ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية من منظور القانون الدولي الإنساني

القاضي أمين المهدي

مجلة النبأ تشترك في فعاليات ندوة المحكمة الجنائية الدولية وتوسيع نطاق القانون الدولي الإنساني بدمشق في 13 – 14 كانون الأول 2003م.

وحضر فعاليات الندوة مدير العلاقات العامة للمجلة بسام محمد حسين حيث تم تغطية فعاليات الندوة والمشاركة في الحوار حول موضوعات الندوة...

كلما تعمقنا في القانون الدولي الإنساني كلما وجدنا أن هناك شوطاً كبيراً يفصلنا عن الحماية المتكاملة لكرامة الإنسان، لذا ارتأ الاختصاصيون إنشاء محكمة جنائية دولية لتكون جزء لا يتجزأ من القانون الدولي الإنساني ولتكون القوة الدافعة للحد من انتهاكاته، لقد نصت ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها إذ تدرك أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً وإذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا فظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة، وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي يجب أن لا تمر دون عقاب.. فقد وضعت حداً لمرتكبي الجرائم كما عقدت العزم أيضاً على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة.

المقدمة

يتضمن ميثاق الأمم المتحدة أحكاماً بنبذ استعمال القوة وبضرورة الالتجاء إلى حل الأنزعة بالطرق السلمية، ولا يجيز الميثاق استعمال القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي أو بناءً على قرار مجلس الأمن في إطار الفصل السابع من الميثاق.

فإذا كانت هذه هي الأحكام القانونية، إلا أن الواقع المعاصر شهد ويشهد كثيراً من الصراعات المسلحة. ولعله يكفي أمثلة لها ما كان من الحرب الأفغانية لسنة 2001 والحرب العراقية لسنة 2003م. كما شهدنا في التسعينيات من القرن الماضي صراعات مسلحة منها ما عُرف بحرب الكويت والصراعات التي قامت على أقاليم جمهورية الاتحاد السوفيتي سابقاً، وما دار ويدور في أفريقيا من صراعات قدّر المراقبون أن عشرين دولة على الأقل من دول جنوب الصحراء اشتركت فيها. ولم يقتصر الأمر على البلاد الآسيوية أو الأفريقية بل تعداها إلى صراعات مسلحة قامت في أوربا على إقليم دولة جمهورية يوغسلافيا السابقة.

فإذا كان الواقع يكشف عن كثرة الصراعات المسلحة التي تختلف في أسبابها قيامها وفي نطاقها وبالنسبة للقوى المشاركة فيها، فإن التعرف على أحكام القانون الدولي الإنساني التي تطبق على كل منها يكون أمراً يقتضيه الواقع القائم، وإذا كان ذلك وكان القانون الدولي الإنساني يقوم على ما تكشف عنه اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 والبروتوكولان الإضافيان لسنة 1977 على اصل عام يتحصل في التفرقة بين الأحكام التي تطبق في حالات الصراع المسلح الدولي وتلك التي تنطبق في حالات الصراع المسلح غير الدولي، فإن تحديد المقصود بكل نوع من نوعيّ الصراعات المشار غليها يكون حاسماً في تحديد الأحكام الواجبة التطبيق.

وإذا كان التمييز بين نوعي الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية يُمثل هذا القدر من الأهمية، إلا أن هذا التمييز ذاته ليس بالسهل اليسير، بل إن مفهوم تعبير (الصراع)، في مجال إعمال القانون الدولي الإنساني، ويقصد به الصراع المسلح الذي يبلغ حداً من الجسامة ويقوم على الأقل، بين مجموعتين ذات حد من الكثافة العددية تضم كل منها أشخاصاً يخضعون لقيادة مسؤولين، قد يدق في التطبيق العملي.

ومن هنا كانت أهمية موضوع البحث ودقته.

ونتناول موضوع البحث في قسمين، نتناول في أولهما بيان منهج القانون الدولي الإنساني في تنظيم أنواع الصراعات المسلحة، ويتضمن ثانيهما استعراض صور الصراعات المسلحة، وقد يبدو هذا المنحى في التناول معيباً إذ قد يُقال بأن طبيعة الأشياء تقتضي أن يكون البدء ببيان أنواع الصراعات المسلحة ثم يكون بعد ذلك تناول منهج القانون الدولي الإنساني في تقرير الأحكام التي تنظم كلاً منها، ومع تقديرنا لذلك، فقد رأينا أن نبأ ببيان النهج الذي تبناه القانون الدولي الإنساني للتفرقة بين أنواع الصراعات المسلحة، إذ أن هذا النهج هو الذي كان أساساً لمحاولات دولية وفقهية وأخيراً اجتهادات قضائية ترمي لمحاولة إلحاق أنواع من تلك الصراعات إلى تلك التي تخضعها أحكام القانون الدولي الإنساني لقواعد أكثر ضماناً وكفالة للقيم الإنسانية.

