تناقلت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية في
الفترة الأخيرة أنباء عن تراجع صورة إسرائيل في الأوساط الشعبية
الأمريكية، وكشفت عن تداول قادة بعض الجماعات الأمريكية الموالية
لإسرائيل لاستطلاعات رأي - غير منشورة - تشير إلى وقوف غالبية الشعب
الأمريكي (62%) موقفا محايدا تجاه صراع الشرق الأوسط، وإلى تراجع ملحوظ
في تأييد اليسار الأمريكي (22% فقط) لمساندة أمريكا لإسرائيل، وتدهور
صورة إسرائيل لدى بعض فئات الشعب الأمريكي وعلى رأسها الطلاب والأفارقة
الأمريكيين.
ويتناول التقرير التالي الصادر عن مجلس العلاقات
الإسلامية الأمريكية (كير) عدد من التقارير الصحفية استطلاعات الرأي
والتي نشرت على فترات – ومن قبل جهات - متفرقة خلال العام الماضي،
والتي توثق الظاهرة السابقة.
وتتحدث بعض تلك التقارير عن اعتراف المسئولين
الإسرائيليين المتزايد بالمشكلة وسعيهم – في الفترة الأخيرة - لإعادة
بناء جهود إسرائيل لتحسين صورتها لدى شعوب الدول الأجنبية بما في ذلك
الشعب الأمريكي، وذلك بالتعاون مع بعض خبراء العلاقات العامة
الأمريكيين المساندين لإسرائيل.
ويقول نهاد عوض المدير العام لمجلس العلاقات
الإسلامية الأمريكية (كير) أن "صورة إسرائيل تواجه بشكل متزايد أزمة في
أوساط الشعب الأمريكي البعيدة عن سيطرة النخب السياسية بواشنطن، وخاصة
في أوساط الشباب والليبراليين والأفارقة الأمريكيين"، وأضاف عوض قائلا
"مشكلة إسرائيل ليست في دعايتها أو في دبلوماسيتها وإنما في سياساتها
ومواقفها العنصرية التي تغفل حقوق الشعب الفلسطيني وتقف حائلا ضد إقامة
سلام عادل وشامل بالشرق الأوسط".
شعور إسرائيلي بخسارة عقول وقلوب الشعب الأمريكي
كشفت وكالة الأنباء اليهودية (JTA) في مقال
نشرته في التاسع من ديسمبر الحالي عن انتشار شعور بأن "إسرائيل تخسر
معركة التأثير على العقول والقلوب الأمريكية" في دوائر بعض قيادات
المنظمات الأمريكية الموالية لإسرائيل الذين شرعوا منذ عام ونصف تقريبا
في تنفيذ حملة علاقات عامة واسعة لمواجهة تدهور صورة إسرائيل في
الأوساط الشعبية الأمريكية.
وقالت الوكالة أن إسرائيل التي نجحت في الحفاظ
على تأييد النخب السياسية الأمريكية لسياساتها باتت تواجه مشكلة في
التواصل مع الشعب الأمريكي اعترف بها المسئولون الإسرائيليون أنفسهم
وبات محتما عليهم التعامل معها بجدية.
وأشارت الوكالة إلى استطلاع أجرته منظمة مشروع
إسرائيل (The Israel Project) في شهر نوفمبر الماضي وجد أن 62 % من
الناخبين الأمريكيين يريدون أن تقف أمريكا موقفا محايدا من صراع الشرق
الأوسط مقارنة بنسبة 42 % فقط في صيف عام 2002.
كما وافق 22 % فقط من الناخبين الديمقراطيون على
انحياز أمريكا لإسرائيل في مقابل 47 % من الجمهوريين.
وكشف الاستطلاع عن ميل الأمريكيين بشكل متزايد
للمساواة الأخلاقية بين الاعتداءات الإسرائيلية والفلسطينية، إذ رأى 45
% من الأمريكيين أن إسرائيل تتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها
المسلحون الفلسطينيون وذلك مقارنة بنسبة 39 % في شهر يوليو الماضي.
أسباب تدهور صورة إسرائيل
ذكرت خبيرة العلاقات العامة جانيفر لازلو مزراحي
لوكالة الأنباء اليهودية أن خسارة إسرائيل لعقول وقلوب الشعب الأمريكي
يعود إلى عدة أسباب على رأسها تغطية الإعلام الأمريكي المكثفة
للانتفاضة الفلسطينية على مدى السنوات الثلاثة الأخيرة، مما أشعر
الأمريكيين بالإرهاق من دائرة العنف التي لا تنتهي، وزاد من رغبتهم في
وقوف أمريكا على الحياد.
