وبصيغة أخرى: هل العرب أدنى من بقية شعوب
العالم؟! سؤال لافت طرحه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وذلك
بمناسبة مرور 55 عاما على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. كان ذلك عبر
ندوة تناولت أسباب غياب مفاهيم حقوق الإنسان عن العالم العربى رغم
توقيع دوله على الاتفاقات والبروتوكولات المتتالية المتعلقة بهذا
الشأن.
وأهمية الندوة لم تقتصر على تلمس أبعاد جديدة
فى القضية المطروحة، وإنما أيضا لأن المشاركين فيها مثلوا- وهى صدفة
غالبا- ثلاث دول عربية، ليتضح من خلال هذا أن المشاكل تتطابق بصورة
مذهلة على المستوى الإقليمى.
والسؤال المطروح وكما أشار مجدى النعيم -نائب
مدير المركز والذى تولى إدارة الندوة- يتجاوز مجرد وصف حالة العالم
العربى الآن إلى البحث فى مسببات تلك الحالة.
لماذا نحن مثلا من أكثر الدول على مستوى العالم
استبدادا، لماذا أيضا نحتل حسب تقارير عالمية مراتب متأخرة فى عمليات
التنمية البشرية وعلى العكس يأتى ترتيبنا أعلى فيما يتعلق بشيوع
الفساد؟ هل هناك فرصة لأن يأتى التغيير من داخل العالم العربى وليس من
خارجه؟ ثمة من يعتقد أن هناك فرصة ولو محدودة لذلك..فما هى
الاستراتيجيةالتى علينا إتباعها للتنفيذ؟
نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية بجريدة الأهرام المصرية اعترض على صيغة السؤال لأنه-يحمل
من وجهة نظره- شبهه تمييز عنصرى ضد العرب إزاء الآخرين، فضلا عن
غموضه،فهو لم يحدد بحثه على أى مجال من مجالات الانطباق.
عبد الفتاح أشار كذلك إلى أن السؤال متكرر منذ
ما قبل هزيمة 67 ودائما ما يتم طرحه مشوبا بالغضب والتوتر فهو أبدا
سؤال مشجون.
وقال أنه يفضل السؤال عن بطء التحرك فى العالم
العربى نحو إعمال بنود إعلان حقوق الإنسان، مشيرا إلى أننا لسنا حالة
فريدة فى هضم وتمثل هذه البنود فهناك الهند ودول آسيوية وأفريقية
وجميعها ترفع مبدأ الخصوصية الثقافية كخطاب تبريرى لعدم تنفيذ
الاتفاقات التى وقعت عليها فهى ترى أن التنفيذ يعنى تفكيك ثقافات
شعوبها.
وقال إننا ننظر إلى تطبيقات حقوق الإنسان فى
الغرب ونتناسى أن الديمقراطية نشأت نتيجة لتطور العلاقة بين الدولة
والمجتمع، ولتطور الفرد كفاعل فى مجال الحقوق والحريات،ننسى أيضا
الصراع الكبير الذى حدث بين الدين واللاهوت من جانب والقوانين الوضعية
من جانب آخر، وأن حقوق الإنسان ليست إلا جزء من علمانية غربية، وأن
المجتمعات العربية والإسلامية مازالت تنظر لمصطلح"العلمانية" بكثير من
الشك.
من خلال هذه الأفكار قال نبيل أنه وبرغم غياب
الدراسات الوافية عن أسباب عدم تطبيق بنود حقوق الإنسان فى الدول
العربية إلا أن هناك شواهد عامة نستطيع التقاطها.