القسم الأول

منهج القانون الدولي الإنساني في تنظيم أنواع الصراعات المسلحة

أولاً: المصطلحات القانونية في وصف الصراعات:

يمثل البروتوكولان الإضافيان لسنة 1977، وهو المنطق الذي يقوم على أساس أن أحكام القانون الدولي الإنساني إنما تنصرف أساساً إلى حالات الصراع المسلح بين الدول، وإن كان البروتوكول الثاني استهدف في حدود ضيقة إلى تطوير وزيادة الضمانات المقررة في حالات النزاع المسلح غير الدولي، ولعله غني عن البيان أن الدول، عموماً، حريصة على تأكيد اختصاصها السيادي على إقليمها، داخل حدودها، في علاقتها مع شعوبها، تكشف عن ذلك مثلاً الأحكام التي تضمنتها المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة، والدول بالتالي لا ترتضي، في الأصل مساساً بهذا الاختصاص ولا تقبل تدخلاً في شأنه وبالنسبة لما قد يقوم على إقليمها من صراع مسلح فهي نادراً ما تقر بأن الصراع بلغ حداً من الجسامة بحيث تعترف بقيام حالة القتال Belligerency مع ما يترتب على هذا الاعتراف من آثار قانونية سواء بالنسبة للمقاتلين أو بالنسبة لمواقف الدول الأخرى من هذا القتال، ولعل محاولة الدولة عدم الاعتراف بقيام هذه الحالة القانونية، بل واعتبار اعتراف الدول الأخرى بقيامها عملاً عدائياً وتدخلاً في شؤونها الداخلية، مرده إلى تقدير أن هذا الاعتراف قد يُفهم منه أن ظاهرة ضعف مما يدعم القوى المقاتلة مما يمكن أن يؤدي في النهاية، إما إلى انفصال الإقليم المقاتل أو الاستيلاء على السلطة في الدولة كما في حالة الحرب الأهلية، ولعل من أمثلة اعتراف الحكومة المركزية بقيام حالة القتال المسلح هو ما قامت به حكومة نيجيريا من الاعتراف بقيام القتال المسلح على إقليم بيافرا (Biafra) إلا أن اندحار القوى المقاتلة في الإقليم المذكور أنهى حالة القتال، وقد انتهت بانتهائه الحالة القانونية القائمة على الاعتراف، وإذ كان القانون الدولي التقليدي يعرّف حالة الحرب وهي التي تقوم بين دولتين أو أكثر بعد إعلان الحرب، كما كان يُعرف إلى جانبها حالة الحرب الأهلية (Civil War) بحسبانها تنشب على إقليم دولة واحدة بين ثوار ضد الحكومة المركزية، وهي ما كانت توصف أيضاً بالحروب الصغيرة (Kleinkreig) باعتبار أنها لا تتعدى إقليم الدولة الواحدة، فإن الملاحظ أن القانون الدولي الإنساني بدأ اعتباراً من اتفاقيات جنيف لسنة 1949 بتأكيد أمرين أولهما أنه ليس من أثر، لإعمال أحكام الاتفاقيات، لصدور إعلان أو عدم إعلان حالة الحرب، وثانيهما أن أحكام الاتفاقيات تسري على كل وأي صراع مسلح يقوم به دولة أو أكثر من الدول الموقعة على الاتفاقيات، ويثار الجدل حول تحديد المقصود بتعبير الصراع المسلح (Armed Conflict) وإذا كان أوسع نطاقاً من مفهوم الحرب (War) أو كان على العكس لا يشمل الحرب، بل يقف عند الصراعات التي ما دون الحرب، كل ذلك مما تصدى له معهد القانون الدولي Droit International Institut do في دورته المنعقدة سنة 1981، وكان الرأي عند كثير من أعضاء المعهد أنه يتعين عدم المبالغة في ترتيب الأهمية على التعريفات الجامدة، يشارك في هذا الرأي كثير من الفقهاء الذين يرون أنه نظراً لعدم إمكانية الوصول إلى مفهوم موحد لتلك التعبيرات، فإنه يكون من الأفضل ترك التعبيرات حمَّالة أوجه، مما يجعلها أكثر مرونة لمواجهة الحالات التي تطرأ في الواقع.

وقد استعملت اتفاقيات جنيف الأربعة أيضاً تعريف الصراع المسلح غير الدولي وذلك في المادة (3) المشتركة التي قيل عنها أنها اتفاقية مصغرة (Convention in maniture) أو أنها بذاتها اتفاقية داخل الاتفاقية، وقد أثارت تلك المادة جدلاً حول المقصود بالصراعات المسلحة غير الدولية، فقد لوحظ أن التعبير من العموم، وهو يكتنفه شيء من عدم الوضوح قد يؤدي إلى الفهم بأن أحكام تلك المادة تنظم فيما تنظم، أعمال الفوضى ومحض أعمال الجريمة، ورغم ذلك فلم تلق محاولة تعريف (الصراع المسلح) غير الدولي قبولاً وصدرت المادة دون أن تتضمن حكماً يوضح المقصود بالتعبير المشار إليه، وقد ورد بالتعليقات التي أشرفت على إصدارها اللجنة الدولية عن تلك المادة أن أحكامها لا تخل إطلاقاً بحق كل دولة في قمع أمر الفوضى الداخلية وما يماثلها وإنما في المقابل فإن هذا الحق يلتزم حداً أدنى من المعاملة الإنسانية على نحو ما تتضمن المادة من أحكام، وفي هذا الشأن، فقد جاء بالتعليق المشار إليه ما يلي:

What Government would dare to claim before the world, in case of civil disturbance which could justify be described as acts of brutality that, Article 3 not being applicable, it was entitled to leave the wounded uncared for to inflict torture and mutilations and take hostage

وكان إبرام البروتوكولين الإضافيين لسنة 1977 نقطة تحول أخرى في مجال استعمال التعبيرات القانونية، للصراع المسلح الدولي والصراع المسلح غير الدولي.

