوسط ومن هنا يستمد أهمية الحوار الثقافي بين
دول المنطقة العربية والأوربية بالخصوص والذي أصبح مرغوباً فحسب بل
وهاماً وضرورياً أكثر من أي وقت مضى... |