كما انتقدت مزراحي - والتي أسست في مارس 2003
منظمة مشروع إسرائيل لمواجهة تراجع صورة إسرائيل في الإعلام الأمريكي –
استراتيجية الدعاية الإسرائيلية وقالت أن إسرائيل فشلت في تنويع وتجديد
رسالتها الإعلامية وأنها كررت نفسها كثيرا خلال الأعوام الثلاثة
الماضية بشكل جعل الإعلام الأمريكي ينظر إليها على أنها الطرف "المعتدي
والقامع".
وقال خبراء ومسئولون إسرائيليون آخرون أنه يتحتم
على إسرائيل أن تسقط مصطلح "العلاقات العامة" من قاموسها الدبلوماسي
وأن تستبدله بمفهوم "الدبلوماسية الشعبية"، كما ينبغي عليها زيادة
ميزانيها المخصصة لهذه الأنشطة (تسعة ملايين دولار أمريكي)، واقترحت
مزراحي على الحكومة الإسرائيلية تركيز عملياتها العسكرية في فترات
محدودة وقصيرة حتى تتجنب تغطية وسائل الإعلام الأمريكي للعمليات
العسكرية الإسرائيلية على مدى فترات طويلة من الزمن.
ولكن بعض النشطين اليهود الأمريكيين قالوا أن
صورة إسرائيل تواجه تحديا أكبر من تحدي العلاقات العامة والدعاية لأنها
تواجه تحدي واقعي يرتبط بسياسات إسرائيل على أرض الواقع وتحدي مستقبلي
يرتبط بعدم امتلاك إسرائيل لخطاب بخصوص المستقبل.
صورة إسرائيل تعاني من تدهور
منذ فترة
نشرت جريدة جيوش ويك (الأسبوع اليهودي)
الأمريكية مقالا في السادس عشر من شهر أغسطس 2002 يتحدث عن خسارة
إسرائيل "بعض الساحات" في حرب العلاقات العامة ضد الفلسطينيين في
أمريكا بسبب استمرار العنف في الشرق الأوسط، وأشارت الصحيفة إلى
استطلاعات رأي أجراها خبراء رأي عام أمريكيين جمهوريين وديمقراطيين
وفقا لطلب منظمة مشروع إسرائيل في صيف عام 2002.
وقالت الصحيفة أنها حصلت على نسخ من نتائج
الاستطلاعات التي وزعت بشكل سري على قادة المنظمات اليهودية الأمريكية
وتم مناقشتها في اجتماع لأعضاء مؤتمر قادة المنظمات اليهودية الأمريكية
في شهر أغسطس 2002، وقالت أن اللجنة اليهودية الأمريكية ومجموعة رجال
أعمال يهود أمريكيين من كاليفورنيا (Israel C21) يقفون بقوة خلف
الاستطلاعات والحملة الجديدة لتحسين صورة إسرائيل.
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الاستطلاعات
فشل استراتيجية الهجوم المستمر على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات
بدلا من تقديم صورة إيجابية لإسرائيل وعلاقتها بأمريكا، وأوصت الدراسات
بتعيين عدد من المتحدثين الرسميين باسم الدبلوماسية الإسرائيلية
يتميزون بصغر السن وبإجادة اللغة الإنجليزية بلكنة أمريكية واضحة،
والقدرة على عرض وجهة نظر إسرائيل بشكل هادئ غير غاضب، والتركيز على
رغبة إسرائيل في السلام بدلا من الهجوم على الفلسطينيين، وترديد عبارات
مثل "الديمقراطية" و"الحرية" و"السلام" و"الأمن" بشكل مستمر في حديثهم
وربطها بإسرائيل، وذلك على أن تكون نسبة معقولة منهم من النساء.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز في مقال نشرته في
الأول من أكتوبر 2002 إلى حملة إعلانات تلفزيونية كبيرة أطلقتها
المنظمات اليهودية الأمريكية لتحسين صورة إسرائيل على شاشات التلفزيون
الأمريكية، وقالت الصحيفة أن الحملة تعد تغيرا كبيرا في استراتيجية
المنظمات اليهودية الأمريكية التي اعتادت على نشر إعلانات الصحف
والراديو وعدم اللجوء إلى إعلانات التلفزيون المكلفة، وأن القادة
اليهود الأمريكيين لجئوا للأسلوب الجديد بسبب التغطية التلفزيونية
المستمرة للأخبار السلبية القادمة من إسرائيل.
وقالت الصحيفة أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية
مثل شبكة سي إن إن رفضت عرض الإعلانات خلال فترات معينة على شاشاتها
خوفا من أن يؤثر ذلك على صورتها الحيادية وسلامة مراسليها، ولكن وسائل
إعلام أخرى مثل شبكة فوكس نيوز رحبت بالإعلانات.