بحسب رأى نبيل عبد الفتاح فإنه لابد من الابتعاد
عن الدولة وممارساتها قليلا ومشاهدة الصورة من جانب آخر، وتلك الصورة
قد تتضح بالإجابة عن سؤال: هل الديمقراطية مطلب أصيل لدى الشعوب
العربية؟
هو يعتقد أن الرغبة فى تطبيق مبادئ الديمقراطية
وحقوق الإنسان فىالعالم العربى ليست إلا مطالب نخبوية وتلك
هىالمشكلة،فالممارسات المجتمعية العربية ضد فكرة الحرية بشكلها الغربى،
وانتهاكات حقوق الإنسان أصبحت فى كثير من الأحيان جزء من ثقافة
اجتماعية، فإلى جانب الرقابة الحكومية بأشكالها المعتادة والمعروفة
هناك أيضا ثقافة الجماعة الدينية والطائفية والمذهبية، وهو يضرب أمثلة
عديدة على تغلغل مجالات انتهاك حقوق الإنسان فى المجتمعات العربية ومن
ذلك انتهاكات الجيرة،العمل،بل وأحيانا رفع الشعارات الوطنية الصاخبة،
وأيضا النظم والطرز المعمارية التى يتبناها الأهالى وأحيانا الدولة
فتلك الطرز بتخطيطها العشوائى والمتداخل تعنى أن هناك إمكانية لانتهاك
الحق فى الخصوصية وهو أحد المبادئ الهامة فى إعلان حقوق الإنسان
العالمى.
إلى هذا الحد تبدو المشكلة أعمق من مجرد مطالبة
الدولة بتطبيق قواعد الديمقراطية وبنود إعلان الحقوق، لهذا ومن رأيه
أيضا فإنه من التبسيط المخل وبصرف النظر عن الاعتبارات الوطنية انتظار
الحرية القادمة على أسنة الدبابات الأمريكية، فالأمر بالنسبة له يجب أن
يتحول إلى مطلب شعبى فعال ليستطيع الضغط على الحكومات العربية لتنفيذه،
وهذا بالضرورة يرتبط بميلاد الفرد الواعى.
ويرى نبيل عبد الفتاح أن هناك بوادر جيدة فى هذا
الإطار وهى ترتبط بالتفاعل بين الداخل والخارج.. فمجال الانترنت سواء
المحلى أو الاقليمى أو العالمى -ودون أى حكم قيمى- يساهم فى رفع الوعى
بأهمية حقوق الفرد والمجتمع.
وأيضا كون المنح والقروض باتت مشروطة بتنفيذ
الديمقراطية وحقوق الإنسان هذه المشروطية من رأيه تساهم فى الحد من
غلواء النظم التسلطية إلى حد ما.
د.دلال البزرى الكاتبة اللبنانية والباحثة فى
علم الاجتماع اعتبرت أنه فى الحضور الهزيل للندوة( لم يزد عدد الحاضرين
عن الثلاثين) إجابة أكثر من كافية حول نظرة المجتمع لفكرة حقوق
الإنسان.
قالت دلال: أمين معلوف يرى أن هناك نوعيين من
الهويات أحداهما أفقية وهى هوية الماضى: بكل ما فيه من تراث ودين
وأساطير ورثها الفرد عن أجداده. والهوية الأخرى عمودية: وتمثل وقت
الفرد الحاضر. وهى تعتقد أنه لو نظرنا لمجتمعاتنا وفق هذه النظرية
سنتبين أن الهوية العمودية مفقودة تماما لدينا، وأننا نعيش فى ظل
الهوية الأفقية فى نفس الوقت الذى نستخدم فيه منتجات الحياة العصرية.
غالبية المثقفون العرب فى رأيها يرفضون العولمة
فيما حياتهم معولمة وإرهابهم معولم! هم حسب رأيها رفضوا العولمة مثلما
رفضوا الحداثة التى أصبحت واقعا فى المجتمعات العربية الآن، وعلقت
ساخرة: هم يظنون بذلك أنهم تطهروا من اللوثة الغربية الإمبريالية
وتمسكوا بهويتهم فى سبيل مقاومة الاستعمار.
تلك الشيزوفرانيا - فى ظنها- هى السبب الأساسى
الذى يجعل العالم العربى معاد لمقولة حقوق الإنسان، أما السبب الآخر
فيعود إلى أننا: ومنذ الاستقلال اعتدنا على منهج تفكير واحد ويتلخص فى
رفض ما يرغبه الخصم تماما فإذا كانت إسرائيل تكره صدام فنحن نحبه، وإذا
أرادت أمريكا –عدوتنا- الديمقراطية فنحن لا نريدها.