بيان ذلك أنه إلى جانب أهمية التفرقة بين الصراع المسلح الدولي والصراع المسلح غير الدولي والتي ما كانت أحكام القانون الدولي الإنساني تنظم هذا الأخير إلا بمقتضى أحكام المادة (3) المشتركة لاتفاقيات جنيف لسنة 1949، والتي كانت لا تعدو في الواقع إلا ضماناً لحقوق أساسية يستمد تطبيقها من المبادئ الإنسانية الرئيسية التي يتعين الالتزام بها دائماً باعتبارها الحد الأدنى لما يمكن أن يوصف بالمعاملة الإنسانية فدونه همجية وتوحش، إلا أن الأمر تعدى هذا الحد الأدنى في أحكام البروتوكول الإضافي الثاني والذي يسري على الصراعات المسلحة غير الدولية، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى وجوب التفرقة، بدقة، بين الحالات التي يسري عليها البروتوكول الإضافي الثاني مما يتطلب تحديداً لماهية الصراع المسلح غير الدولي بالتفرقة بينه وبين غيره من صور الصراعات الداخلية التي لا تخضع لأحكامه.

نكرر توضيحاً لما نقول: أنه إذا كان الواقع القانوني في ظل العمل باتفاقيات جنيف الأربعة كان يتطلب وحسب من الناحية العملية التطبيقية على الأقل، التفرقة بين الصراعات المسلحة الدولية والصراعات المسلحة غير الدولية، فإن الحال هو غير ذلك بعد العمل بالبروتوكولين الإضافيين لسنة 1977، إذ أن تطوير وتدعيم حقوق المخاطبين بأحكام البروتوكول الثاني يقتضي لزاماً الاهتمام بتحديد مجال سريان أحكامه وبالتالي التعرض بالتالي لما يعتبر، في مفهوم البروتوكول الإضافي الثاني، صراعاً مسلحاً داخلياً تسري عليه أحكامه، وذلك الأمر ما كان بلازم، في ظل العمل بأحكام المادة (3) المشتركة، إذ أنها لم تكن تعدو إلا تأكيداً على ضمانات أساسية يتعين دوماً احترامها والنزول على مقتضياتها.

ثانياً: إلماحه إلى المنطق العام الذي يتبناه القانون الدولي الإنساني في شأن التفرقة بين الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

سبق بيان أن القانون الدولي الإنساني إنما تنصرف أحكامه أساساً إلى أوضاع الصراع المسلح الدولي وعلى ذلك فقد توجهت اتفاقيات جنيف الأربعة إلى تنظيم الأوضاع الناشئة عن الحروب، حتى وإن لم يسبق قيامها إعلان الحرب، وكذلك على أي صراع مسلح يقوم بين دولتين أو أكثر. وفي مقابل ما يقارب خمسمائة مادة تنظم أحكام الصراع المسلح الدولي، فلم ينصرف تنظيم اتفاقيات جنيف الأربعة لشؤون الأوضاع الناشئة عن الصراع المسلح غير الدولي إلا فيما ورد بالمادة (3) المشتركة على نحو ما سبق البيان.

ويمثل المنطق الذي قام عليه البروتوكولان الإضافيان لسنة 1977 تطوراً في النظرة الموضوعية بين نوعي الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وذلك بطريق مباشر وغير مباشر.

أما عن التطور المباشر فإننا نقصد به إفراد بروتوكول هو البروتوكول الإضافي الثاني الذي يتوجه بالتنظيم للصراعات المسلحة غير الدولية، وإنه وإن تضمن ذلك تطويراً نوعياً للضمانات التي كانت قد تقررت بالمادة (3) المشتركة باتفاقيات جنيف الأربعة، على نحو ما سبق البيان، ورغم أن مجال سريان البروتوكول هو مجال محدود مشروط بتحقق واقع قد يصعب في التطبيق أن يتحقق في مختلف صور الصراع المسلح غير الدولي، إلا أن هذا البروتوكول، مع ذلك، يمثل تطوراً نوعياً هاماً باعتبار أنه يتناول أموراً كانت تعتبر في المنطق التقليدي فيما يدخل في الاختصاص الداخلي للدولة والتي ما كان يسمح أن يطالها التنظيم القانوني الدولي، ولعل أهم ما ورد بالبروتوكول الثاني ما تضمنته المادة (13) من تحريم الاعتداء على المدنيين ومن اعتبار أعمال العنف وأيضاً التهديد الموجه إلى المدنيين بقصد إشاعة الرعب بينهم هي أمور غير مشروعة وهذه المادة تقابل حرفياً المادة (51/2) من البروتوكول الأول).

أما عن التطور غير المباشر، فإننا نعني به صدور البروتوكولين الإضافيين، وفي آن واحد، وإن كان لكل مجال تطبيق إلا أن ذلك قد يدفع الدول في التطبيق الفعلي، ويدعو الفقه في المجال القانوني إلى التقريب بين الأحكام التي تطبق على حالتي الصراع المسلح، مما يدفع إلى تبلور قواعد عُرفية في ذات المعنى سرعان ما تكون سنداً للقضاء الدولي لتطبيق الأحكام الأكثر ضماناً لحقوق الفئات الجديرة بالحماية والتي تكون قد انطلقت من عقال البروتوكول الأول لتدخل رحاب القواعد العرفية التي تسري على سائر الصراعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية.

