يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في تعريف له عن
مصطلح العلمانية:
"انه مصطلح خلافي للغاية لعدة اسباب منها تسطيح
القضية الناتج عن شيوع تعريف العلمانية باعتبارها مجرد فصل الدين عن
الدولة، ثم التعامل مع العلمانية باعتبارها مجرد مجموعة افكار وممارسات
واضحة مما يؤدي إلى تجاهل ما يسميه بعمليات الكامنة اضافة إلى تصور
العلمانية باعتبارها فكرة ثابتة لا مثالية آخذة في التحقق. فالعلمانية
لها تاريخ وبالتالي فالدارس لها ـ كل حسب لحظته الزمنية ـ درس ما هو
قائم وحسب دون التعرض للمراحل التالية."
http://www.albayan.co.ae/albayan/book/2003/issue260/reviews/2.htm
هذا التعريف سقناه للتذكير بالموقف الفرنسي
الجديد من حجاب التلميذات في المدارس بعد ان قال الرئيس الفرنسي
شراك"إن "الحجاب الإسلامي مهما اختلفت مسمياته والكيبا (القبعة
اليهودية) والصليب كبير الحجم، لا مكان لها في المحيط المدرسي.. أما ما
يتعلق بالرموز الخفية كالصليب الصغير ونجمة داود ويد فاطمة (قلادة تحوي
أصابع اليد الخمسة وتلبسها المسلمات) فهي رموز مقبولة"، على حد قوله.
وأضاف أن "تلاميذ المدارس يجب أن يتمتعوا بكامل
الحرية؛ ولذلك يجب ألا يدخلوا المدارس وهو يحملون علامات دينية مميزة"،
مشيرا إلى أن "المدارس تظل قبل أي شيء مكانا مقدسا لتحصيل العلم والقيم
المشتركة، ومكانا يتساوى فيه أيضا البنين والبنات (...) ولذلك فعلى
الشباب أن يقيموا فيه توازنا بين خصوصياتهم وقيمنا المشتركة".
ورأى شيراك أنه "من الضروري سن قانون بهذا
الشأن"، معربا عن أمله في أن "يصادق البرلمان عليه، وأن تتم صياغته
قريبا"، كما دعا في الوقت نفسه إلى إطلاق "حوار مع علماء الدين
(المسلمين) لتوضيح المغزى الحقيقي من هذه الخطوة التي تهدف إلى الحفاظ
على قيمنا المشتركة".
http://www.islam-online.net/Arabic/news/2003-12/17/article12.shtml
واضح ان شيراك انحاز في فهمه للعلمانية على
البعد السلبي من تعريفها , وليس البعد الايجابي التصالحي، وبهذا الموقف
فان شيراك ومعهه لجنة برنار ستاسي، قد فتحا جبهة جديدة مع ثاني اكبر
ديانة في فرنسا بعد المسيحية.
واعتبر الدكتور برهان غليون-الاستاذ في جامعة
السوربون- ان المستهدف الحقيقي من القرار هم
المسلمون دون غيرهم، وطالب المسلمين ان يستفيدوا من حقهم-اسوة
بالمسيحيين واليهود- التزين بالقران الكريم كرمز لديانتهم.
ولكن الغريب ان يقول شيخ الازهر-تعليقا على خطاب
شيراك- بان القرار الفرنسي شأن داخلي، وكانه
يبرر الخطوة الفرنسية.
علماني يغار على دين المسلمين فيطلب منهم اظهار
تمسكهم بالقران كمظهر لاسلامهم، وشيخ الازهر يتعامى عن هذه الخطوة
وكانها لاتمس عقيدة 5 ملايين مسلم مسؤول عنهم –شرعا- ليعطيهم الحكم
الشرعي.
فماهو الحكم الشرعي للفتيات اللاتي يدرسن؟
هل يكملن وهن سافرات؟
ام يمتنعن عن اكمال دراستهن تمسكا بحجابهن؟
ام ان هناك حل اخر؟
صوتان يجب ان لايغيبا عن هذا الحدث وتداعياته
الاول صوت علماء الدين الذين يجب ان يكونوا
واضحين في تبيان الحكم الشرعي والتصدي لمثل هذه
الظاهرة غير الحضارية تجاه ممارسات اسلامية في قلب "العالم
المتحضر"، خوفا من سريان هذا الفهم والمنهج ـ
بعد فرنسا- الى دول اوربية اخرى.
الثاني صوت النخب العلمانية التي طالما "نظرّت"
لعدم تعارض العلمانية مع ممارسات المتدينين وهاهو الفهم "الاتاتوركي"
المتخلف عن العلمانية يكتسح فرنسا، ليمنع ظاهرة اجتماعية اثارت نقاشا
في المجتمع بقوة القانون، والا فان معركة اخرى قد فتحت، بين الاسلام
والعلمانية.
*
سياسي -اعلامي عراقي |