(إن
ما حل بالأمة الإسلامية من تغريب ثقافي ومسخ حضاري وتفتيت سياسي وتمزق
اجتماعي ليس إلا جولة من جولات الصراع الأزلي بين الحق والباطل، وعانت
الأمة منه الأمرين طيلة العقود المنصرمة... وها هي قد أشرقت على قرن
جديد مترع بالأمل، وهي طافحة بروح متوثبة جديدة مصممة على أن تكون هذه
المرة بمستوى التحدي الحضاري الذي يكاد أن يطبق علينا الآفاق؟).
نقرأ في الباب الأول – ظهور التعليم في الوطن
العربي – من خلال الفصل الثالث وعنوانه – الخطط العامة لمناهج التعليم
الحديثة هذه الانطباعات:
(لنعد الآن إلى المناهج التعليمية – الحديثة –
لنرى ما عسانا أن نتبين فيها من ملامح أو سمات عامة نسميها الخطوط
العامة لهذه المناهج، مع ملاحظة أن وجود هذه المناهج في البلاد
الإسلامية وتدريسها باللغة العربية أو الفارسية أو الأوردية أو.... الخ
لا يعني على الإطلاق أنها مناهج عربية أو فارسية أو باكستانية وبالتالي
إسلامية فإن ذات المناهج تدرس في اليابان والصين وأفريقيا وأوربا
وأمريكا مع فارق بسيط هو اختلاف مرتبة المواضيع بين أن تكون سطحية أو
عميقة، واختلاف اللغة في كل بلاد حسب لغتها الخاصة وأقرب مثال لذلك أنك
في جامعة (هارفارد) أو (السوربون) أو (أكسفورد) ستجد التوزيع العالمي
في طلبة تلك الجامعات إذ يجلس العربي إلى جانب الياباني وهذا الجانب
الأفريقي والإيراني والكل جلوس مع الهندي والأوربي والأمريكي! فماذا
يعني ذلك؟)
ونقرأ في محور – أولاً: خدمة الأهداف
الاستعمارية ضمن الفصل الآنف هذه الانطباعات المستكملة لما ذكر:
فهذه المناهج تخدم قضايا الاستعمار في كل مكان
يريدون السيطرة عليه وقد رأينا كيف كانت طلائع الاستشراق في كل بلد قد
سبقت جيوش الاحتلال الأوربي تبشر بالثقافة الأوربية لتمهيد الأرضية
لاستقبال الرواد الأوربيين الذين لم يقدموا إلا لنشر رسالة الرجل
الأبيض رسالة العلم والتقدم والحضارة والحرية حسب ما يزعمون. وبالطبع
فإن المناهج العلمية كانت وما زالت الميدان الأفضل لترويج الثقافة
الغربية وزرعها في عقول الأجيال التي تنشأ غافلة عما يخلفه غزو الغرب..
للعالم من آثار الدمار والإفساد والسلب والقتل والتشريد ونشر المظالم
وتشجيع الاستبداد والديكتاتورية.
وأهم ما تركز عليه هذه المناهج قضية الوطنية
والقومية والحدود الجغرافية التي رسمت بين أقاليم الوطن الإسلامي على
طريق التجزئة والتفتيت ليسهل على الاستعمار بعد ذلك بلعها الواحدة بعد
الأخرى.
حتى إذا نشأت الأجيال الصاعدة وهي تحمل القناعات
الإقليمية والقومية وجد الاستكبار الغربي سهولة في إبقاء المنطقة ضعيفة
مجزأة في قبضتهم.
كما نقرأ في محور – ثانياً: نشر التوجهات
المادية ضمن الفصل الثالث ذاته هذه الانطباعات:
(لقد خلقت هذه المناهج التربوية أجيالاً وأجيالاً
تلهث وراء السراب المادي الذي تنظر إلى الحياة من خلاله فالمجتمع
المتقدم هو المجتمع الصناعي والمزدهر اقتصادياً والمتطور زراعياً والذي
وصل بعلمه واختراعاته إلى القمر والإنسان الناجح هو الذي تنام الملايين
في أرصدته، وعلى باب قصره سيارة فخمة وإلا لا يستحق الاحترام لأنه ليس
رئيساً لشركة أو مديراً في مصنع أو... رجل أعمال ومن هذا المنطلق يشتد
التنافس بين الأفراد والجماعات للوصول إلى المراكز المرموقة في عالم
المال والجاه والثروة.
ومن هذا المنطلق يأتي التركيز على أن الحضارات
الحقيقية التي أشرقت على العالم إنما هي حضارات البابليين والآشوريين
والفينقيين والفراعنة والأكاسرة والقياصرة وآثارهم تدل عليهم وإذا كانت
للإسلام حضارة فإنما تكمن في الهندسة المعمارية التي طرزت بها قباب
المساجد وما يوجد إلى اليوم من قصور فخمة عظيمة بحدائقها الغّناء
وبركها البديعة كقصور الحمراء ومساجد قرطبة وأشبيلية وفاس والقاهرة
وبغداد واستانبول وأصفهان.. و..و..
وإنما ظهرت الحضارة على حقيقتها وعظمتها في
أوربا الحديثة!!
هكذا يتم تصوير الحضارات على أنها توجهات مادية
فحسب، لتطفأ في هذا الخصم شعلة الحضارة الإسلامية التي أعادت صياغة
الإنسان وأطلقته من قيوده وأغلاله ليحطم الظلم والاستبداد وتحقيق عزته
وكرامته.
ومما نقرأ في الباب الثالث – مناهج التعليم رؤية
مستقبلية – عبر الفصل الثاني ذو العنوان – عودة إلى الذات – هذه السطور:
(ابن النفيس.. عالم جليل مجتهد في العلوم
الدينية تخرج من الجامعة التي صنعت ابن سينا تلميذ الإمام جعفر بن محمد
الصادق (ع) فهو أعلم أهل زمانه في الطب والقانون والنحو. وهو أول من
اكتشف الدورة الدموية في الإنسان وعلمها لتلامذته بصورة صحيحة وقد شرح
عمل القلب وعلاقته بالدم إضافة إلى وظيفة كل من الكبد والرئة وعلاقتهما
بالدورة الدموية.
إلا أن التزييف الثقافي ومناهجنا التي نشأنا في
ظلها تنسينا هذا العالم الكبير (أبو الحسن علاء الدين عي بن أبي القرشي)
الملقب بابن النفيس، ليطبع في أدمغتنا.. مكتشف الدورة الدموية الأوربي
الإنجليزي (هارفي) وليقال لنا فنصدق بعد أربعمائة سنة على الأقل من عصر
ابن النفيس أن هارفي هو أول من اكتشف الدورة الدموية!!
أفلا يخجلنا هذا الانسلاخ القسري من تاريخنا
وحضارتنا؟؟.
الكتاب:
السياسات التعليمية في الوطن العربي
للمؤلف:
موسى الهادي
مواصفات
الكتاب: (246) صفحة من
القطع المتوسط
الطبعة
الثانية 1985م
الناشر:
دار البيان العربي – (بيروت – لبنان) |