وهنا أيضاً تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية كانت سباقة في جهودها إلى مد العمل بأحكام القانون الدولي الإنساني لتشمل صوراً مختلفة من الصراعات المسلحة، فكان أن اقترحت سنة 1948، قبل إبرام اتفاقيات جنيف لسنة 1949، أن تشمل الاتفاقيات حكماً بسريانها على مختلف أوضاع الصراعات المسلحة وبالأخص في حالات الحروب الأهلية أو الحروب الدينية أو الصراعات ضد الاستعمار، كما كانت للجنة الدولية ذات الرؤية فيما تقدمت به من اقتراح إلى مؤتمر الخبراء لسنة 1971 مفاده انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني في حالات الحروب الأهلية إذا تدخلت فيها قوات أجنبية، كما تقدمت في السنة التالية باقتراح مؤداه انطباق كافة أحكام القانون الدولي الإنساني على الصراعات الداخلية إذا تدخلت دول أجنبية كل منها لمساعدة أحد طرفي الصراع.

والملاحظ في الآونة الأخيرة أنه اعتباراً من سنة 1980 فإن كثيراً من الاتفاقيات التي أبرمت لتنظيم شؤون تتعلق بوجه أو آخر بالاعتبارات الإنسانية في المجال الدولي، تضمنت نصوصاً تقضي بتطبيق أحكامها على كافة أنواع الصراعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، ومن ذلك مثلاً النص على سريان البروتوكول الثاني المعدل لاتفاقية سنة 1980 في شأن القيود على استعمال بعض أنواع الأسلحة التقليدية أو التي تنتج عنها أضرار مفرطة (حظر استخدام الألغام بطريقة عشوائية أو أن تكون موجهة إلى مدنيين) وما تضمنته اتفاقية أوتاوا لسنة 1997 من هذا الشأن من انطباق أحكامها على كافة أنواع الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

وأخيراً فإنه تلزم الإشارة إلى الحكمين الواردين بكل من المادة (3) المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة وبالمادة (96/3) من البروتوكول الأول، فبمقتضى حكم المادة (3) المشتركة يكون لأطراف الصراع (الذي هو بالفرض ليس صراعاً مسلحاً دولياً) أن يبرموا اتفاقات خاصة بهدف تعهدهم بالالتزام بكل أو بعض ما جاء باتفاقيات جنيف الأربعة من أحكام كما أن المادة (96/3) من البروتوكول الأول تتيح للجنة الممثلة لحركة تحرير أن تعلن بإرادة منفردة التزامها بمعاهدات جنيف الأربعة وبأحكام البروتوكول الأول، وفي هذه الحالة، تتمتع حركة التحرير بالامتيازات المقررة كما تلتزم بالواجبات المفروضة على الدول الموقعة على كل من اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول الإضافي وقد كان أن توسعت المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في أحدث أحكامها، وهو الصادر في 5 ديسمبر سنة 2003م في بيان الحالات التي يجوز لأطراف الصراع فيها أن يبرموا اتفاقات خاصة بهدف تطبيق كل أو بعض أحكام القانون الدولي الإنساني على الصراع القائم بينهم، فانتهت المحكمة المشار إليها في الحكم الصادر في قضية الجنرال (جاليتش) أنه ليس هناك ما يمنع أطراف أي صراع مسلح، أياً كان تكييفه، من أن يعقدوا، تحت رعاية اللجنة الدولية، اتفاقات خاصة تهدف إلى تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني على الصراع المسلح القائم، دون استلزام أن يكون ذلك استناداً مباشراً إلى حكم أي من المادتين المشار إليهما، أي المادة (3) المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة أو المادة (96/3) من البروتوكول الأول، واعتبرت المحكمة أن ما جاء بالمادتين المشار إليهما مجرد أمثلة لا تعني أن تقتصر إجازة ومشروعية ونفاذ الاتفاقات الخاصة على توافر الشروط والأوضاع المقررة بكل من المادتين المشار إليهما، وترتيباً على هذا المنطق أعتدت المحكمة في الحكم المشار إليه باتفاق عقده أطراف الصراع بتاريخ 22 مايو سنة 1992، تحت رعاية اللجنة الدولية، ويقضي بتطبيق بعض الأحكام الأساسية الواردة بالبروتوكول الأول، مما ارتأت معه المحكمة الاعتداد بالاتفاق وقيامه، في القانون سنداً للالتزامات والحقوق المقررة لأطراف الصراع دون لزوم التعرض لأمر الطبيعة القانونية للصراع القائم بين أطرافه وقتذاك.

القسم الثاني

أنواع الصراعات المسلحة

الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية

رأينا في القسم الأول أن القانون الدولي الإنساني قد فرض على الواقع القانوني الدولي اصطلاحات خاصة به، فكان أن ساهم في تجاوز شكلية ضرورة إعلان الحرب لقيامها قانوناً، كما أدخل إلى جانب تعبير الحرب، وهو تعبير كان في تعارض صارخ مع حظر الالتجاء إلى القوة لحل المنازعات الدولية، فكان أن أدخل القانون الدولي الإنساني تعبير الصراع المسلح كتعبير محايد يتجاوز خضم الجدل الفقهي في أمر وصف الحرب وهل هي عادلة أم لا وهل هي حرب عدوانية أم على العكس رد لعدوان، كما أن هذا التعبير يغطي ما نشاهده حالياً من صراع مسلح تحت مقولة الضربات الوقائية أو الدفاع الشرعي الوقائي، وأخيراً ما يُصطلح على تسميته (التدخل الإنساني) فأياً ما يكون تقديرنا الشخصي لكل هذه الصور التي قد تختلف تقدير كل حالة واقعية منها، وجهات النظر بشأنها، فإننا نرى في حدود هذا البحث، وبالقدر الذي يسمح به، أن القانون الدولي الإنساني يتجاوز النظرات الذاتية والتقديرات الخاصة، فيتجه إلى موضوعية الحالة القائمة فيصفها بوصفها الذي لا جدال فيه وهو وصف الصراع المسلح متى قامت هذه الحالة فعلاً وواقعاً أياً كانت دوافعها، وقد ورد في قاموس القانون الدولي للصراعات المسلحة، الذي أشرفت على إصدار اللجنة الدولية، أن تعبير الصراع المسلح هو تعبير عام يغطي حالات الصراع الذي يقوم

أ) بين دولتين أو أكثر.