اتهمت كذلك البارانويا العربية، فنحن مسكونين
طوال الوقت بفكرة المؤامرة، نقول أننا ضدها لكن ذلك ليس صحيحا....وحكت
عن نكتة سرت فى لبنان وقت الحرب الأهلية: المليشيات كلها تقاتل بعضها
إنما ولا جريمة تقع يكون أحدا مسئولا عنها بل..... العدو الصهيونى!!
قالت دلال أن التركيبة الذهنية الأصولية طاغية
على أذهان الأفراد العرب حتى ولو لم يكونوا ضمن جماعة إسلامية. وأكدت
على ضرورة أن تقوم مراكز حقوق الإنسان العربية بشرح ما يعنيه إعلان
حقوق الإنسان للناس، وبيان أن تنفيذه يعنى بالنسبة لهم المأكل الجيد
والسكن الملائم والحق فى العمل.....
وانتهت إلى التساؤل: كيف نوقع على بروتوكولات
دون أن تكون الناس معنية بها ولا تعرف تفاصيلها.
وتحدث أخيرا عبد الحسين شعبان وهو باحث حقوقى من
العراق..قائلا أن هناك إشكالية تتعلق بالحركة العربية لحقوق الإنسان
ذلك أن الحكومات العربية تتهمها دوما بالتبعية للغرب، وبمساعدته
-باستخدام ورقة حقوق الإنسان وهى اختراع مشبوه كما تعتقد تلك الحكومات-
للتأثير على سياساتها وثقافاتها وهويتها. وفى الوقت نفسه تطالب
الحكومات هذه الحركات بالدفاع عن السيادة الوطنية عندما تطالبها الدول
الغربية بإصلاح النظام السياسى والتعليمى والدينى ..
قال إن الحركة العربية أحيانا ما تقع فى حيرة
أمام هذا الالتباس، غير أنها فى الحالتين تجد نفسها فى مواجهة السهام
التى تحاول النيل من وطنيتها بطريقتين مختلفتين.
وأضاف شعبان إن تطبيق بنود حقوق الإنسان واجه
ومازال تحديات بعضها خارجى والآخر داخلى. فالحصارات الدولية الجائرة
والاحتلالات المباشرة والغير مباشرة والحروب الحدودية التى دخلتها عدة
بلدان عربية كانت عنصر إضعاف للعرب، إضافة إلى أن الحكومات العربية
ادعت أنها ضحت بقضية التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل
الانتصار فى حربها مع إسرائيل، وكانت النتيجة أننا لم نحقق تقدما فى
مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد وكذلك الديمقراطية وفى نفس الوقت
فقدنا الأرض تلو الأرض، والشبر تلو الشبر.
و كان من نتيجة عدم الوصول لتسوية سلمية مع
إسرائيل- والكلام مازال لعبد الحسين شعبان- أن الحكومات العربية بددت
المليارات بالحجة ذاتها: شراء الأسلحة لمواجهة العدو الخارجى، غير أنها
لم تستخدم السلاح سوى ضد العدو الداخلى وهو شعوبها.
وقال إن هناك مشاكل داخلية فى بنية البلدان
العربية تمنع تطبيق بنود الإعلان لأنه بتطوره الذى يكاد يصل إلى إعلان
الديمقراطية مبدأ إلزامى -وهو تطور مهم فى فقه حقوق الإنسان- يتعارض مع
ما نجده ونلمسه داخل بلداننا حيث لا يسود سوى خطاب الإقصاء والعزل
والإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر، وأضاف أن المواطنة فى الدول العربية
تنشطر على إثنية وعشائرية وعودة للقبلية والعائلة وأنه فى غياب مفهوم
المواطنة الذى يعنى الارتكاز على مبدأى المساواة والمشاركة فإنه لا
مستقبل لحقوق الإنسان فى هذه المنطقة. |