وقالت وكالة الأنباء العربية الأمريكية في مقال
نشرته في السادس من سبتمبر 2002 أن حملة الإعلانات السابقة حاولت تقديم
صورة إيجابية إسرائيل تركز على رغبة إسرائيل في تحقيق السلام بعد فشل
حملة إعلانات قام بها مركز سياسات الأمن - ذو التوجه المتشدد - والذي
أطلق حملة إعلانات ركزت على دور إسرائيل كشريك لأمريكا في حربها ضد
الإرهاب.
اعترافات إسرائيلية رسمية ومساعي لإعادة صياغة
دبلوماسية إسرائيل الشعبية
اعترف داني أيلون سفير إسرائيل إلى الولايات
المتحدة في تصريح لجريدة جروزاليم بوست في الرابع من ديسمبر الحالي بأن
إسرائيل تواجه مشكلة في شرح سياساتها بالجامعات الأمريكية وفي أوساط
الأفارقة الأمريكيين "حيث تنشط الجماعات المساندة لفلسطين بشكل أكبر".
وقال أيلون إن إسرائيل سعت لمواجهة المشكلة من
خلال الاستعانة باليهود السود في القيام بزيارات توعية لجماعات
الأفارقة الأمريكيين، كما نشطت السفارة الإسرائيلية في التواصل مع
أعضاء الكونجرس الأفارقة الأمريكيين، كما تعد السفارة الإسرائيلية في
واشنطن حاليا خطة لتحسين موقف إسرائيل بالجامعات الأمريكية تتضمن تشجيع
برامج الدراسات اليهودية والإسرائيلية.
وأوضح خبير علاقات عامة إسرائيلي يدعي جول لادين
والذي يترأس شركة علاقات عامة تسمى إسرائيل بي أر (ISRAELPR.COM) في
مقال نشره في العاشر من ديسمبر أن الحكومة الإسرائيلية عقدت في السابع
من ديسمبر الحالي اجتماعا هاما للنظر في سياستها الإعلامية في الخارج
حضره خبراء علاقات عامة من داخل وخارج إسرائيل، وقرر الاجتماع تشكيل
لجنة لوضع تقرير – في 45 يوما – عن المشكلة التي تواجهها صورة إسرائيل
في الخارج في الفترة الحالية وسبل علاجها ومنها توحيد الرسالة
الإعلامية وزيادة تنسيق الخطاب الإعلامي بين الوزارات الإسرائيلية
وزيارة التعاون مع وسائل الإعلام الأجنبية وزيادة الميزانية المخصصة
لهذه الأنشطة في الوقت الراهن (تبلغ حاليا تسعة ملايين دولار أمريكي).
وقال لادين أن الدعاية الإسرائيلية في الخارج
عانت في الماضي على الصعيد الداخلي من عدم التنسيق بين الوزارات
الإسرائيلية، ومن بيروقراطية الوزارات وأعاقتها لعملية صناعة القرار في
حرب العلاقات العامة التي تتطلب سرعة اتخاذ القرار وتفويض السلطة كحالة
الحرب بين الجيوش.
وقالت وكالة الأنباء اليهودية أن اجتماع الحكومة
الإسرائيلية الأخير ناقش تقريرا من وزارة الخارجية يطالب بجعل "سقطات
العلاقات العامة (الإسرائيلية) جزءا أساسي من النقاش العام بخصوص
التدابير الدبلوماسية والعسكرية".
دور الجماعات الأمريكية المساندة لإسرائيل
ذكرت وكالة الأنباء اليهودية أن يهود الخارج
يسعون إلى لعب دور أكبر في دبلوماسية تحسين صورة إسرائيل الجديدة، إذ
تنوي منظمة مشروع إسرائيل القيام بحملة إعلانات جديدة.
وقد أطلق مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية
الأمريكية خدمة إخبارية يومية مجانية موجهة نحو قادة الرأي الأمريكيين،
وكثفت لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك) جهودها في
تنظيم رحلات لصناع القرار الأمريكي لإسرائيل، كما أطلق مجموعة من رجال
الأعمال اليهود الأمريكيين بكاليفورنيا منظمة جديدة تدعى Israel21C
للعمل على تنشيط تغطية إخبارية لإسرائيل غير متعلقة بصراعات، كما انضم
بعض الأكاديميين المساندين لإسرائيل للحملة مثل أستاذ القانون بجامعة
هارفرد آلان درشوتز والذي قرر كتابة كتاب يسمى "قضية إسرائيل" لدحض
أكثر الانتقادات الموجهة لإسرائيل شيوعا.
ونشرت منظمة مشروع إسرائيل مؤخرا كتيبا لتوعية
اليهودي الأمريكي العادي بسبل شرح قضية إسرائيل للمواطن الأمريكي
وكيفية النشاط على هذا الصعيد. |