ب) بين دولة ومنظمة ليست دولة (مثال حروب التحرير)

ج) بين دولة ومجموعة منشقة (مثاله الصراعات غير الدولية)

د) بين فصائل عرقية مختلفة داخل الدولة الواحدة.

وإذا كنا قد رأينا في القسم السابق، أن الأحكام التي تطبق على كل من نوعي الصراع المسلح، الدولي وغير الدولي مما يفترض بل ويتطلب أو تكون التفرقة واضحة معتمدة على معيار يمكن بناءً عليه التعرف على طبيعة الصراع. إلا أن الواقع هو غير ذلك. فإذا كان الأصل أن الصراع يكون دولياً إذا قام بين دولتين أو أكثر إلا أن ذلك ليس معياراً جامعاً إذ لا يُغطي ذلك حالة تدخل الأمم المتحدة في الحالات التي يجوز فيها التدخل سواء تحت مظلة أحكام الفصل السابع من الميثاق بقرار من مجلس الأمن أو كما تم في إطار ما عُرف بالاتحاد من أجل اسلم والذي بمقتضاه مارست الجمعية العام للأمم المتحدة التدخل في شبه الجزيرة الكورية في ظل عجز مجلس الأمن عن اتخاذ ما يلزم من إجراء نتيجة مقاطعة مندوب الاتحاد السوفيتي لجلسات مجلس الأمن التي نظر فيها موضوع الأزمة الكورية.

وإذا كانت اتفاقيات جنيف الأربعة قد تجاوزت تعبير الحرب واستعملت اصطلاح الصراع المسلح الذي يقوم بين دولتين أو أكثر، كما انصرفت أحكام البروتوكول الأول الإضافي إلى معالجة الأوضاع الناشئة عن الصراعات المسلحة الدولية إلا أن التفرقة بين هذه الصراعات المسلحة وبين الصراعات غير الدولية لم تلق تعريفاً محدداً، فتقتصر أحكام القانون الدولي الإنساني على الإشارة إلى صراعات مسلحة دولية والى صراعات مسلحة غير دولية ولا تفيد الإشارة إلى أن هذه الأخيرة هي التي ليست لها السمة الدولية character not of an international على نحو ما ورد بالمادة (3) المشتركة لاتفاقيات جنيف، في تحديد دقيق لما يعتبر من الصراعات المسلحة دولياً إذ أن الحالات التي تقوم في الوقع، وفي الأغلب الأعم، تتجاوز شكلية المواجهة المسلحة المباشرة بين دولتين أو أكثر.

وعموماً فقد كانت التفرقة بين الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية محل نقد فقهي فوصفها البعض بالتحكمية التي لا تقوم على أساس موضوعي، كما أبدى البعض بأنها غير مرغوب فيها لأنها تستعصي على التبرير المنطقي وأخيراً أن من شأنها التطاول على القيم الإنسانية التي تتطلب الحماية لذاتها دون النظر لطبيعة الصراع المسلح.

فإذا كان ذلك وكانت الصراعات المسلحة غير الدولية، أو التي تبدو في ظاهرها كذلك إذ إننا على يقين بأن معظم هذه الصراعات إنما تستتر من ورائها مصالح دولية أو دول أجنبية بالتحريض أو المساعدة، هي الأكثر حدوثاً في الواقع المعاصر، على ما أوردته الأستاذة Ingrid Detter في أحدث مؤلفاتها عن قانون الحرب، فقد بلغت هذه الصراعات التي نشبت اعتباراً من نهاية الحرب العالمية الثانية حوالي مئة وخمسين صراعاً مسلحاً جُّلها في البلاد النامية، ولعل أبلغ أمثلة فساد محاولة الوقوف عند اعتبارات شكلية محضة لوصف الصراع من أن الاتحاد السوفيتي كان يرى أن الحرب الكورية هي حرب داخلية تأسيساً على وجود حكومة واحدة شرعية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعتبر الحرب الفيتنامية، على الأقل في مراحلها الأولى صراعاً داخلياً.

كما وأن درجة العنف مداه لا يمكن أن يكون معياراً داخلاً في التفرقة بين أنواع الصراعات المسلحة إذ أن المشاهد أن الصراعات المسلحة غير الدولية قد تشهد عنفاً وتوحشاً يتعدى حدود التصور الإنساني، على نحو ما هو ثابت من إشراك أطفال في أعمال القتال وارتكاب المذابح والتضحية بهم كنسق أول أو الدفع بهم في حقول الألغام الأرضية.

ونخلص مما سبق أنه ليس بمجدٍ التصدي لإيجاد معايير للتفرقة بين نوعي الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية، على ذلك فإننا سنتناول فيما يلي الصور البارزة التي يتخذها كل نوع من تلك الصراعات فنعرض أولاً للصراعات المسلحة الدولية ثم للصراعات المدَّولة Internationalised ثم أخيراً للصراعات المسلحة غير الدولية.

أولاً: الصراعات المسلحة الدولية

1- أشرنا في ما سبق إلى أن الصورة التقليدية للصراع المسلح الدولي هو الذي يقوم بين دولتين أو أكثر دون استلزام أن يسبق قيام الصراع إعلان بالحرب.

ويمكن أن يلحق بهذا النوع، حالات التدخل التي تقررها الأمم المتحدة في إطار الإجراءات المتخذة بالتطبيق لأحكام الفصل السابع من الميثاق وأهمية إدراج هذه الحالة ضمن حالات الصراعات المسلحة الدولية يرجع إلى ضرورة إخضاع قوات الأمم المتحدة لأحكام القانون الدولي الإنساني، تجاوزاً للجدل الفقهي الذي يمكن أن يثار حول ما إذا كانت الأمم المتحدة تخضع بحسبانها كذلك، لأحكام القانون الدولي الإنساني التي تخاطب الدول الأعضاء في المجموعة الدولية، ونرى أن خضوع الأمم المتحدة للقانون مصدره الفهم الصحيح لقواعده وليس إلى إعلانات أو اتفاقات خاصة تعقدها الأمم المتحدة بمناسبة تدخل معين.

على أن تكييف الصراع المسلح قد يدق في الواقع، مثل ذلك تعرض مرضى من الكروات بإحدى المستشفيات الموجودة بإقليم كرواتيا للقتل على أيدي جنود تابعين لحكومة يوغسلافيا السابقة (SFRY) وكان ذلك في تاريخ لاحق على إعلان كرواتيا الاستقلال عن جمهورية يوغسلافيا، وإنما قبل الاعتراف بها دولياً، وقد يُثار التساؤل عما إذا كان القانون المطبق في هذه الحالة هو قانون الصراعات المسلحة الدولية أم قانون الصراعات المسلحة غير الدولية.

2- تدويل صراع داخلي نتيجة تدخل أجنبي صريح:

ولعل التدخل الأجنبي في الصراعات المسلحة غير الدولية هو القاعدة بأكثر ما يكون الاستثناء، وإذا كنا هنا سنتناول التدخل الصريح، فنبادر بالقول بأن التدخل غالباً ما يأخذ صوراً مستترة بل كثيراً ما يكون اشتراكاً complicity واستتاراً وراء إيحاء التجاهل، كل ذلك على نحو ما سيرد بيانه.

وقد أصطلح على تسمية هذا النوع من الصراعات بأنها الصراعات المدَّولة Internationalised وقد يأخذ هذا التدخل الصريح الصور الآتية:

1- تدويل صراع مسلح بين جماعتين وطنيتين داخل إقليم دولة واحدة إذا ما ساندت كل منها دولة أو دول أجنبية.

2- التدخل العسكري المباشر لدولتين أجنبيتين كل منهما في مواجهة الأخرى دعماً للأطراف الداخلية المتصارعة.

3- التدخل الأجنبي دعماً لحركة ثورية في صراع مع الحكومة القائمة، ولعل أوضح حالات التدخل السائد، حديثاً، في صراع مسلح داخلي، هي حالة تدخل حلف الأطلنطي (NATO) في الصراع المسلح الذي كان قائماً بين حركة جيش تحرير كوسوفو (KLA) وبين جمهورية يوغوسلافيا (FRY) سنة 1999، فقد قامت قوات الحلف بقصف أهداف، ليست بالضرورة مما يعتبر قانوناً أهدافاً عسكرية مثل التلفزيون اليوغسلافي، في العاصمة بلغراد علماً بأن حركة تحرير كوسوفو لم تعلن أنها تود أن تهدف إلى الانفصال عن الجمهورية اليوغسلافية، ومثال آخر للتدخل المباشر هو التدخل في جمهورية الكونجو الديمقراطية سنة 1998م دعماً لقوى متصارعة فيها، والذي قامت به دول رواندا وأنجولا وزمبابوي وأوغندا وغيرها.

ثانياً: تدويل الصراع الداخلي نتيجة تدخل أجنبي مستتر

وهذه الحالة، وإن كانت الأكثر شيوعاً في التطبيق، إلا أنها كثيراً ما تبقى في ضبابية الخفاء، وقد لا يعلم بها أو يعلن عنها إلا بعد مدة قد تطول أو تقصر.

ذلك ما كان من أمر مساعدة أجهزة مخابرات أجنبية في تدعيم المجاهدين الأفغان في صراعهم المسلح ضد الحكومة التي كانت قائمة بدعم من الاتحاد السوفيتي وبمساعدته العسكرية خلال الثمانينات من القرن الماضي، كما أنه لم يعد خافياً مثلاً القوى التي كانت وراء بعض محاولات مهاجمة الحكومة الكوبية، والتي فشلت إحداها فيما عُرف بمعركة خليج الخنازير، ولا أدعي القدرة لرصد حالات التدخل المستتر التي طرأت في الواقع الدولي المعاصر، وإنما أود فقط قبل استعراض حالتين من تلك الحالات أن أنوه إلى أن التدخل قد يأخذ صوراً متعددة، وهو يتلون بألوان مختلفة في محاولة التخفي، ومن أمثلة ذلك ما يقال عن ضباط وجنود دول أجنبية، قد ينهون أو لا ينهون خدمتهم بدولهم الأصلية، ويرتبطون بعقود خدمة سواء كمحاربين أو كمستشارين أو كفنيين لدى الحكومة المحلية أو القوى الثائرة، وقد يثار التساؤل عن أثر ذلك على تكييف الصراع القائم، بل وأيضاً عن وضع هؤلاء العسكريين الأجانب قانوناً وهل يعبرون من المرتزقة الذين لا يخضعون إلا لحكم المادة (47) من البروتوكول الأول الذي تؤكد على أنه ليس لهم الحق في اعتبارهم مقاتلين أو أسرى حرب. وقد أثارت الكثير من الدول اعتراضات في شأن ما جاء من تعريف تلك المادة للمرتزق من وجوب اشتراكه بطريق مباشر في العمليات الحربية (part in hostility 47/2-6:does in fact takes direct) وضرورة ألا يكون مرسلاً في مهمة رسمية من دولة أجنبية ليست طرفاً في الصراع (47/2-و) have not been sent by a State which is not party to the conflict on official duty as a member of its armed forces. ونرى أن تحقق التدخل الأجنبي حتى تحت ستار إرسال خبراء عسكريين، يترتب عليه تدويل الصراع على الأقل لأنه يكشف عن أن الصراع قد بلغ حداً من الجسامة لم تعد الحكومة القائمة قادرة على مواجهته إلا بالاستعانة بالخبرة الأجنبية.

وعن أمثلة التدخل الأجنبي المستتر، فالمثل الأول يتعلق بما كان من تدخل الولايات المتحدة في الصراع الذي كان قائماً بنيكارجوا بين الثوار (Contras) وبين الحكومة القائمة وقتذاك وهي حكومة (Sandinista) وقد كان تدخل الولايات المتحدة عن طريق إرسال عملاء من وكالة المخابرات المركزية وتوزيع إرشادات عملية تبين كيفية ممارسة العمليات التي من شأنها تحقيق أهداف الثوار، وغير ذلك من المعونات، مناسبة لكي تبين محكمة العدل الدولية، وقد عرض النزاع عليها عن طريق طلب دولة نيكارجوا، تقرير مدى المسؤولية الدولية للولايات المتحدة عما قامت به من أعمال التدخل في الشؤون الداخلية لدولة نيكارجوا، وليس المجال هنا لاستعراض كافة مناحي المنازعة ولا الوقائع التي انتهت محكمة العدل الدولية إلى صحة نسبتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما نقتصر على بيان أن محكمة العدل الدولية قد انتهت إلى تحقيق مسؤولية الدول المتدخلة عن الأعمال غير المشروعة، التي تقع خلال صراع داخلي، من الطرف الذي تسانده الدولة الأجنبية المتدخلة إذا تحقق أن مرتكبي هذه الأعمال كانوا يتصرفون لحساب الدولة الأجنبية ويلزم لإثبات ذلك أن تتوافر للدولة الأجنبية السيطرة الفعلية التي بناءً عليها يصدق على مرتكبي الأعمال غير المشروعة أنهم يتصرفون لحساب تلك الدولة الأجنبية.

وإذا كان المثل السابق مجاله بحث مدى مسؤولية الدولة الأجنبية المتدخلة، فإن المثل التالي والذي عُرض على المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، هو الذي يوضح بجلاء متى يُعبر التدخل المستتر أن من شأنه صبغ الصراع المسلح، الذي يبدو في السطح داخلياً غير دولي بالصبغة الدولية، ويتعلق المثال بما عُرض على المحكمة الجنائية الدولية من ضرورة تكييف صراع مسلح كان قائماً اعتباراً من سنة 1992 بين جمهورية البوسنة والهرسك وبين طائفة من مواطنيها هم صرب البوسنة (Bosnian Serbs) فقضت المحكمة بأنه متى ثبت أن جمهورية يوغوسلافيا (FRY) كان لها الإشراف العام على مجريات الصراع فإن ذلك يكفي لوصف الصراع بأنه صراع دولي تنطق في شأنه أحكام القانون الدولي الإنساني التي تنظم الصراعات الدولية، وقد حرصت المحكمة على بيان أن مجال المسؤولية الدولية، وهو الذي كان محل نظر محكمة العدل الدولية، يختلف نوعياً عن موضوع وصف النزاع من منظور القانون الدولي الإنساني.

4- أنواع الصراع التي اعتبرت دولية في مفهوم تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني:

بيان ذلك أن الفقرة الرابعة من المادة (1) من البروتوكول الأول الإضافي، في بيانها لمجال إعمال أحكام البروتوكول الأول الذي ينظم الصراعات المسلحة الدولية، تضمنت أن مجال إعمال أحكام البروتوكول يشمل الصراعات المسلحة التي تخوضها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو ضد الأنظمة العنصرية.

وقد حرصت ذات الفقرة على بيان أن ما أوردته من حكم إنما يستند إلى حق تقرير المصير على نحو ما يؤكده ميثاق الأمم المتحدة وكذلك الإعلان بشأن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، ونضيف إلى ذلك العديد من التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الاتجاه، ومنها التوصية رقم 1514 لسنة 1960 بشأن منح الاستقلال للبلاد والشعوب الخاضعة للاستعمار والتوصية رقم 3103 لسنة 1973 بشأن اعتبار الصراعات التي تخوضها الشعوب ضد الاستعمار صراعات دولية.

ومع ذلك، فإن المصطلحات التي أوردتها الفقرة الرابعة من المادة (1) المشار إليها قد يعوزها الانضباط الذي قد ينتج خلافاً في الواقع العملي، فالمشاهد أن كثيراً من الحركات المسلحة يقوم على ادعاء التحرر من عنصرية إثنية أو دينية، أو ادعاء أن الإقليم الذي تقوم به الحركة المسلحة إنما هو في حقيقته خاضع لاستعمار الإقليم الآخر الذي تسيطر عليه الحكومة المركزية وقد يثار التساؤل عما إذا كان محض وجود الحكومة المركزية في إقليم معين يمكن أن يكون سنداً لادعاء احتلال هذا الإقليم لغيره من الأقاليم، كما هل يكون مقبولاً القول بأن وجود أي أغلبية إثنية أو دينية مدعاة لوصف النظام بالعنصرية، وكل ذلك ليس افتراضات نظرية، بل إن الواقع الدولي المعاصر ينضح بالكثير من الادعاءات في هذا المجال.

ثانياً الصراعات المسلحة غير الدولية

أشرنا فيما سبق إلى أنه بدخول البروتوكول الإضافي الثاني حيز التطبيق، أصبح الأمر يقتضي فضلاً عن التمييز بين الصراعات الدولية والصراعات غير الدولية، التفرقة بين هذه الأخيرة وبين غيرها من صور الاضطرابات المسلحة التي لا ترقى مع ذلك إلى وصف الصراع غير الدولي.

1- الصراعات المسلحة غير الدولية:

وهذه الصراعات تنظمها أحكام البروتوكول الإضافي الثاني حيث تنص المادة (1) من البروتوكول على أن مجال إعمال البروتوكول يقتصر على الصراعات التي لا تغطيها أحكام المادة (1) من البروتوكول الأول، والتي تتوافر فيها الشروط التالية:

أ) أن يقوم الصراع على أراضي دولة منضمة إلى البروتوكول

ب) أن يكون الصراع قائماً بين القوات المسلحة لتلك الدولة وبين قوات مسلحة منشقة أو غيرها من الجماعات المسلحة.

ج) أن تكون تلك القوات أو الجماعات المسلحة تحت قيادة مسؤولة تفرض سيطرتها وتمارس هذه السيطرة على جزء من إقليم يسمح لها بمباشرة عمليات حربية لها صفة الاستمرارية ويمكنها من تطبيق أحكام البروتوكول.

وباستعراض هذه الشروط يبين أن الحالة التي تنصرف إليها أحكام البروتوكول تكاد تقترب من الحالة التي كان ينظمها القانون الدولي التقليدي ويصفها بوصف الحرب الأهلية.

وقد حرص البروتوكول على التأكيد أن أحكامه لا تمس سيادة الدولة ومسؤوليتها في حماية وحدتها الوطنية ووحدة أراضيها، كما أكد على أنه ليس في أحكامه ما يمكن أن يكون مبرراً لتدخل أجنبي، أياً كان سبب التدخل، في الصراع الداخلي على نحو ما تؤكده المادة (3) من البروتوكول.

د) ما لا يُعتبر صراعاً مسلحاً غير دولي:

ويمكن استظهار هذا الوصف من استعراض الحالات التي أشارت إليها الفقرة الثانية من المادة (1) من البرتوكول، والتي حرصت على التنبيه بأنها لا تدخل ضمن طائفة الصراعات المسلحة غير الدولية التي تنظمها أحكام البروتوكول.

والحالات المشار إليها في الفقرة الثانية المشار إليها تنصرف إلى حالات الاضطرابات والغليان الداخلي، التي من أمثلتها على نحو ما ورد بالفقرة المشار إليها، حالات الشغب أو الهياج، وحالات العنف الفردي والمتقطعة وغيرها مما يشابهها، فكل ذلك أمور لا تدخل في مفهوم الصراعات المسلحة غير الدولية، وبالتالي لا تخضع لأحكام البروتوكول الثاني.

الخاتمة

ولا أجد، بعد العرض السابق أبلغ وأجدى من أن أشير إلى ما ورد بالتوصية التاسعة التي أوصى بها معهد القانون الدولي في مؤتمره المنعقد ببرلين في أغسطس سنة 1999 من أنه يتعين لمواجهة الأوضاع الناشئة عن الصراعات المسلحة غير الدولية أن تتضافر جهود الدول والمنظمات الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرهم من المنظمات غير الحكومية التي تمارس نشاطات في مجال القانون الدولي الإنساني من ضرورة العمل على إيجاد آليات تدقيق ورقابة على تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني، وتنظيم وتدبير آليات محايدة لتقدير قيام مثل هذه الصراعات إذا ما أدعت الدولة المعنية عدم قيامها رغم ما قد يكون متوافراً من العلم بقيام مثل تلك الصراعات.

وإلى جانب ذلك، فإنه يتعين العمل على نشر القواعد العرفية التي استقر الضمير الإنساني وأقرت الدول ضرورة الالتزام بها في كافة الصراعات غير الدولية، وأخيراً، فإنه يجب تنظيم آليات أكثر إلزاماً في حالات الصراع المسلح غير الدولي، ليس أقلها إدخال نظام المخالفات الجسيمة التي يترتب على مخالفتها توقيع الجزاء الجنائي على مخالفها.

ونعتقد أنه بذلك، وفي ضوء أحكام محكمتي لاهاي ورواندا، وما هو مأمول من نتائج عن ممارسة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي International Criminal Cout بجدية تعقب مرتكبي الجرائم التي هي سبة في جبين الإنسانية مثل جرائم الحرب والإبادة العرقية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية أن يكون ذلك ربما بداية إنطلاق عهد جديد لحضارة جديرة بصفة الإنسانية.

شبكة النبأ المعلوماتية - الأربعاء 24/12/2003 -  30/ شوال/1424